أخبار عاجلة

د.حسن عماد يكتب… حرية الرأي والتعبير والحق في الاختلاف (٣)

أصبح الحق في حرية الرأي والتعبير من البديهيات التي لا ينازع فيها أحد، وهو ما أكدت عليه منظمة الأمم المتحدة من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عام ١٩٤٨، حيث أكدت المادة (١٩) من هذا الإعلان علي أن ” لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار ونشرها بأية وسيلة كانت دون التقيد بالحدود الجغرافية” وتعد حرية الصحافة والإعلام هي حجر الزاوية في ممارسة الحق في التعبير وترسيخ الممارسة الديمقراطية، ويحمي هذه الحرية الدستور والقانون. ولعل من أغرب الأمور ألا بفهم البعض قيمة حق الاختلاف في الرأي، ويمارسون الاغتيال المعنوي، وأحيانآ الجسدي لصاحب الرأي المخالف، ويتركون موضوع الحوار وعدم مقابلة الحجة بالحجة، ويتفرغون للنيل من صاحب الرأي المخالف، وهو ما يعكس ضيق الصدور والإفلاس الفكري. إن التعصب للرأي الواحد لا يعمي العيون فقط، ولكن القلوب التي في الصدور. تستمد حرية الرأي والتعبير جذورها من الفكر الأخلاقي، والأخلاقيات هي نظام للمبادئ، وهي قيم وقواعد الحياة التي يدركها الفرد أو الجماعة خلال البحث عن إرشادات للمثل الإنسانية، أي قواعد الصواب والخطأ، ويمتد هذا التراث الأخلاقي منذ نحو ألفين وخمسمائة سنة من البحث عن تطبيق القيم والقواعد للحياة الإنسانية. وربما يرجع الفضل إلي الفيلسوف اليوناني القديم “سقراط” الذي وضع لحرية التعبير فلسفة ونظامآ، وجعل منها حقآ يعلو علي حق الحياة، وفقد حياته راضيآ لإعلان هذا الحق، وفداء لهذه الحرية التي تسمو علي كل شيء . ويطلق علي المنهج السقراطي “المنهج الجدلي” أي التماس المعرفة عن طريق السؤال والجواب. كان سقراط يري أن العلم فضيلة، وأن الجهل رذيلة، فمن عرف الخير سوف يتجه يقينآ إلي فعله، أما من يقترف الشر، فإن ذلك يرجع إلي جهله، وبالتالي فإن الأخلاق عند سقراط موضوعية ومطلقة، لأنها لا تنطلق من رغبة ذاتية، ولا تتغير بتغير الظروف والأحوال، وتظل ثابتة مهما تغيرت الظروف وتباينت المجتمعات، إذ يستحيل أن نجد طوال التاريخمجتمعآ أقام أسسه علي قواعد الرذيلة، بل كانت الأمانة والصدق والشجاعة والعفة فضائل إنسانية في كل زمان ومكان . وللحديث بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *