محمد يوسف العزيزي يكتب… سعاد.. والفساد.. والحجر الداير !

عمار يا مصر
مفيش دخان من غير نار .. حكمة أو قول زي ما يكون .. لكنها كلمات نقولها عندما نري شيئا نستغربه ، وقياسا علي ذلك مفيش فساد من غير رائحة تزكم الأنوف ، لكن يبدو أننا تعودنا تلك الرائحة فلم تعد تلفت انتباهنا أو تسترعي اهتمامنا إلا عندما تصيبنا بالدوخة من شدتها ! 
الحديث لا ينقطع عن سعاد الخولي نائب محافظ الإسكندرية منذ لحظة القبض عليها أثناء اجتماع داخل مكتبها بالمحافظة في موقف تراجيدي يمثل لحظة سقوط مروع ما كان يخطر ببالها ولا في كوابيس الشتاء المزعجة بعد أن كانت تمهد طريقها للوصول والجلوس علي مقعد محافظ الثغر ، وربما- والله أعلم – الوصول لأبعد من ذلك بكثير ، فطموح السيدة لم يكن له حدود أو سقف يوقفه عن الصعود . 
تفاصيل الواقعة كثيرة ومشوارها مع الفساد طويل حسب ما جاء في الأخبار التي تتناول سقوطها ووصولها للمحطة الأخيرة من الرحلة ، فقبل عملها في الإسكندرية سبق اتهامها ــ في شكوى مقدمة للكسب غير المشروع ــ بامتلاك 5 شقق في أماكن مختلفة، ومشاركتها في ملكية شركة لحوم، وامتلاك 4 حسابات بنكية، وأراض وشاليهات في محافظتي مطروح والبحر الأحمر ، ومع ذلك استمرت دون توقف في رحلة الصعود السريعة حيث بدأت حياتها السياسية بالانتقال من مهنة الطب البيطري، إلى منصب نائبة محافظ البحر الأحمر، ثم نائبة محافظ الإسكندرية، وعاصرت 4 محافظين، بدءا من المسيرى – ولها معه قصة كانت سببا في خروجه من المنصب إلي جانب قصص أخري – مرورا بمحمد عبد الظاهر، ثم رضا فرحات، وانتهت نائبا للمحافظ الحالي قبل القبض عليها بتهمة الرشوة والتربح من الوظيفة والإضرار بالمال العام حسب ما صرحت به الرقابة الإدارية التي ألقت القبض عليها ! 
من المؤكد أن هناك المئات من سعاد في دواوين الحكومة ، وفي دواوين المحليات يمارسون الفساد علي قدم وساق ، ومن المؤكد أيضا أن هناك مئات البلاغات والشكاوي التي ترصد موظفين كبار وصغار يعملون في المحليات في كل محافظات مصر ولا يلتفت إليها إلا عندما نصاب بالدوخة من رائحة الفساد فيها ! 
رحلة فساد سعاد من بداية الصعود وحتى السقوط فيها من الدروس الكثير وفيها من التساؤلات الغريبة والعجيبة الأكثر ، بل هي نموذج للفاسد الذي يريد كل شيء وكأنه يدرك أن القدر لن يمهله للإحساس بالشبع ، ونموذج للغفلة أو التغافل عن متابعة هؤلاء الذين يبدو عليهم فجأة مظاهر الثراء والقوة والسيطرة والسطوة والتفاف البعض حولهم ! 
قضية سعاد في يد جهات التحقيق تري فيها ما يري .. اتهام أو براءة .. لكن ذلك لا يمنعنا من السؤال .. 
* كيف أسند محافظ الإسكندرية الأسبق محمد عبد الظاهر لسعاد ملفي مجابهة البناء المخالف، واستعادة أراضى الدولة المنهوبة، وهما الملفان اللذان تئن المحافظة منهما فسادا حيث تقدر قيمة مخالفاتهما بمليارات الجنيهات دون أن يتأكد من أنها ستفعل فيهما المصلحة العامة ولا تستخدمهما للتربح وإهدار المال العام علي المحافظة ؟ 
* كيف لم ينتبه المحافظون الذين عملت معهم سعاد إلي الصراع الذي لم يتوقف بينها وبين سكرتير عام المحافظة حول صلاحياتها ومحاولة استحواذها علي ملفات خاصة ؟ 
* كيف لم ينتبه المحافظ الحالي والسابق لعلاقاتها مع رجال أعمال تم القبض عليهم معها طوال الفترة السابقة وفحص تأشيراتها الخاصة ببعض أعمالهم في المحافظة ؟ 
* كثير من الدخان لف مسيرة سعاد الخولي في المحافظة ، ومفيش دخان من غير نار .. لماذا لم تسارع الأجهزة والمحافظ بإطفاء النار قبل أن تأكل من خيرات البلد الكثير ؟ 
* السؤال المهم .. ما هي المرحلة التي يجب عندها وقف استمرار الفاسد والقبض عليه ومحاسبته ؟ 
* السؤال الأهم .. ما هي معايير الاختيار والترقي لهؤلاء الذين جاء بحقهم بلاغات فساد وتحقيقات في جهات رسمية ومع ذلك يستمرون في وظائفهم وتسند إليهم ملفات مهمة ؟ 
كما يقول المثل العبقري ( الحجر الداير لابد من لطّه ! ) كذلك الفاسد الذي لا يتورع في الفساد بكل صورة الدنيئة التي تصل إلي وجبة طعام في مطعم وحذاء ماركة من محل فاخر ! 
أعتقد أنه من الواجب أن نقول أن سعاد الخولي نائبة محافظ الإسكندرية سابقا وغيرها من الفاسدين هم الحلقة الأخيرة في سلسلة الفساد يسقطون كما تسقط الزائدة الدودية عندما يصيبها المرض أو تسبب الألم للجسد .. غير أن المهم هو كسر سلسلة الفساد في كل مراحلها ومحاسبة من اختار سعاد ووقف خلفها وفرضها علي الوظيفة التي لا تستحقها ، وكل من وصل علمه بلاغا ضدها ولم يتخذ إجراءات محاسبتها ، وكل من عرف فسادها ممن هم حولها ولم يبلغ عنها !
رجال الرقابة الإدارية نموذج مثالي للشرف والوطنية والإيثار يستحق الدراسة ورفع القبعة له .. بينما سعاد الخولي نموذج سيئ وقبيح للموظف العام الفاسد يستحق الدراسة واستخلاص الدروس والعبر الكثيرة منه ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *