خالد الكيلاني يكتب… قطر.. تاريخ من العمالة والتآمر !!

يعرف الجميع أن دويلة قطر – منذ إنقلاب الأمير السابق حمد على والده الأمير خليفة عام 1995 – تربطها علاقات وثيقة بالجماعات الإرهابية المتأسلمة ، وكانت هذه العلاقات تتم دوماً لصالح المخابرات الأمريكية ، فقطر في تلك المرحلة المبكرة لم تكن حتى تطمع في البحث عن دور أكبر من حجمها ، مكتفية بكونها العميل المعتمد لل CIA في المنطقة .
بداية تلك العلاقات كانت بتعيين حمد بن جبر بن جاسم ( إبن عم الأمير السابق حمد بن خليفة ) ورجل أمريكا الأول وزيراً للخارجية ، ثم رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية ، حتى إبتعاده للظل عند تبديل الأدوار بتولي تميم الإمارة خلفاً لأبيه حمد بن خليفة عام 2014 .
وفي هذه الفترة خرجت قناة الجزيرة للنور عام 1996 بتمويل قدره 50 مليون دولار من مخصصات وزارة الخارجية القطرية بأمر مباشر من وزير الخارجية حمد بن جبر بن جاسم .
كانت بداية تلك العلاقات مع تنظيم القاعدة وزعيمه السعودي أسامة بن لادن أثناء الحرب في أفغانستان ، وكذا تنظيم طالبان بزعامة الملا عمر ، حيث جعلت قطر من قناة الجزيرة منبراً لبث رسائل بن لادن والملا عمر ، وإجراء الحوارات معهم ، وكان هذا الأمر يتم دوماً بالتنسيق مع المخابرات المركزية الأمريكية ، وبأوامر من الرئيس الأمريكي چورچ بوش الإبن .
وكانت الشرائط المصورة التي يتم تسجيلها عن طريق قناة الجزيرة لأسامة بن لادن ، تصل ويتم بثها فوراً عبر تلك القناة ، ولا يعلم كيف تم تسجيلها ووصولها لقناة الجزيرة سوى الله ثم المخابرات الأمريكية وعملاؤها في تلك القناة .
ولكن بدا لقطر أن تخرج عن الدور المرسوم لها ، فحاولت إستخدام تنظيم القاعدة لحسابها مستخدمة في ذلك الأموال الطائلة التي تملكها قطر نتيجة لطفرة النفط والغاز في تلك الجزيرة الصغيرة ، وهو ما حدا بأمريكا إلى التهديد بقصف قناة الجزيرة عقب أحداث سبتمبر عام 2001 ، وكانت أمريكا وقتها تتهم قطر بإخفاء بعض المعلومات عنها فيما يتعلق بتنظيم القاعدة ، ثم أوعزت بعدها لبعض أجهزة الإستخبارات الغربية للتضييق على بعض مراسلي قناة الجزيرة ، فتم القبض على الصحفي السوري تيسير علوني عام 2003 والحكم عليه عام 2005 بالحبس لمدة 7 سنوات في إسبانيا ، بعد أن رفض إمداد المخابرات الإسبانية بمعلومات عن مكان إقامة أسامة بن لادن تحديداً ، وقد تكرر هذا الأمر مرة أخرى عندما تم القبض على الصحفي المصري أحمد منصور بواسطة المخابرات الألمانية في مطار برلين عام 2015 ، ولكن أحمد منصور كان أكثر ” تعاوناً ” من زميله السوري فقدم إعترافات كاملة وموثقة للمخابرات الألمانية عن علاقاته بالتنظيمات الإرهابية ، وخاصة تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية ، وتم الإفراج عنه بعد أن قدم لهم ما يريدون من معلومات ، وبعد أن توسط له الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدى ألمانيا ، وكان هو الذي طلب منه وهو في محبسه عن طريق محاميه التعاون مع المخابرات الألمانية ، فقد كان هذا هو إتفاق أردوغان مع السلطات الألمانية .
ولن ينسى أحد الدور الذي قامت به قطر عن طريق ذراعها الإعلامية قناة الجزيرة في سقوط بغداد والقبض على الرئيس العراقي صدام حسين ثم إعدامه ، واستمر الدور القطري في العراق تحت رعاية أمريكية ، حتى تم تفتيت وتدمير الجيش العراقي ، ومن ثم تفتيت وتدمير العراق نفسها بعد ذلك .
وكانت مكافأة أمريكا لعميلتها قطر بنقل القوات الأمريكية التي كانت متمركزة شرق السعودية منذ إجتياح صدام للعراق عام 1990 إلى قطر بعد أحداث سبتمبر عام 2001 ، وإنشاء قاعدتي العُديد والسيلية على أراضي الجزيرة الصغيرة .
ثم جاء العصر الذهبي لقطر وقناة الجزيرة فيما أُطلق عليه الربيع العربي حيث عملت هذه المرة لصالح إدارة أوباما بدلاً من إدارة بوش الإبن في صناعة ودعم وتمويل وتلميع المليشيات الإرهابية ، ومن يسمون بالنشطاء في مصر وسوريا وليبيا واليمن ، وهي قصة معروفة للجميع .
فضلاً عن التاريخ الملوث لقطر وذراعها الإعلامية في بث بذور الفتنة وزعزعة الإستقرار في أرجاء الوطن العربي ، بدءاً بالتحريض على تقويض العلاقات بين المغرب والجزائر في غرب العالم العربي ، حتى التحريض على الفتنة بين السنة والشيعة في العراق ، وإيقاع الفتنة بين سوريا ولبنان عن طريق التخطيط لاغتيال رفيق الحريري وإلصاق التهمة بالنظام السوري ، وتمويل الميليشيات الإسلامية المقاتلة في ليبيا ومدها بالسلاح والعتاد عن طريق السودان ، بل وإشتراك طائرات قطرية في قصف المدن الليبية ومواقع الجيش الوطني الليبي ، مروراً بزعزعة الإستقرار الداخلي في المغرب والجزائر وتونس وليبيا والأردن وسوريا واليمن وحتى العراق في أقصى شرق العالم العربي ، وتدريب ميليشيات معارضة ” مسلحة !!! “من كل تلك الدول في معسكرات أقامتها قطر خصيصاً في السودان لذلك الغرض .
بل إن قطر تشعبت مؤامراتها إلى وسط وغرب إفريقيا لمحاصرة مصر من الجنوب ، فمدت أياديها السوداء إلى بوكو حرام في نيچيريا ، وإلى المتمردين على الحكم في دولة مالي ، وقدمت الدعم المالي والسياسي لإثيوبيا من أجل حرمان مصر من حقوقها التاريخية في نهر النيل ، ومن أجل تعطيش المصريين .
ولم يسلم جيران دويلة قطر من زعزعة إستقرارهم وبث الفتن بينهم ، بدءاً من محاولة إيقاع الفتنة بين الإمارات والكويت عقب الحوار التليفزيوني الذي أجريته مع الراحل العظيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1997 ، والذي رويت لكم ملابساته في مقال سابق على هذه الصفحة ، مروراً بزعزعة إستقرار المملكة السعودية عن طريق تحريض المواطنين الشيعة في المنطقة الشرقية على الخروج على الدولة ، وزعزعة إستقرار البحرين وإيقاع الفتنة بين الشيعة والسنة هناك ، ودعم عناصر تنظيم القاعدة في السعودية واليمن وتنظيم الإخوان في الإمارات ، ما دعا الدول الثلاث ( السعودية والإمارات والبحرين ) إلى قطع العلاقات مع قطر عام 2014 ، وتدخلت الكويت يومها لرأب الصدع الذي أحدثته قطر داخل البيت الخليجي ، وترتب على هذه الأزمة تبديل الأدوار بخروج الأمير السابق حمد بن خليفة ووزير خارجيته حمد بن جبر إلى الظل ، وتقدم الأمير الشاب تميم بن حمد لقيادة قطر ، ولكن الحقيقة هو أن من يدير كل مؤامرات قطر حتى الآن من الظل هما حمد بن جبر بن جاسم والأمير السابق حمد بن خليفة على الترتيب .
كانت دول كثيرة قد أغلقت مكاتب قناة الجزيرة فيها بدءاً من المملكة المغربية عام 1999 بعد أن اتهمتها الحكومة المغربية علناً بزعزعة الإستقرار وبث الفتنة على خلفية مشكلة الصحراء المغربية ، ثم السعودية نفسها والبحرين والإمارات ، وتبعتها سوريا والعراق ولبنان وغيرها ، حتى مصر التي أغلقت مكاتب قناة الجزيرة فيها عام 2013 عقب ثورة 30 يونيو ، ومعلوم لدينا بالطبع موقف قطر وقناة الجزيرة من ثورة 30 يونيو ، ومساندتها للرئيس الخائن المعزول محمد مرسي وعصابة الإخوان ، وكم الأموال التي أنفقتها قطر لزعزعة الإستقرار في مصر .
وطبقاً لتقارير غربية صدرت في نهاية عام 2016 فإن حجم الأموال التي أنفقتها قطر على تسليح وتمويل وتدريب المليشيات الإرهابية في دول المنطقة يبلغ 67.3 مليار دولار في الفترة من عام 2011 حتى عام 2016 .
ولكن ما الذي حدث وجعل الدول الخليجية تنقلب على قطر وتتخذ منها موقفاً حاسماً بهذه القوة ؟
لم يكن ما تسرب من داخل القصر الأميري في قطر عن التخطيط لإغتيال الراحل العظيم الملك عبد الله بن عبد العزيز ، ولا تآمر قطر على مصر وعدد من الدول العربية والخليجية ، هو ما دعاهم لهذا التشدد تجاه المؤامرات القطرية .
ولكن الأمر الذي كان حاسماً في هذه المسألة هو التغيير الذي حدث في خطط وتوجهات الإدارة الأمريكية ( التي تعمل دولة قطر لصالحها ) بعد صعود دونالد ترامب إلى سُدة الحكم في البيت الأبيض في يناير الماضي ، ثم ما تم من إتفاقات وترتيبات على هامش القمة الأمريكية الخليجية الإسلامية في الرياض في مايو الماضي ، وما قدمته مصر من بالصوت والصورة والمستندات لأدلة تآمر قطر على مصر وعلى جيرانها ، وخاصة بعد أن قبضت أمريكا ثمن تخليها عن حماية قطر من المملكة العربية السعودية .
ويبقى السؤال : هل تمد الدول الأربعة الخيط حتى أخره في عملية حصار قطر وإسقاط النظام الحاكم فيها ، أم أن هناك مفاجأة ما ؟
وما هي السيناريوهات المحتملة بعد إنتهاء مهلة الأيام العشرة للنظام القطري ، وإعلان الحكومة القطرية رفضها للشروط ال 13 من أجل فتح صفحة جديدة معها ؟ .
هذا هو محور مقالنا القادم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *