الكاتب الصحفي - محمود عابدين

محمود عابدين يكتب… يكفينا “20” حزبًا بعدد مشاكلنا.. وليس “104”

تجربة الأحزاب المصرية الثالثة عام 1976، وصل عدد الأحزاب فيها إلى ستة أحزاب، أهمها: العمل برئاسة م. إبراهيم شكري، والوفد برئاسة فؤاد باشا سراج الدين، والوطني الديمقراطي برئاسة رئيس الدولة محمد أنور السادات شخصيًا، حيث اتسمت هذه التجربة بالنشاط والحيوية.
إذ كان هناك قضايا كبيرة مختلف عليها، وكان الصراع السياسي على أشده بين تلك الأحزاب، وحزب السلطة – الذي كان مجرد غطاء ديمقراطي للسادات – حيث كانت قضايا: الدعم، العدالة الاجتماعية، الصلح مع إسرائيل وعروبة مصر، محور الخلافات داخل الدولة والمجتمع.
وفي عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، وصل عدد الأحزاب إلى 24 حزبًا، فكثرت مشكلاتها بمضاعفة العدد، قلة العضوية، الشقق المفروشة، التركيز على العاصمة، توزيع المناصب على الأهل والأقارب، استبداد القيادة، الفساد وانحسار قيمة الحوكمة، بيع الحزب ومناصبه وترشيحاته في الانتخابات.
في هذا السياق، أذكر ما نقل عن الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل من باب الحرص على مصلحة الوطن العليا، وذلك عندما دعاه الرئيس الجديد حسني مبارك – بعد استشهاد بطل الحرب والسلام، محمد أنور السادات – وطلب منه الانضمام إلى الحزب الوطني، لكنه رفض، معللاً ذلك بأن الصحفي أفضل له ألا يتحزب، وحينها نصح الرئيس نفسه بتجميد عضويته في الحزب الوطني لأنه – أي الحزب – يستمد بذلك وجوده من السلطة وليس من الناس، وهذا هو الخطر، فرد عليه “مبارك”:
– تخوفك من الحزب الوطني مُبالغ فيه، ووجودي فيه ليس المشكلة، المشكلة فى العمل التنفيذي فى الحكومة وأنت تعرف حجم المشاكل، وزاد علينا خطر الإرهاب، والناس بتطلب لبن العصفور، ولابد من الاستقرار قبل أن نستطيع عمل أي شيء، والجماعات الإرهابية كامنة، وتنتشر تحت الأرض، وبعد مرور الوقت، تحقق تخوف “هيكل” بعدما استحوذ على الحزب الوطني مجموعة من هواة السياسة، تسببوا فيما وصلنا إليه حاليًا.
وانحصارًا لفترة الإخوان الإرهابية، وما نتج عن ثورة 25 يناير 2011 من ضبابية في المشهد البرلماني، مرورًا بما نحن فيه اليوم، فقد وصل عدد الأحزاب إلى “104 ” حزبًا سياسيًا مسجل رسميًا ومعتمد من لجنة شؤون الأحزاب….!!.. على الرغم إن الأحزاب الممثلة منها في مجلس النواب 13 حزبًا فقط، بينما يصل الأحزاب الممثلة في مجلس الشيوخ 17 حزبًا، قلة منها نسمع عنها لأسباب نعلمها جميعًا، والبقية مجهولة للأسف الشديد، أو بمعنى أوضح، لا لون لها ولا طعم ولا – حتى – رائحة….!!

والشئ بالشئ يذكر، بما أننا استبدلنا مسمي “مجلس الشعب” بـ ” مجلس النواب”، و”مجلس الشورى بـ “مجلس الشيوخ”، فمن الطبيعي أن نتطرق إلى ذكر عدد الأحزاب الأمريكية وهي 14 جزبًا فقط، إثنان فيها فقط فاعلة، وهما: الجمهوري والديمقراطي، والباقي، مثل: الشيوعي الأمريكي، أمريكا الطرف الأول، النازي الأمريكي، الأميركي، الشعبي الأمريكي و… ذات نشاط سياسي واجتماعي شبه معدووووم…
بطريقة أخرى لتبسيط الفكرة، من المفترض أن تنشأ الأحزاب نتيجة التباين فيما بينها، سواء فكري أو سياسي، وعلى هذا الأساس نطرح السؤال التالي:
– هل يوجد في مصر” 104 ” قضية مختلف حولها حتى ننشئ هذا العدد الكبير من الأحزاب…؟؟!!.. الإجابة: بالطبع لا.. فالمعروف أننا نمر الآن بمشاكل اقتصادية مزمنة، نتيجة عجز الموازنة، وتدني سعر العملة، والتضخم، وأزمة البطالة، وهذه العوامل وغيرها ترتبط بشكل أو بآخر بمصادر الدخل الريعية وغير المنتجة، إضافة لما سبق في ترتيب الأولويات، تأتي أزمة الصناعة، والتجارة الخارجية، والاستثمار: الوطني والأجنبي، ثم مشاكل: إنتاج الغذاء، والسياحة، والزراعة وشح المياه، والتعليم، والصحة، وتدني أوضاع الأحزاب، وانحدار المجتمع المدني و…. هذه بعض مشكلات مصر التي يصل عددها – بحسب الخبراء – على أقصى تقدير إلى 25 أو 30 مشكلة أو قضية.
الكلام ده معناه إيه كده بالعربي: الفصيح، الدارج، والفلاحي، أننا نحتاج من 25 إلى 30 حزبًا بعدد المشكلات المصرية، أما بقية الأحزاب، فالواقع الاجتماعي والسياسي يؤكدان عدم فائدتها، وهنا لا نكتفي باللوم على قيادات تلك الأحزاب وأعضائها فقط، بقدر ما نلوم أنفسنا: أصحاب قرار ومواطنين على هذا الوضع البرلماني الذي أصبح عبئًا على الوطن والمواطن على السواء.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخلافات بيننا كمصريين تم تصُنيفها على أساس فكري بأربعة تيارات: ليبرالي، يساري، إسلامي، ووسطي، ولحل هذه المعضلة لخلق حياة برلمانية صحية، مهم جدا اختزال كل هذه الأحزاب في 20 حزبًا أو أقل، وذلك عن طريق تشجيع دمج الأحزاب ذات الأفكار المتشابهة مع بعضها البعض، وأيضا منع مشاركة الآخرين في النادى الحزبي، ما لم يحصل أي منهم على مقعد واحد على الأقل في مجلس النواب.
ولربط الأحداث ببعضها البعض، لابد من إلقاء نظرة على ماضي مجلسى الشعب والشورى فى عهد النظامين السابقين: المخلوع والمعزول، فلم ينس المواطن أبداً كيف نهب العديد منهم أموال الشعب من خلال حصانتهم البرلمانية، بالتأكيد نعرف بعضهم، ففيهم من كان معدمًا وبقدرة قادر أصبح مليونيراً ثم مليارديراً، نواب المخدرات والقروض الذين نهبوا أموال الشعب من البنوك تحت سمع وبصر المسئولين وبمساعدتهم، نموذجا صارخا لاستغلال الحصانة البرلمانية أسوأ استغلال، ونماذج أخرى – لا تقل إجراما بحق المجتمع عما سبق – ارتكبت جرائم أخلاقية وفساد خلال العام الأسود فى حكم الإخوان بسبب الحصانة البرلمانية…..!!
ختاما.. إن ما أشيع عن الأحزاب الأربعة التي يصفها الناخب بـ “المدللة”: مستقبل وطن، حماة الوطن، الشعب الجمهوري، والجبهة الوطنية، يجب تنفي للناخب عن نفسها هذه الصفة بأي طريقة كانت، كما يجب أيضا أن تُعامل من قبل الجهات الرسمية للدولة كغيرها من الأحزاب الأخرى لأسباب كثيرة أساءت للحياة البرلمانية المصرية وللناخب والمرشح معًا.. تصريح د. حسام بدراوي عن ارتفاع سعر المقعد البرلماني إلى 70 مليون جنيه، وقبله اعتراف السيدة. حنان فايز عن طلب حزبها منها 25 مليون جنيه مقابل “الكرسي”، أمر يليق بوضع مصر الحالي في عهد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على الإطلاق.. مش كده ولا إيه…..؟؟!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *