أخبار عاجلة

محمد يوسف العزيزي يكتب… “إصلاح اقتصادي .. طيب وبعدين ؟!”

ما كان لرئيس أن يجرؤ علي اتخاذ أي قرار يتعلق ببدء إجراءات الإصلاح الاقتصادي الحقيقي وهو يعلم أن ذلك سوف ينقص من شعبيته ، وسوف يزيد من خصومه ومعارضيه الذين يجلسون علي الشط ينتظرون مرور المظاهرات والاحتجاجات بسبب تداعيات هذا الإصلاح الذي يدفع فاتورته الباهظة الغلابة ومحدودي الدخل وهم كثير في هذا الوطن ، وكان يمكنه أن يحذو حذو من كانوا قبله من الرؤساء الذين جلسوا عقودا فوق كرسي الرئاسة اكتفوا فقط بالمسكنات التي لا تعالج المرض ، ووضعوا علي وجه الوطن مساحيق تجعله جميلا وهو غير ذلك حتى تحولت المشاكل الصغيرة إلي كرات ثلج كبيرة لم يقترب منها أحد فسحقت الغلابة بقسوة .
وما كان لشعب يعاني منذ عقود طويلة أن يستقبل قرارات الإصلاح الاقتصادي دون أن يثور ويعترض ويحتج لأنه يدرك أن تداعيات القرارات سوف يشربها علي معدة خاوية ، لكن الشعب المصري تجاوب مع هذه القرارات وقرر ابتلاعها خوفا علي الوطن من السقوط ، وخوفا من أن تتطور المشكلة أكثر من ذلك فلا نجد لها حلولا شافية ونظل هكذا نعالج العَرض ونترك المرض ليقضي علي أبنائنا وأحفادنا ، ونكون بذلك ضيّعنا الأمانة وقضينا علي الأمل .
الشعب المصري فعل ما يجب عليه فعله ، وقدم أكثر من المطلوب منه ، وما زال عنده الكثير ليقدمه للوطن ، وآن الأوان ليستريح ويلتقط أنفاسه ، وأن يشعر أن ما قدمه وتحمله له مردود عليه ولو بسيط ومتدرج .. آن له أن يري رد الجميل من الحكومة التي صبر عليها وتجرع دواءها المر ، وسمح لها أن تُجري له جراحة صعبة بدون بنج وبدون استعداد ، وغض الطرف عما يجب أن تقدمه الحكومة له في فترة النقاهة حتى لا يصاب بنكسة !
الشعب مرر كل محاولات استهدافه ، ومحاولات تهييجه وإثارته ووقف خلف الدولة ثقة في الله أولا وفي قدرتها علي تحقيق الخير ورفع المعاناة عنه ، وثقة في القيادة السياسية التي تخطط وتبذل ما في وسعها برؤية إستراتيجية طويلة المدى تنظر للأمام وليس تحت أقدامها فقط .
لكن للأسف يركب الرئيس آلة الزمن منطلقا للأمام وتركب الحكومة الفيل ليلف ويدور في نفس المكان ، فمنذ شهر تقريبا عقد الرئيس أول اجتماع للهيئة العليا للاستثمار ، وصدر عن الاجتماع مجموعة من القرارات الإيجابية والضرورية لتحسين مناخ الاستثمار الذي يعتبر الركيزة الأساسية لدفع عجلة التصنيع والزراعة والإنتاج وخلق فرص عمل لتقليل نسب البطالة وخفض مستوي التضخم ، ومن وقتها لا حس ولا خبر .. ما زال قانون الاستثمار لم ير النور بعد ، ولم نسمع عن جلب استثمار أجنبي مباشر يضخ الأموال الصعبة في شرايين الاقتصاد حتى نتجنب الاقتراض والمساعدات التي باتت عنصر ضاغط علي القرار المصري ، ولعل الموقف مع بعض دول الخليج يؤكد أننا في حاجة لقدرات ذاتية والاعتماد علي النفس .
في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي لم يتمخض عنه سوي اتفاقيات الكهرباء وهو إنجاز لا ينكره أحد خرج وزير الاستثمار أشرف سالمان وأطلق ما يسمي بالشباك الواحد وقال أن ذلك يستغرق 18 شهرا ، ومر 24 شهر تقريبا والشباك لم يأت .. شباك الحكومة عند النجار ، وذهب سالمان وجاءت وزيرة جديدة والشباك ما زال عند النجار !
كان من الطبيعي وقبل البدء في إجراءات الإصلاح بتعويم الجنية وتحديد سعر واحد للدولار ، وقبل رفع أسعار الطاقة تمهيدا لرفع الدعم بالكامل خلال العامين القادمين أن يتم تجهيز بيئة صالحة للاستثمار بشكل جيد ليحدث التدفق المطلوب .. لكن أن يتم الإصلاح بالقطعة وخلال ذلك يدفع البسطاء ومعدومو الدخل كل الفاتورة فإن ذلك بالقطع لن يكون في صالح الحكومة والنظام !
في فترات التحولات الصعبة خصوصا الاقتصادي منها فإن الأمر يحتاج سرعة حركة واستجابة سريعة لتقلبات السوق وانتباه شديد لكل الآثار الجانبية للقرارات الصعبة ، ويحتاج مبادرات من الحكومة وسعي دءوب لجلب الاستثمار برؤية واضحة وهذا لا يحدث حتى الآن ، وأرجو أن ننتقل بسرعة للفعل وتنتهي مرحلة رد الفعل التي تضيع معها فرص يصعب تعويضها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *