أخبار عاجلة

د.جودة عبد الخالق يكتب… لقطات: أهلا رمضان !

أعزائى القراء، رمضان كريم وكل سنة وكلنا ومصرنا المحروسة بخير. اسمحوا لى أن أشارككم بعضا من خواطرى فى هذا الشهر الفضيل، ثم أستأنف حديث الإصلاح السياسى الأسبوع القادم. ابتداء، عنوان «أهلا رمضان» ليس له علاقة بالجهود المشكورة لوزارة التموين لتخفف عن المواطنين جزءاَ من عبء ما تسميه الحكومة «الإصلاح». و ليس له علاقة بأغنية محمد عبد المطلب. حديثى هنا عن ممارساتنا فى رمضان، و تطلعاتى إلى ممارسات مختلفة تليق بجلال الشهر الذى أنزل فيه القرآن. أقصد بعنوان «أهلا رمضان» أن نستقبل ونعيش شهرا يقل فيه اللهو والبلادة ويكثر فيه الجد والعبادة، مع قسط معقول من الترويح المقبول عن القلوب. ولنتذكر أنه قبل التوجه إلى الله بأى دعاء، لا بد أن نتأهل لذلك بالجمع بين العمل والعبادة.
وللأسف ليس هذا ما نفعله. فالإعلام الحكومى والخاص فى حالة تعبئة واستنفار قصوى: دراما رمضانية، مسلسلات، إعلانات، فوازير، كاميرات خفية، لقاءات للدردشة و تسلية الصيام. الفضائيات المختلفة تعرض اكثر من ثلاثين مسلسلا:. كلام فاضى.. كلام مليان.. كلام سخيف.. كلام ظريف.. كلام مخيف.. كلام كلام كلام. فأين العمل يا سادة يا مؤمنين؟!
وبصرف النظر عن أن ما تعرضه الشاشات وتبثه الإذاعات غث أو سمين، إلا ان هذا الكم الهائل معناه ببساطة أن الناس تسهر فى المتابعة حتى الصباح. وفى نهار اليوم التالى ينغمسون فى الحديث عما شاهدوه فى الليلة الماضية وتوقعات الليلة التالية! فمتى إذن يعمل المصريون؟ وكيف ينتجون؟ والمدهش أنه رغم الصيام، يأكل الناس فى وجبَتَىْ رمضان أكثر مما يأكلوه فى الوجبات الثلاث فى غير رمضان. إذن يزداد استهلاكنا و يقل إنتاجنا.
إن مجتمعنا يواجه تحديات وجودية بإمتياز: تحدى الإرهاب، تحدى مياه النيل، تحدى التماسك الوطنى، تحدى الوضع الاقتصادى المتأزم… إلخ. و طريقة إدارة حياتنا فى رمضان تجعلنا أكثر ضعفا وأقل قدرة على مواجهة هذه التحديات.
بإختصار، نحن بحاجة إلى معادلة جديدة لتنظيم حياتنا فى رمضان. وبما أن أذان الفجر يحين بعيد الثالثة صباحا وشروق الشمس حول الخامسة، فلماذا لا نبدأ يوم العمل مبكرا- مثلا فى السابعة صباحا؟ بذلك يكون إنتاجنا أكثر. وبما أننا نصوم، فيجب أن نجعل استهلاكنا أقل من الشهور العادية. إذا فعلنا ذلك، يزداد إنتاجنا ويقل استهلاكنا. هذا سوف يحسَّن من صحتنا ومن حالتنا الاقتصادية كثيرا، وربما نستغنى فى هذه الحالة عن كثير من الديون. وفوق كل ذلك نفوز برضى الله ورضوانه، لأننا جمعنا بين العمل و العبادة.
لذلك، فعندما أقول «أهلا رمضان» فإننى أبشر بشهرمختلف عما نعيشه الآن. شهر ننفض فيه غبار الكسل و الترهل، ونلبس رداء الجد والاجتهاد. شهر ينتظم فيه دولاب العمل فى دوائرنا الحكومية ووحداتنا الخدمية، فتتحقق مصالح الناس شهر ينساب فيه المرور فى شوارعنا انسياب الماء فى مجرى نيلنا. شهر يقل فيه الصخب والضجيج و يسود فيه الهدوء والسكينة.
شهر نقلل فيه أطنان القمامة التى نلقى بها على قارعة الطريق وتهدد الصحة العامة. شهر نقضى فيه على جحافل الكلاب الضالة فى شوارعنا. شهر تزيد فيه أفعال البر و المعونة و تقل فيه أعمال الشر والجريمة. شهر نأكل فيه قليلا ونعمل كثيرا. وكل ذلك وأكثر منه فى متناول يدنا، إن نحن صدقنا النية و عقدنا العزم. ولنتذكر أننا منذ خمسة وأربعين عاما خضنا حرب أكتوبر/ رمضان و نحن صائمون، وانتصرنا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *