أخبار عاجلة

بعيدا عن أجواء الحرب.. استعراض للسيارات قرب طرابلس الليبية

تصعد السيارات الرباعية الدفع التي كانت ممنوعة على الليبيين في زمن النظام السابق، الواحدة تلو الاخرى تلة رملية في منطقة ساحلية قرب طرابلس، في استعراض اسبوعي يشكل متنفسا لعشرات الشبان بعيدا عن يوميات النزاع المسلح في بلدهم.
وعند فترة العصر من كل يوم جمعة، يتجمع هؤلاء الشبان في المنطقة الواقعة على بعد امتار قليلة من البحر في بلدة القره بوللي (حوالى 60 كلم شرق طرابلس)، يقودون سياراتهم صعودا ونزولا، فيما يكتفي اخرون بالتفرج عليهم والتصفيق لهم.
ويقول احمد عبد القادر عتيقة احد المشرفين على الاستعراض إن سيارات الدفع الرباعي كانت ممنوعة على الليبيين قبل الثورة ومسموح بها لدوائر أمنية وحكومية معينة، لكن بعد الاحداث فتحت السوق أمام الجميع وبدا يشتريها الشبان ثم شرعنا في تنظيم هذا الاستعراض.
ويضيف أن “هذا المكان ملتقى للشباب الليبيين الذين يأتون من عدة مدن كل يوم جمعة. انها صورة جميلة تمنح الامل بان الرياضة قادرة على حل الخلافات وحقن الدماء”.
وتشهد ليبيا صراعا على السلطة منذ اسقاط النظام السابق عام 2011 تسبب بنزاع مسلح في الصيف الماضي وبانقسام البلاد بين سلطتين، حكومة يعترف بها المجتمع الدولي في الشرق، وحكومة مناوئة لها تدير العاصمة منذ اغسطس بمساندة تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى فجر ليبيا.
وتخوض القوات الموالية للحكومة المعترف بها منذ اكتوبر الماضي معارك يومية مع قوات فجر ليبيا في عدة مناطق في الغرب، في نزاع قتل فيه اكثر من ثلاثة الف شخص، بحسب منظمة “ليبيا بادي كاونت” المستقلة التي تعتمد على مصادر متنوعة بينها دوائر الطب العدلي.
ورغم المعارك المستمرة، والانقسام بين الليبيين، الا ان في منطقة استعراض السيارات الرباعية الدفع، تختفي اثار الحرب كليا، حيث تبدو هذه المنطقة وكانها جزيرة معزولة عن الواقع اليومي لبلاد لم يهنا شبانها بحياة طبيعية منذ اكثر من اربع سنوات.
وقبيل بدء الاستعراض، توزعت نحو 50 سيارة رباعية الدفع في ارجاء المكان، بعضها تسلقت التلة العالية، واخرى اتخذت من ظل الاشجار المنتشرة في هذه البقعة موقفا لها.
وجلس بالقرب من هذه السيارات الحمراء والصفراء والبيضاء والبرتقالية وغالبيتها مكشوفة السقف، عشرات الاشخاص الذين اتوا ليشاهدوا او ليشاركوا في الاستعراض، بعضهم اتخذ من الرمال مكانا للجلوس، وبعضهم الاخر لجأ الى صندوق سيارته.
وقال محمد وهو طبيب اسنان “نذهب الى البحر، ثم ناتي الى هنا لنتفرج على هؤلاء الشبان ونعيش معهم التحدي. اتي الى هنا منذ عامين، لكنني كلما احضر الى المكان اشعر بانه امر جديد وبانها زيارتي الاولى”.
ومع بدء انحسار اشعة الشمس خلف التلة، اعطى عتيقة اشارة انطلاق الاستعراض، لتتصاعد اصوات المحركات الصاخبة معا فجاة، وسط تصفيق المتفرجين الذين تمركزوا على اطراف الوادي الواقع في اسفل التلة، حاملين هواتفهم النقالة استعدادا لتصوير الحدث.
وانطلقت سيارة برتقالية مكشوفة السقف بسرعة عالية من اسفل الوادي في محاولة لبلوغ اعلى التلة، وما ان وصلت الى المكان المنشود، حتى همت بالنزول انما بسرعة اقل من اجل تفادي الاصطدام بالسيارات الاخرى التي كانت قد بدات بدورها محاولة الصعود.
ولم تمض دقائق قليلة حتى اكتظت المساحة المخصصة للاستعراض بالسيارات التي لم تكتف فقط بصعود ونزول التلة، بل بدا بعضها بالسير ببطء جنبا الى جنب في مسار افقي ما تسبب بتصاعد الرمال في سماء المكان.
ومع ان بعض السائقين لم يتمكنوا من بلوغ اعلى القمة، واضطروا الى العودة خائبين نحو اسفل الوادي والمحاولة من جديد، الا انهم كانوا يصرخون للحاضرين طالبين منهم الهتاف لهم تشجعيا، وهو ما حدث مع سيارة بيضاء فشلت ثلاث مرات في بلوغ قمة التلة، الى ان نجح سائقها اخيرا وتلقى صيحات وتصفيق المتفرجين.
ووضع السائقون الشبان على سياراتهم العلم الليبي، والصق اخرون عبارات مثل “شباب ليبيا”، او “ملك الطريق”.
وقال منير رمضان صاحب سيارة الجيب البرتقالية التي يعود تاريخ تصنيعها الى العام 1981 وقد اضيف اليها محرك اكثر حداثة “شعورنا باننا نقود سيارات كانت ممنوعة علينا لا يمكن وصفه”.
واضاف “نأمل في ان تتطور هذه الرياضة وان تستمر، ونحن نطمح الى ان نصل الى مستويات اعلى، لكننا نحتاج الى الدعم”.
ومرت ساعة على الاستعراض قبل ان يتحول الى مسابقة في الدوران بالسيارة وسط الوادي، ثم الى سباق قصير في التسبب بنشر اكبر كمية من الرمال في الهواء، بينما كانت تتصاعد شيئا فشيئا رائحة الاطارات المحترقة.
واستمر الاستعراض لمدة ساعتين، قبل ان يجمع السائقون سياراتهم الواحدة وراء الاخرى، وينطلقون في مغامرة اخيرة تتمثل في القيادة على الشاطئ الرملي الى جانب البحر لحوالى ثلاثة كيلومترات قبل الوصول الى الطريق السريع.
وقاد هؤلاء سياراتهم على الشاطئ بسرعة عالية في خط مستقيم، فيما كانت الشمس في المرحلة الاخيرة من فترة المغيب.
وعلى الشاطئ كانت العائلات التي امضت يومها في السباحة توضب اغراضها وتفكك خيمها الصغيرة، ومنها عائلات جلبت معها قوارب صغيرة او دراجات مائية وضعتها على ناقلات وربطتها بسياراتها.
ويقول عتيقة “ينتقدنا كثيرون اذ يقولون ان البلاد تعيش حربا ومشاكل داخلية بينما نحن نتسلى ولا نهتم بما يجري. لكن على العكس، نحن مهتمون، وبيننا عسكريون وموظفون حكوميون، الا ان هذا اليوم هو للترفيه وازالة ضغوط الاسبوع”.
ويتابع “ليبيا في هذا المكان ليست كما نراها على شاشات التلفزيون. ليبيا هنا فيها الخير”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *