أخبار عاجلة

فض الالتباس بين مصر وحماس

لا يجوز أن تصرفنا أحداث اللحظة الراهنة عن الثوابت الاستراتيجية والمصالح العليا لمصر، لأن هذه الأحداث تنطمر مع الزمن وتبقى المصالح العليا مقياساً للحكم عبر كل لحظات الزمن، وعندما تكون مكونات اللحظة متصلة بمقومات المصلحة الاستراتيجية لمصر، يكون التحذير ملحاً وواجبًا.
ذلك أن حماس دخلت فى صلب الأحداث فى مصر فى ظل ثلاثة عوامل: العامل الأول الانحياز النفسى والإقليمى لمبارك وكذلك مشكلته الداخلية مع خصومه من الإخوان المسلمين الذين اعتبرهم أكبر مهدد لمشروعه لحكم مريح فى مصر.
العامل الثانى هو أن المنطقة العربية اتجهت إلى التسليم بأن التخلى عن فلسطين لإسرائيل يوفر عليها حرج المواقف والمواجهة المستحيلة بمقاييسهم ولكنها ممكنة بمقاييس المقاومة، فتخلت المنطقة عن فكرة المقاومة دون بديل سياسى للتسوية، وإنما البديل هو تسليم فلسطين وبالضرورة فتح الباب لإسرائيل فى معظم الدول العربية مادامت المواجهة والصراع ليسا فى قاموسهم وعبرت عنه القمة العربية بالسلام كخيار استراتيجى. العامل الثالث هو تقدم إيران ضمن مشروعها فى المنطقة بدعم المقاومة ضد إسرائيل ورفع شعار تحرير الأقصى.
وأصبح تقدم إيران فى هذه المساحة كشفا لعورة العرب ولكن هذه السياسية الإيرانية ليست بالضرورة انتصارا لفلسطين، لأن فلسطين ليست جزءا من إيران، كما أن الإسلاميين لم يدخلوا إيران فى المعادلة بل صارت خصما منهم، لأنهم متطرفون فى عدائهم للشيعة أكثر من عدائهم لإسرائيل، وأنهم بذاتهم عاجزون عن تحرير الأقصى حتى لو صحت عزائمهم وإنما الذى يحرر الأقصى هو الدول الإسلامية وعلى حركة الدول قيود معروفة بخلاف الحركات السياسية الإسلامية التى لا سقف لشعاراتها.
هذا العامل جعل إيران على نقطة التماس مع مصر ولبنان وسوريا والخليج فإذا فرقت بين إيران والعرب الخلافات، فكان يظن أن يوحدهم العمل من أجل فلسطين، ولكن لما كان هذا العمل من الجانبين لا تسنده رغبة حقيقية وأن فلسطين عنوان المزاد، صار الصراع مع إسرائيل هو من حظ إيران وحدها ولأسباب لا علاقة لها بالعرب وإنما يتعلق بالصدام بين المشروعين الإيرانى والصهيونى فى فلسطين والساحة العربية عموما، هذا العامل اضيف إلى نقاط وأسباب الصراع بين العرب ومصر فى المقدمة وبين إيران خاصة أن واشنطن هى المظلة الراعية للفريق العربى الإسرائيلى، والمناهض لإيران.
خلال حكم مبارك، كانت مصر ضد حماس والمقاومة وأقرب إلى إسرائيل والسلطة بسبب علاقة حماس بالإخوان وبسبب قرب مبارك من إسرائيل التى اعتبرته كنزها الاستراتيجى بحق، وكلما كانت عقيدة الدولة المصرية بكل مكوناتها هى الفصل بين المصلحة المصرية والإسرائيلية، فسوف يحاكم نظام مبارك على هذه الوظيفة.
العامل الرابع هو ارتباط أمن سيناء بصلب الصراع مع إسرائيل أو التعايش معها، فكان خنق غزة ممكنا لمجرد انحيازات مبارك السياسية والنفسية، وحتى لو اختفت حماس أو انفصلت معنويا عن الإخوان، فسوف يظل خنق غزة هدفا إسرائيلياً، كما كان يحدث قبل نشأة حماس أصلاً ومن الطبيعى أن تؤدى المواجهات الدامية بين إيران من ناحية والخليج وإسرائيل من ناحية أخرى فى سوريا إلى أزمة حماس سواء فى علاقتها مع إيران أو فى تمويلها أو حتى فى مقر قيادتها بعد تعذر بقائها فى دمشق.
وبعد أحداث يوليو وأغسطس فى مصر والصدام المروع مع الإخوان وظهور دور الجيش واشتداد الأزمة فى سيناء بدأ الحديث بشكل منتظم عن تورط حماس فى الشأن المصرى بدءاً من تحرير مسجونى الإخوان فى السجون، ومروراً بدور منسوب لها فى سيناء، وذلك بالتحديد هو الذى استدعى المواجهة المباشرة بين الجيش العامل فى سيناء وبين حماس، فإذا كانت حماس تعمل مع الإخوان وغيرهم فى مصر لإعادة الإخوان فإن ذلك مستحيل عملياً، ولكن التهمة كشفت قطاعا واسعا من المصريين يسىء إلى مجمل الموقف المصرى من القضية برمتها، وإذا كانت حماس تساعد الإرهاب فى سيناء ضد الجيش، فتلك إذا ثبتت حماقة لا تجوز وفى هذه الحالة فإن الجيش المصرى هو الطرف الآخر فى المعادلة.
وحتى لا يصل الأمر إلى حماقة تاريخية تضر بثوابت المصالح المصرية، بدعاوى تنطلق من كل اتجاه وتغذيها طبعا إسرائيل، التى ترى أن الصدام بين الجيش وحماس يعنى أنها توفر على نفسها هذه المواجهة وتطلق حالة سرطانية تؤدى بكل أعدائها، كما فعلت على المسرح السورى، وجب التنبيه إلى حقائق ليجوز القفز عليها مهما كانت ضرورات اللحظة، فمصر دائما هى الطرف الأكبر ومصلحتها العلى فى حماية مصالح الأطراف العربية، وتطبيقاً لذلك فمما يحمد لعبد الناصر أنه لم يستدرج إلى الصدام مع السودان حول حلايب وشلاتين عام 1958 ولم يتهمه أحد بأنه تخلى عن الوطنية المصرية وأعلى من شأن الجسد العربى الواحد الذى قطعه الاستعمار ورسم له حدودا وهمية، لن تلبث نيران العروبة أن تلتهم كل هذه الحدود وتعيد صياغة جسد الأمة، ولا يزال ضرب السادات لليبيا لأن القذافى كان طفلاً أهوج كما يقول وأنه أراد تأديبه، سبة كبرى تسىء إلى مصر وجيشها، ولنذكر أن ليبيا المحتلة بالقواعد كانت منطلقاً للعدوان على مصر وجيشها عام 1967 وأن « ثورة ليبيا» عام 1971 كانت ردا على هزيمة مصر وأعقبت « ثورة السودان» فى عام 1969 بقيادة جعفر النميرى بصرف النظر عن عصر المراجعات لكل الأحداث بمقاييس جديدة.
إن حماس حركة مقاومة مشروعة ورمز لرفض الشعب الفلسطينى لالتهام أرضه، ويجب أن تدرك أنها من زاوية أخرى جزء من عقيدة الإخوان، وهذا حقها دون أن تدخل بسبب ذلك فى الصراع الحالى فى مصر فإى نظام فى مصر لابد أن يدرك أن نصرة غزة وحماس هو نصرة للحق وللأمن القومى المصرى، ويجب أن تدرك حماس أن هذا الجيش هو الجيش العربى الوحيد الذى لم تفلح محاولات تصفيته، وهو الذى يحارب أعداء الأمة قبل أن تحتل إسرائيل فلسطين وكان حصن الأمة فى الدفاع عن قضاياها وروى بدماء أبنائه سيناء، كما أن إرهاق الجيش هو إضعاف لقدرات حماس الاستراتيجية والمصلحة الاستراتيجية تعلو على كل المشاعر والحسابات غير السياسية.
يجب أن تدرك حماس أن أى صدام مع الجيش هو ضربة استراتيجية لها تتمناها إسرائيل حتى تنهى المقاومة فى ظل هذا التوتر بحيث تثبت أن مصر التى ساندت المقاومة ورعتها هى التى اشتركت فى تصفيتها وهو أمر لا نريد مجرد تصوره.
أما الجيش المصرى فهو يجب أن يعلم أنه شبكة الأمان الوحيدة الباقية فى ظل شعب ثائر منقسم وقيادة سياسية ونخبة تحاول وسط الأنواء وهو يواجه التحدي والإنهاك فى سيناء وفى ربوع مصر، وأن إسرائيل تتمنى أن يحدث كل شر لهذا الجيش الذى تطارده أشباح بطولاته عام 1973 وتشكك هذا العام فيه ولا تريد أن تكون هذه الملحمة هى أفضل بطولاته ومحل اعتزاز الشعب المصرى والعربى.
ويجب أن يعلم الجيش المصرى أن عدوه الأصلى معروف وأن عدوه الحالى هو الإنهاك والإشغال والتوريط وأن مهمته فى سيناء هى أكبر تحدٍ له فى غياب أى حلول أخرى مساندة، وهى تضعه فى صدارة المشهد وتعرضه لكل المخاطر، وإذا كانت حماس تساند الإرهاب الذى يتصدى له الجيش، فإن الجيش لا يشغل نفسه بذلك ولا يتحدث علنا فى ذلك، فالحكومة المدنية هى التى تتولى تسوية المشكلة على ضوء هذه المصالح المشتركة، وعلى الجيش ألا يتأثر بحمى الحديث عن حماس والإخوان والتيارات الإسلامية، فالجيش له مهام محددة تضعها القيادة السياسية وليس سلطة تتصرف فى الملف كله كما تشاء ويدرك الجيش أن وجود حماس المقاومة أحد أوراق القوة، كما يدرك أن إضعاف المقاومة بإجراءات ضدها مباشرة أو بشكل غير مباشر والتضييق على غزة حتى تثور على حماس والتهديد بضرب غزة، يحول جيش مصر التاريخية من مساند لعناصر أمنها القومي وداعم لأصحاب الحق فى فلسطين، إلى القضاء على طرف فى الصراع مع إسرائيل ومع فتح فى دخل نفسه طرفا فى صراع فاحش بين الأخوة الفلسطينيين بعد أن كان سنداً للقضية بكل أطرافها، كما تعرض مصر نفسها لحملة دولية لخنق غزة، وقد تشارك فيها إسرائيل، لأن مصر هى المعبر الوحيد لغزة إلى الحياة.
إن كل مشاكل المرور والأنفاق والإرهاب وتأمين الحدود يمكن تسويتها وديا، وتجنبوا ارتكاب أكبر حماقة فى تاريخ مصر والعرب لن تغتفر عبر التاريخ وهى الظهور بمظهر يضعف المقاومة ويضعف الشوكة الفلسطينية ويخلق ثأراً جديدا بين الفلسطينيين ضد مصر التى ينظرون إليها جميعا كمظلة حامية لهم.
إن من حق مصر الأمن فى أراضيها حتى تساعد فناءها الخلفى فى فلسطين، ولا تحققوا نبوءة إسرائيل فيكم، وتلك مسئولية الشعب والحكومة والجيش وحماس، ليعلم الجميع أن شيطنة حماس لمجرد أنها من الإخوان هو أكبر ضرر للأمن القومى المصرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *