رئيس تحرير ” الثائر” اللبنانية: خطة مالية جهنّمية لقنص المودعين وإفقار الموظفين والفقراء، وإنقاذ المصارف

بهذه العبارة أطلَّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد الإقرار الملتبس لموازنة 2022. وقد سرت أنباء عن خطة التعافي التي أعدّت مسودتها الحكومة وتضمّنت توزيعاً للخسائر المقدّرة ب 69 مليار دولار. ووفق التسريبات سيتحمل المودعون 51% من هذه الخسائر، عبر خطة مُحكمة تتضمن تحويل قسم من الودائع من دولار إلى ليرة، وهذا ظاهرياً عدم إشراك لهم في تحمّل الخسائر، فيما يُشكّل عملياً عملية هيركات تفوق 70% ، مع العلم أن 13% من كبار المودعين يملكون 90 % من الودائع.

مضى سنتان ونيف على بداية الأزمة، والدولة في تخبّط مالي. فلم يتم إقرار الكابيتال كونترول، ولا وضع خطة للإنقاذ، ولا حتى اتخاذ قرارات حكومية مُجدية، لوقف التدهور والانهيار.

طبعاً هناك من يدعم نظرية الفوضى هذه، باعتبارها حلاً، يتم من خلاله تصفير الودائع لصغار الموعدين، الذين سحبوا حتى الآن دفترياً، أكثر من 30 مليار دولار، ضمن عملية هيركات تجاوزت 75%، استفادت منها المصارف، وجزئياً مصرف لبنان، على حساب المودعين، الذين جرى ويجري تحميلهم مسؤولية فساد السلطة وسرقة المال العام.

-دولارات من المركزي لخفض سعر الصرف

والآن فجأة وخلال أسبوعين ودون وجود أي خطوات اصلاحية، أو أساس اقتصادي، تراجع سعر صرف الدولار في السوق السوداء في لبنان من 33 الف ليرة الى 21 الف.
ظاهرياً عاملان ساهما في تراجع سعر صرف الدولار: الأول سياسي، تَمثّل بعودة الثنائي الشيعي عن قرار مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، مما أعاد الحياة إلى الحكومة التي استأنفت عملها بشكل شبه طبيعي وترافق ذلك مع أخبار عن خطة في الموازنة لخفض سعر صرف الدولار.
الثاني: هو قرارات حاكم المصرف المركزي بضخ دولارات في السوق لا أحد يعرف مصدرها حتى الآن، والسماح للمودعين بسحب ودائعهم المدولرة على سعر 8 آلاف ليرة للدولار، ثم قبضها من البنك بالدولار، وفقاً لسعر منصة صيرفة. وهذا يُشكّل عملية هيركات بنسبة 65%؜ تقريباً على الودائع. هذا إضافة الى خطوة السماح للموظفين بسحب رواتبهم بالدولار وفق سعر منصة صيرفة أيضاً.

– الموظفون هم الأكثر فقراً ولن يتمكّنوا من تأمين أبسط ضرورات العيش

أما الأسوأ أنه بحجة العجز في التمويل تم إقرار إعطاء موظفي القطاع العام مساعدة لمدة سنة راتب شهر إضافي، مع العلم أن الليرة فقدت 90% من قيمتها. والآن مع هذه الزيادة ستكون الرواتب أصبحت تُمثّل 20% فقط من القيمة التي كانت عليها قبل الأزمة، ومع الغلاء المستشري وزيادة الأسعار التي ستحدث بعد فرض الضرائب الجديدة، ورفع الدولار الجمركي، وفاتورة الكهرباء، والاتصالات، وأسعار الوقود، ستكون زيادة الرواتب التي تم إقرارها للموظفين، بمثابة الإعطاء بيد وأخذها منهم بيد أُخرى، وبشكل مضاعف. وسيعجز الموظفون عن الحضور إلى مراكز عملهم، وحتى عن تأمين أبسط ضروريات العيش والاستمرار.

إن عملية ضخ الدولارات في السوق من قِبل المصرف المركزي بهذه الطريقة، أدّى إلى احتواء السيولة بالليرة مؤقتاً، فانعكس ذلك على سعر الصرف.
لكن كيف توافرت الدولارات فجأة، ولماذا امتنع المركزي عن التدخل في السوق، ولجم التدهور كل هذه المدة؟؟؟

-خطة مالية مشبوهة مخالفة للقوانين والدستور

الآن يتم الحديث عن خطة مالية لدى الحكومة بالتنسيق مع حاكم المركزي، لخفض سعر منصة صيرفة تدريجياً حتى يصل إلى 15 الف ليرة خلال شهر تقريباً، وسيترافق ذلك مع انخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 18 الف ليرة، ثم سيلي ذلك رفع الدولار الجمركي وفق سعر منصة صيرفة، أو على الاقل إلى عشرة آلاف ليرة، وتعديل التعميم 151 لسحب الودائع، والعودة إلى السعر السابق أي 3900 ليرة للدولار .

طبعاً لا يمكن تثبيت سعر صرف الدولار في لبنان على 15 الف لفترة طويلة، طالما لم يتم اتخاذ خطوات اصلاح شاملة تُعيد الثقة بالدولة والقطاع المصرفي، ويتم تحسين علاقات لبنان مع الدول الغربية والخليجية، وفك الحصار المضروب عليه حالياً، بما يسمح بإعادة تقديم القروض والمساعدات، للانطلاق في عملية الإصلاح، وتنفيذ المشاريع الإنتاجية الحيوية.

ولأن هذا الحل مرتبط بمعطيات اقليمية لم تنضج بعد، فإن الحكومة اللبنانية قدّمت موازنة تقطيع الوقت، دون أن تُضمّنها خطة اصلاحيةكاملة، حتى في أمور ملحّة كالكهرباء والكابيتال كونترول وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوحيد سعر الصرف.

أما الخطة الإصلاحية التي يجري اعدادها والتفاوض بشأنها بما يُرضي صندوق النقد الدولي، فهي كما وصفها رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان بأنها: خطة يحاولون تهريبها، لأنها تُحمّل المودعين والناس المعترين كل أعباء وممارسة وفساد وأخطاء طبقة ومنظومة، هي كانت مسؤولة عن السنوات العشرين والثلاثين الأخرين.

يبدو أنه لهذه الأسباب وغيرها قررت الحكومة الموافقة على قرار حاكم المصرف المركزي، بالتفريق بين المودعين، فقررت أن ودائع القسم الأول المتمثّل بكبار المودعين من سياسيين ونافذين محظيين، الذين حوُلوا ودائعهم من ليرة إلى دولار قبل 17 تشرين 2019 أو قاموا بسحبها وتخزينها في البيوت أو بتحويلها إلى الخارج ستبقى بالدولار ، وستتم معاقبة القسم الثاني من صغار المودعين ب”الليلرة”، أولئك الذين تمسّكوا بالليرة حتى اللحظة الأخيرة قبل انهيارها، وقاموا بتحويل ودائعهم إلى دولار بعد ثورة تشرين، مع العلم أن قسماً كبيراً من هؤلاء، كانوا قد حوّلوا ودائعهم سابقاً من دولار إلى ليرة، بسبب مغريات الفائدة المرتفعة على الودائع بالليرة، التي قدّمتها المصارف.فتضّمنت خطة التعافي بنداً يقضي بإعادة تحويل هذه الودائع إلى ليرة مجدداً، ودون أن يتم تحديد السعر الذي سيعاد التحويل على أساسه، وفي ذلك تكون الحكومة قد أعطت هذه الصلاحية إلى وزير المالية لتحديد السعر لاحقاً، وفي نفس الوقت سمحت للنواب التنصّل من تحمّل مسؤولية وتبعات أي قرر لاحق لوزير المال او لحاكم المركزي.

وتخطط الحكومة بالاتفاق مع حاكم المركزي، بتحويل هذه الودائع وفق سعر منخفض للدولار قد يكون 3900 ليرة، وذلك بحجة أن انخفاض سعر صرف الدولار الآن، وبعد تمرير هذا المشروع يتوقف المركزي مجدداً عن ضخ الدولارات، لعدم قدرته على الاستمرار في ذلك لوقت طويل طبعاً، فيعود الدولار إلى التحليق مجدداً.

وهكذا تتآكل ودائع صغار المودعين، الذين هم يمثّلون 87% من مجمل المودعين، وهم بغالبيتهم من الموظفين في القطاعين العام والخاص والمتقاعدين، واللبناننيين العاملين في الخارج . وبذلك تتخلص المصارف من عبء هذه الودائع، وتفوز بجائزة تفوق ال 20 مليار دولار كأرباح صافية، تُنقذها من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، بالتواطؤ مع حاكم المركزي.

هكذا سيتم الإنقضاض على أموال مودعين لم يرتكبوا أي مخالفة للقانون، وذنبهم أنهم وثقوا بتطمينات حاكم مصرف لبنان لهم، بأن الليرة بالف خير.
وطبعاً لم تسأل الحكومة عن تهريب الأموال، ولا عن المتلاعبين بسعر الصرف، ولا عن الذين أهدروا وسرقوا المال العام في تلزيمات وصفقات فاسدة، باتت بمعظمها مكشوفة، دون أن تتم محاسبة أي مسؤول، وكل الملفات تم وضعها في الأدراج، وحتى الآن لم تتمكن شركة “الفاريز” من الحصول على كامل الداتا والمعلومات اللازمة، لبدء التحقيق والتدقيق المالي.

هل ستمرُّ هذه الخطة لدى النواب، الذين بغالبيتهم ما فتئوا ينادون بالحفاظ على حقوق المواطنين والمودعين، وعدم تحميلهم الجزء الأكبر من الخسائر، التي يجب أن تتحملها الدولة والمصارف؟؟؟
الأيام المقبلة ستجيب على السؤال، وستظهر حقيقة مواقف نواب الشعب، ويظهر جلياً من منهم يُصدِق الناس القول، ومَن يُخادع ويمارس الرياء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *