أخبار عاجلة

حوار مع الدكتور عبدالباقى السيد عبدالهادى وأضواء جديدة على ” الآريوسية “

فى البداية دكتور عبدالباقى لقد شاركتم ببحث عن الآريوسية فى المؤتمر الدولى الأول لتاريخ المسيحية فى مصر وحمل بحثكم عنوان ” الآريوسيون وأثرهم الفكرى والمذهبى بمصر خلال القرنين الرابع والخامس الميلاديين فى ضوء المصادر المسيحية والإسلامية ” ، وأثار هذا البحث العديد من التساؤلات والإشكاليات وهو ما دفعنا لإجراء هذا الحوار لمعرفة تفاصيل هذه الدراسة :
لمن تنسب الحركة الآريوسية وما هى فحوى دعوتها ؟
تنسب الآريوسية إلى القس آريوس المولود في قورينا (ليبيا الحالية) عام 270 م،لأب اسمه أمونيوس من أصل ليبي بربري ، حسب شهادة القدّيس أبيفانيوس أسقف سلاميس وجزء من خطاب قديم بين آريوس والإمبراطور قسطنطين يقول فيه أنه يحظى بتأييد شديد من أهل ليبيا.
أما عن فحوى الدعوة الآريوسية فتتمثل فى كلام آريوس بكتابه الثاليا الذى قال فيه : والله نفسه، كما هو، لا يوصف للكل . هو وحده ليس له مساو ، لا أحد يشبهه ، ولا لأحد نفس مجده . نحن نطلق عليه الأبدي ، في مقابل الذي جُبل بطبيعته . نحمده فهو بلا بداية في مقابل الذي له بداية . نحن نعبده فهو بلا زمن ، في مقابل الذي في زمن جاء للوجود هو الذي بلا بداية…. الله هو حكيم، لأنه نفسه معلم الحكمة دليل كافي أن الله غير مرئي للجميع …. افهموا أن الوحدانية [أبديًا] كانت، لكن الازداوجية لم تكن قبل أن تأتي لحيز الوجود إنها تعقب هذا مباشرة، بالرغم أن الإبن لم يكن، الآب كان لا يزال الله ، ومن ثم الإبن كونه [غير أزلي] جاء للوجود بإرادة الآب هو الإله الوحيد الذي وُلد، وهو مختلف عن [كل] الآخرين …. إلخ ، وغير ذلك من أقواله التى أثبتناها فى دراستنا عن الآريوسية ، وسنزيد فيها بمشيئة الله لتصبح كتابا يشمل تاريخ الآريوسية من نشأتها حتى انتشار الإسلام بمصر .

هل سبق آريوس من الأشخاص من قال بقوله ؟
نعم وهذا أوضحته فى صدر كلمتى بالمؤتمر وقلت لقد سبق آريوس فى قوله هذا كثرة كاثرة منهم كيرنثوس الذى كان يهوديا مصريا قدم أورشليم فى أيام الرسل وأقام فيها ثم انتقل إلى قيصرية فلسطين وأنطاكية ، وعاصر تلاميذ السيد المسيح وحوارييه ونادى بأفكاره ومبادئه سنة 73م ، وإبيون وإليه تنسب الطائفة الإبيونية ، وقد ظهر بعد خراب أورشليم ومن تعاليمه أن المسيح لم يكن إلها ، بل كان إنسانا ولد بالطبيعة ، و آمونيوس السقاص أستاذ أوريجانوس ، و كربوكراتس من رجال القرن الثانى الميلادى ، وأرطيماس ، وأوريجين ، وبولس السميساطى بطريرك أنطاكية فى الفترة من ( 260-268م) ، ولوقيانوس أسقف أنطاكية ( ت 312م) الذى قيل عنه أنه كان أبا للآريوسية ، وقيل عنه كان آريوسيا قبل آريوس وكل هؤلاء فصلنا الحديث عنهم فى دراستنا .
هل نجحت الآريوسية فى تحقيق ما كانت تصبو إليه ؟
قطعا نجحت فى تأصيل فكرتها ومبادئها على المستوى الفكرى والمذهبى فقد رأينا أسقفيات كاملة تحولت للقول بالآريوسية ، ورأينا أتباعا كثر لآريوس فى حياته وبعد مماته ، ورأينا عشرات المجامع تعقد لأجل الفكرة الآريوسية . بل إن العديد من الأفكار التى ظهرت بعد آريوس كانت امتدادا وتأثرا بالفكرة الآريوسية ومنها أفكار آمونيوس ، ونسطوريوس ، وهو ما يؤكد على استمرار الفكر الآريوسى طيلة قرون بعد آريوس . كما رأينا هذا الأثر فى بطاركة آريوسيين تولوا الكرسى البابوى السكندرى ، بل وأباطرة تحولوا للآريوسية وعمدوا على نشرها فى شتى ولايات الإمبراطورية ، وكل هذا فصلناه فى الدراسة ، ولعلنا ننشظ قريبا باستكمال دراسة الحركة الآريوسية عبر تاريخ مصر البيزنطية لنصل بها إلى فترة الفتح الإسلامى لمصر.
بصراحة هل تعتقد أن دعوة آريوس دعوة مجردة للتوحيد ؟
رغم أن جل متخصصى العصور الوسطى بل من سبق وعرج على آريوس فى كتاباته يرون أن فكر آريوس لا يمثل التوحيد إلا أننى أخالفهم تماما إذ إن آريوس حرص على التوحيد المجرد من خلال كتاباته ومناظراته وحوارته مع مخالفيه وكان يحتج عليهم بما فى التوراة والإنجيل من نصوص تؤكد وحدانية الله فى حين أن المخالفين كانوا يلجأون دوما للسفسطة وللفكر الفلسفى الذى انتشر بالإسكندرية وضربها من أقصى إلى أقصى ، ولعل انتقال آريوس لأنطاكية ليتلقى العلم بها يفسر لنا لماذا غادر الإسكندرية إلى أنطاكية لكى يهرب من تأثير الأفكار الفلسفية إلى التأصيل القائم على الأدلة والبراهين وهو ما رأيناه فى فكره عندما أكد على بشرية السيد المسيح وأنه عبد مخلوق من جملة نصوص صريحة منها ما ورد فى سفر التثنية : 6:4 ” اسمع يا إسرائيل : الرب إلهنا رب واحد ” ، وبما فى مرقس 13:32 ” وأما ذلك اليوم – القيامة- وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين فى السماء ، ولا الابن إلا الآب ” ، وبما فى يوحنا 28:14 ” لو كنتم تحبوننى لكنتم تفرحون لأنى قلت أمضى إلى الآب ، لأن أبى أعظم منى ” ، وبما فى لوقا : 19:18 ” لماذا تدعونى صالحا ! ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله”.
فهذه النصوص قاطعة على أن آريوس كان يدعو للتوحيد المجرد ، وأنه واجه العالم كله بفكره هذا ، وراح ضحيته إذ قتل مسموما ، ولا تزال مسألة قتله من المسائل الملغزة فى التاريخ .
هذا الكلام يدعونا لأن نسأل عن نظرة المصادر الإسلامية إلى آريوس وأتباعه ؟
دعنى فى البداية أقرر أن المصادر الإسلامية ليس فيها كثير حديث عن آريوس ، وجل ما ذكرته إنما نقل عن ابن البطريق ، وذلك حسب ما ورد عند ابن تيمية ، وابن القيم ، ولكن لآن تعاليم آريوس نقلت عن طريق المخالفين وليس لدينا كتابا واحدا أو حتى رسالة واحدة من تأليف الآريوسييين فإن أحكام المصادر الإسلامية عن آريوس والآريوسية لا زلنا نراها مضببة ، ومن ثم رغم دقة ابن حزم فى نقله فإنه ذكر عن آريوس والآريوسية أنهم ينكرون نبوة محمد عليه السلام ، وهو ما لم يقدم عليه دليلا لا من كتبهم ولا حتى من كتب المخالفين ، ومن ثم فلا زلنا نأمل أن يمن علينا ربنا بنصوص تكشف هذه الأمور وتوضح حقيقتها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *