أخبار عاجلة

محمد يوسف العزيزي يكتب… “ساويرس .. والجزيرة !”

عمار يا مصر 
مش قادر أبلع فكرة ساويرس إنه يشتري جزيرة من الجزر اليونانية ليحولها إلي وطن للاجئين السوريين الفارين من نموذج الربيع العربي السوري ، ومش نازل من زوري الكلام الرومانسي الذي يقطر حبا وحنانا وخوفا علي هؤلاء المساكين الذين دمرتهم ثورات الربيع العربي صناعة أمريكا وأوروبا وقطر وتركيا وباقي الأفنية الخلفية التي يمرح فيها الطابور الخامس ورموز حروب الجيل الرابع والخامس ! 
ساويرس طرح الفكرة وقال أنه سيكتب لرئيس وزراء اليونان رغبته في شراء جزيرة يحولها إلي وطن مثالي يضم المساكن والمدارس والجامعات والمستشفيات والأندية وكل الخدمات التي تساعد علي قيام حياة آدمية وكريمة لهؤلاء الفارين من جحيم الاقتتال في سوريا وغيرها من بلدان عربية كانت يوما ما أوطان آمنة ومستقرة ، وقال أنه سيكتب أيضا لرئيس وزراء إيطاليا- صديقه – يطلب منه ذات الطلب أو يدعمه في شراء الجزيرة اليونانية .
الفكرة تبدو رومانسية .. لكنها مثل علاج السرطان يخفف الألم لكنه لا يقضي عليه.. بل في أحيان كثيرة يقضي علي الجسد ويدمر ما بقي من خلايا وأعضاء سليمة !
الفكرة تبدو إنسانية .. لكنها لا تخلو من عدم الإنسانية عندما يصبح علاج الظلم والطغيان والعدوان هو البحث عن بديل يفقد معه المواطن هويته وانتماءه وتراب وطنه الذي دونه الموت ، ويشجع المعتدي علي المزيد من الاعتداء والقهر والقتل طالما هناك من يشتري للضحايا جزيرة يعيشون عليها أو وطن بديل غير وطنهم !
ساويرس لم يضع نصب عينيه نماذج الأوطان المسلوبة والضائعة فهو يملك أن يشتري وطنا آمنا يعيش فيه أو يصنع لنفسه وطنا يرتضيه ، ولم يفطن كذلك إلي أن طرحه لهذا الحل يفتح أبواب جهنم علي المستضعفين في الأرض الذين يعيشون في دول لا تملك مقومات الدول العفية الناهضة .
إذا كان ساويرس يسعي بجدية – وليس مجرد كلام يتواري خلفه كلام آخر – لحل مشاكل اللاجئين بهذه الفكرة .. فهل يخبرنا كيف يكون شكل الحياة وحال الناس فيها علي هذه الجزيرة ، ومن يحكمهم ويتولي شئون حياتهم ، ومن يدير مشروعات البنية التحتية فيها من طرق وكهرباء وتعليم وصحة ، ومن يتحدث باسمهم للمجتمع الدولي حال حدوث مشاكل أو نزاعات ، ومن يملك حق امتياز ثروات الجزيرة إذا كان بها ثروات ، ومن يحدد شكل هذا الوطن البديل ؟ هذه أسئلة تحتاج إجابات ولا أظن أن ساويرس يملك إجاباتها بشكل حصري !
إذا كان ساويرس جادا فيما يقول ويريد أن يساعد اللاجئين ، وأن أمواله لن يأخذها معه عند الرحيل أو انقضاء الأجل المحتوم – فالأعمار جميعا بيد الله – كان الأولي به أن يستخدم نفوذه وعلاقاته مع رؤساء دول ورؤساء حكومات من أصحاب التأثير الدولي للضغط في البحث عن حلول سلمية للخروج من كابوس الشتاء العربي الطويل ، أو يجمع رجال أعمال كبار من دول العالم من أصدقائه أصحاب نفوذ اقتصادي ضاغط في دولهم للضغط علي حكوماتهم للتوقف عن دعم العدوان علي الشعب السوري وإنهاء المؤامرة الدولية لتقسيم سوريا ، أو عمل حملات إعلامية في كبري في الميديا العالمية بالاشتراك مع أقرانه من رجال الأعمال يسخرها للدفاع عن قضايا اللاجئين من سوريا والعراق وكل الدول التي وقعت فريسة لوهم الربيع العربي ! 
لن أقول كما يقول البعض أن المصريين من سكان المقابر والعشوائيات والمرضي والعاطلين بلا عمل أولي من شراء جزيرة ، ولن أقول أن التبرع لصندوق تحيا مصر أولي ، لكن أظن – وليس كل الظن إثم – أن الفكرة غير بريئة لأن طرح حل الوطن البديل الذي ابتكره الغرب منذ بدايات القرن العشرين كابوس ما زال جاثما علي صدور العرب وما زال يتردد صداه حتى الآن ، ويبدو أن ساويرس نسي الجرح الغائر المتقيح وطن اليهود البديل في فلسطين العربية علي حساب أصحاب الأرض الذي بدأ بفكرة اللاجئين في مناحي الأرض ، وما زالوا في الشتات حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *