الكاتب الصحفي - عبدالسلام بدر

عبدالسلام بدر يكتب… خواطرُ . من افتتاح المتحف الكبير ..!!

منذ قرنٍ من الزمان أبدَع شاعر النيل ” حافظ إبراهيم ” ( ٢٤ فبراير ١٨٧٢ _ ٢١ يونيه ١٩٣٢) على لسان مصر القديمة فقال :
وقَفَ الخلْقُ ينظرون جميعاً كيف أبنى قواعد المَجْدِ وحدي …
وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي ” ..
أما مصر الحديثة فقد ترجَمَتْ ذاك القول إلى عملٍ مرئيٍ وملموس . بلَغَ صيِتَهُ وخَبَرُهُ إلى من شاهده اليوم ، ومن لم يشاهده فقالت :
لَمْ يقف الخلقُ ينظرون فقط كيف بنيتُ قواعدَ المجدِ وحدي .. بل جاءوا لينظرون كيف كان أبنائي العُظَماء القُدامىٰ . وما عليه أحفادهم الآن .
وأنا أقول مُردداً قول “الأخوان الرحباني :
مصرُ . عادَتْ شمسُكِ الذهبُ ..
تحملُ الأرضَ وتغتربُ
الحضاراتُ هُنا مَهْدُها
بعطاءِ المَجدِ تصطَخِبُ
نقَشَتّ في الصخْرِ أسفارَها
فإذا مِنْ صخركِ الكُتُبُ
اليوم . الأول من نوفمبر ٢٠٢٥ جاءت الكاميرات لآلاف القنوات الفضائية من كل الأقطار لتشْهَد الدليل الأكبر علي أعظم وأقدم حضارة عرفها الإنسان على وجه الأرض ، فكل بناءٍ هندسي ، و كل نحتٍ حجري ، ونقشٍ جداري . ومومياءٍ مُحَنَّطَة يتجاوز النظر إليهم حالة التفكير والتأمل باستغراق إلى الدهشة و الانبهار مما كان عليه المصري القديم من ذكاءٍ خارق ، وعلمٍ غزير ، وصبر وفير . ودقةٍ متناهية . فصَنَع حضارةً امتد أثَرُها إلى بقاع الأرض .
ومن يُنكِرُ فضل علماء مصر القدامى في فَنِّ العمارة ، ونظريات الهندسة ، وعبقرية الطِّبِ والتحنيط ، ومهارة الزراعة وفنون القتال والحرب ، .. وفنون الموسيقى والرسم فهو إما جاهلٌ أو حاقد ..
فلم تشْهَدُ البشرية قبل ميلاد ” المسيح” أرقىٰ من المصري القديم ، مصدر الفخر لكل مصري يسري في عروقهِ ماءُ النيل العظيم .
* جاءت الوفودُ وعلى رأسهِم ملوكُهم ورؤساؤُهم مُهنئِّين شعب مصر بيومٍ من أعظم أيام التاريخ .
ولكن ..
ماذا يُمثِّلُ هذا اليوم للمصريين مع فخرهم ومباهاتهم للأمم ؟
إنه يُمثِّلُ يوم الإفاقة ، واليقظة ، واستيعاب الحَدَث ، وإنعاش الذاكرة التي بَلَتْ ، وتَرَهَّلَتْ بفعل أحداثٍ جِسام صنعتها مؤامراتٌ ومكائد الحاقدين والطامعين . ومشاركات دنيئة من بعض الحاسدين .
لذلك يجب أن ينظر المصري إلي حضارة جدوده القدماء و يتَدبَّر كيف صنعوها بالمحبَّةِ والولاء ، وقوة الانتماء للحاكم العادل ، فالعدل أساس الملك . وهو العنصر الأهم في تماسُكِ الشعوب ، و قدرتها علي مواجهة الأزمات سواء كانت حروباً دفاعية مفروضة عليها ، أو كوارث طبيعية تحل بها .
بل جعل الحاكم من حبِّهِ لرعيَّتهِ ، وعدلهِ في حكمهم سبيلاً إلى طاعته والتفاني في خدمته . وتقديم القرابين لإرضائهِ ، ونَيْلِ بركته كإلهٍ يجلُب الخيرَ ويمنعُ الشر ( عدا فرعون “موسى” ) .
ولا يقف انعاش ذاكرة المصريين عند إدراك قيمة العدل في حب وطاعة الحاكم
ولكن لمواصلة بناءَ المَجدِ وحمايته من أقزام يتسلقون علي أكتافهم ليَظْهَروا كعمالقةٍ . وأَنَّىٰ لهم ذلك .
كما أتمني أن تستغل حكومتنا هذا الحدث التاريخي العظيم ، وهو انجاز هذا المتحف الكبير
في ربطهِ بالواقع الحالي ، والعمل على تعزيز مواضع القوة وتعدُّد مصادرها . سواء كانت هذه القوة عسكرية ، أو إقتصادية ، أو ثقافية ليظل التاريخُ يذكر أن المصري الحديث وَرَثَ (جينات) جدوده بما تحمله من ذكاءٍ مُتَّقِد ، وإصرارٍ لا يتزعزع ، وإرادةٍ لا تلين ليبقى هو المُعَلِّم والمرشد لباقي الأمم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *