ابراهيم الصياد

ابراهيم الصياد يكتب… الإعلام و أفكار الخروج من الأزمة ! (1)

🔹في اللحظة التي نتطلع فيها لبناء المستقبل برؤية نافذة وعقل واعي نتجاهل ، ظاهرة خطيرة هي عزوف الشباب عن الإعلام التقليدي (التلفزيون، و الراديو، و الصحف الورقية ) وتعد هذه الظاهرة واحدة من أبرز التحولات الاجتماعية في عصرنا، وهي ملحوظة بشكل خاص في العالم العربي حيث بات الهاتف الذكي المحمول المعبر إلى العالم بكل فضاءاته و إضاءاته .
🔹وللحق هذا العزوف ليس مقصورًا على منطقة جغرافية معينة، بل هو ظاهرة عالمية، وان كانت أسبابها وتجلياتها في مجتمعاتنا لها خصوصيتها بحكم محدودية التنوع وانتشار قيم محافظة مرتبطة بما يمكن أن نسميه الأصولية الإجتماعية
🔹وترجع أسباب عزوف الشباب عن الإعلام التقليدي إلى انتشار الرقمنة و الإنترنت وبناء هيكل اعلام جديد يسمى On-Demand أو السيطرة على المحتوى – إعلام تحت الطلب – فلم يعد الشباب مضطرًا لانتظار نشرة الأخبار في التاسعة مساءً أو يسعى إلى شراء إصدار الغد من الجريدة أو يترقب معرفة درجة حرارة الجو من الشريط الإخباري News Bar فقد أصبح في إمكانه الوصول إلى أي خبر أو تحليل أو فيديو في أي وقت يناسبه عبر منصات مثل “يوتيوب” ووسائل التواصل الاجتماعي Social media والمواقع الإخبارية عامة أو متخصصة
🔹 ولم تعد وكالات الانباء هي مصادر الأخبار فقط بل نافستها منصات الأخبار على الإنترنت وفُتح أمام الشباب عالمٌ لا نهائي من المصادر المحلية والعالمية، بلغات متعددة، في شكل تدفق اخباري News Streaming وكنا في السابق ننتقل إلى العالم بواسطة الأقمار الصناعية Satellites أما اليوم أصبح الانتقال أبسط وأرخص عبر الانترنت ومتنوع سكاي بي و الزووم وغيرها من تطبيقات النقل المباشر ما يجعل الإعلام المحلي مجرد خيار واحد ومحدود بين مصادر متعددة والطريف أن بعض صانعي القرار الإعلامي مازالوا مصممين أن يلجأوا للتعتيم على الأخبار ولم يتقبل عقلهم الجمعي بعد فكرة الإنفتاح الإعلامي ولا يدركون حقيقة إذا لم أسارع بإذاعة الخبر فإن كثيرين غيري سيحققون السبق ويذيعون الخبر !
🔹 يعتقد كثير من الشباب أن الإعلام التقليدي، خاصة في العالم العربي، يمثل صوتًا للنخب الحاكمة أو لجهات سياسية معينة، مما يفقدهم الثقة في حياديته وموضوعيته بعبارة أخرى إن التسييس الدائم للخطاب الإعلامي يُفقد الإهتمام ومن ثم يمنع الإدراك فينحسر الوعي الجمعي مع التشبع الإعلامي وينظر الشباب إلى بعض البرامج التلفزيونية والنشرات الإخبارية على أنها تقدم صورة فيها نوع من التجميل للواقع، بعيدة عن همومهم اليومية ومشاكلهم الحقيقية وفي اعتقادي أن هذه هي أزمة الإعلام الرسمي الذي من المفترض أن يكون إعلام الشعب والخدمة العامة !
🔹 و نادرًا ما يعترف الإعلام التقليدي بأخطائه، ما يزيد من فجوة الثقة بين الأجيال لاتزال اللغة الرسمية الجامدة لغة الكثير من الإعلام التقليدي وهي لغة رسمية ومحافظة ، بينما يتحدث الشباب لغة أكثر مرونة و اختلاطًا بين الفصحى والعامية واللغة الإنجليزية وهو ما أضعف اللغة الأم ليس بسببهم بقدر انحسار دور للاعلام التقليدي في الحفاظ على اللغة العربية و جمالياتها في الأداء الإعلامي فلجأ الشباب إلى لغة عربية متفرنجة و مفردات ليست في القاموس اللغوي وهذه ظاهرة سلبية يجب أن نفكر بصوت عالي لإيجاد حلول لها !
🔹 يركز الإعلام التقليدي غالبًا على السياسة والاقتصاد بأسلوب تقليدي، وجامد كما أوضحنا بينما اهتمامات الشباب تمتد إلى التقنية، وريادة الأعمال، والترفيه، والثقافة الشعبية، الصحة النفسية، والتنمية الذاتية، والرياضة والفنون وهي مجالات يجدونها بشكل أفضل على منصات الإنترنت !
🔹وهكذا أصبح الإعلام التقليدي وجهة نظر ثابتة يقابلها وجهات نظر متعددة ومتغيرة ومتفاعلة ومتطورة حيث أن شباب اليوم يريدون الحوار و المشاركة و التعليق بإبداء الرأي، وهو ما توفره المنصات الرقمية التفاعلية و لا توفره غالبا القنوات التليفزيونية و المحطات الإذاعية إلا نادرا !
🔹 مقارنة بالتطبيقات الحديثة و المنصات التفاعلية التي تقدم محتوى سريع الإيقاع و جذابا شكلا ومضمونا ، يتسم التلفزيون والإذاعة والصحف الورقية بالبطء والملل والتراجع في درجة المشاهدة والمتابعة والاطلاع
🔹 إن تكرار الإعلانات الطويلة والمقاطع نفسها بشكل مستمر على التلفزيون خاصة في المسلسلات والبرامج يدفع الشباب إلى المنصات التي تتيح لهم تحكمًا أكبر في الإعلانات أو تجاوزها إذن حتى يخرج من أزمته ماهي (بدائل الإعلام التقليدي)؟ حسب ما يراه الشباب تحديدا وليس الخبراء فقط
🔹وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر، فيسبوك، إنستغرام، تيك توك) أصبحت المصدر الأول للأخبار العاجلة، والاتجاهات، والآراء ويتابع الشباب عليها الصحفيين المستقلين، والناشطين، والمؤثرين (Influencers) الذين يثقون بهم أكثر من المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة ذاتها !
🔹تعد منصة يوتيوب مثلا التلفزيون الجديد فيها كل شيء برامج حوارية مستقلة، تقارير استقصائية، تعليم، ترفيه، شروحات، وقنوات متخصصة في كل مجال يمكن تخيله كما ظهرت المدونات الصوتية أو البودكاست وأصبحت مصدرًا رئيسيا للتحليل المتعمق والمناقشات الطويلة حول قصايا محددة، تتناسب مع نمط الحياة السريع (الاستماع أثناء القيادة أو ممارسة الرياضة، إلخ).
🔹ظهرت منصات الأخبار الرقمية المستقلة التي تستهدف الشباب مباشرة بلغة أقرب وأكثر جرأة، وتتعامل مع قضايا تهمهم، وهي موجودة في شكل قنوات على الانترنت وقد كان لي لمدة عام تقريبا تجربة اسميتها قناة الوعي كنت أنتج مقاطع فيديو تتناول هموم واهتمامات المجتمع !
لكن لابد أن نعترف أن هناك تحديات أمام عملية انتقال الشباب من الإعلام التقليدي إلى الإعلام البديل او الرقمي :
🔹تشرذم المعلومات وتكوين “غرف الصدى اي قد يقتصر الشباب على متابعة من يتوافقون معهم فكريًا فقط، مما يعزز من أفكارهم وقد يمنعهم من التعرف على وجهات نظر أخرى وسنحاول التعرض لهذا النوع من الإعلام بالتفصيل في وقت لاحق
Ibrahim
🔹انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة Fake News على وسائل التواصل الاجتماعي دون رقابة فعالة أو ضوابط تحريرية يجعل مهمة تمييز الحقيقة من الكذب أكثر صعوبة بالنسبة للمستخدم العادي
🔹 أزمة الهوية تبدو في انغماس الشباب في فضاءات افتراضية تضعف قيمة الانتماء والمواطنة نتيجة أن الانترنت ووسائل الإعلام البديلة هي شبكة معلومات دولية تقضي تدريجيا على الهوية الوطنية.
🔹هذا العزوف ليس نهاية للإعلام، بل هو تحول جذري في شكله وطبيعته وهو يخلق فرصًا لرؤية جديدة و على المؤسسات الإعلامية التقليدية أن تطور نفسها وتتكيف معها من خلال تعزيز وجودها الرقمي على المنصات التي يتواجد فيها جموع الشباب و تبني لغة وخطابا جديدين أكثر صدقًا وقربًا من الجمهور مع المحافظة على جمال ورشاقة لغتنا العربيه !
🔹 إنتاج محتوى مرئي تفاعلي عالي الجودة (بودكاست، فيديوهات قصيرة، بث مباشر ) .
🔹 الاستثمار في الصحافة الاستقصائية والتحليل العميق لتمييز نفسها عن “ضجيج” وسائل التواصل غير الاحترافية !
🔹لا بد من دراسة تجربة الشباب في صناعة المحتوى ومساعدتهم على تطوير منصاتهم الإعلامية المستقلة، ما يمنحهم صوتًا لم يكن متاحًا من قبل ويدعم حرية التعبير والممارسة الديموقراطية
🔹عزوف الشباب عن الإعلام التقليدي هو رد فعل طبيعي على ثورة رقمية واجتماعية جاءت لتخرج من شرنقة الجمود إنه إعلان بأن “الجمهور” لم يعد متلقياً سلبياً، بل أصبح مشاركاً نشطاً في محتوى يليق بذوقه ووتيرة حياته واقتناعاته.
🔹إن المستقبل سيكون لمن يفهم هذه المعادلة الجديدة، سواء كان مؤسسة إعلامية عريقة أو شابًا طموحًا يمتلك هاتفًا ذكيًا وفكرة مبتكرة فيما يسمى الإعلام المدمج Integrated Media
باختصار هذا هو التطوير الحقيقي الذي يبحث عنه البعض هذه الأيام !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *