أخبار عاجلة
إسراء عبد الحافظ

إسراء عبدالحافظ تكتب… نحو ممارسات أكثر فاعلية للقضاء على “الختان”

لا يمكن بشكل من الأشكال، القضاء على أزمة الختان، الذي لا يزال يٌمارس في أنحاء مصر دون رقيب رغم تجريمه قانونيًا ودينيًا، إلا بالتكاتف الجمعي من أجل نشر الوعي بخطورة استمرار هذه الجريمة حتى اليوم.. الأدوار المجتمعية المنسقة جيدًا هي التي ستساعد في تجنيب الطفلات القادمات لهذا العالم، هذه الجريمة.

على الصعيد التوعوي يعد فهم الوسائل والتدابير للعلوم الإنسانية والثقافية الصحية أمرًا حتميًا نظرًا لحيويته، وخاصة في الأوقات المعاصرة حيث يظهر من خلال الفحص الثقافي الإنساني الصحي جوانب في غاية التعقيد لأنماط الحياة المتنوعة والرعاية الصحية للأفراد، ما يتطلب البحث الجاد لأنماط المعتقدات والثقافات المتعلقة بالجانب الصحي بجانب الصفات والسلوكيات الشخصية والمتوارثة لهؤلاء الأفراد في ذلك المجتمع المتنوع، لرسم منهج ثقافي صحي شامل بهدف علاج القضايا المجتمعية من جذورها والقضاء عليها قضاءً تاماً، ورصد كافة الآثار النفسية والاجتماعية والصحية والبيولوجية الناتجة عن جريمة ختان الإناث، وإدراك مدى وعي الأفراد بهذه المخاطر، بجانب دور الفنون المؤثرة بصورها وأشكالها المتعددة تجاه تلك القضايا، التي تدمر وتزعج أرواح الكثيرات في مجتمعات عدة.

إقرأ أيضًا:في السعي نحو العدالة

وسعت الدولة سعيًا جادًا في تعديل القوانين المتعلقة بقضية ختان الإناث بالتوازي مع دور المؤسسات والمبادرات النسوية للحد من استمرار هذه الجريمة والقضاء التام عليها، لكن رغم تغليظ القوانين لا تزال هذه الممارسات منتشرة بشكل كبير بسبب عدم تفعيل هذه القوانين وعدم وجود آليات جادة لتفعيلها، الأمر الذي جعل عدد كبير من الناشطات الحقوقيات والنسويات والمبادرات النسوية إلى تكثيف جهودهن نحو تطبيق أكثر فاعلية للقضاء على ختان الإناث.

إن جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث والمعروفة مجتمعياً باسم “الختان” تعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان والطفل، وأحد أهم صور التمييز ضد النساء وشكل من أشكال العنف ضدهن، غير أنها جريمة يعاقب عليها القانون بوصفها اعتداء على جسد طفلة يتسبب في إعاقة دائمة لها. هذه الجريمة ما هي إلا نتاج لموروثات وثقافات مجتمعية وعرفية ودينية مغلوطة، تمارس لأسباب شخصية مثل الحفاظ على التقاليد والقبول الاجتماعي، وحماية شرف العائلة المتمثل في شرف الفتاة.

بإعادة النظر نجد أنه لا فرق بين الختان وبين الاغتصاب، فهو فعلاً اغتصاب لجسد الطفلة وحقوقها ونفسها بغير رضاها أثناء تخديرها، وتكون عاجزة عن الدفاع عن نفسها لأنها الحلقة الأضعف في هذا الموقف.

وفيما يخص الدراسات والأبحاث التي ناقشت نتائج هذه الجريمة، فقد خلصت بإجماع على أن هذه الجرائم التي ترتكب بحق هؤلاء الفتيات تسبب آثاراً جسيمة جسدياً ونفسياً تستمر معهن طوال حياتهن، فالختان يسبب الإصابة بأمراض مزمنة في المسالك البولية وآلام شديدة أثناء التبول غير الالتهابات المستمرة بسبب إزالة الطبقة المسؤولة عن حماية العضو التناسلي من البكتيريا والميكروبات والجراثيم. أيضاً من مضاعفات الختان حدوث آلام شديدة أثناء فترة الحيض والإصابة بمتلازمة المبيض المتعدد الكيسات، وفي أحيان كثيرة يكون سبباً رئيساً في حدوث ‏الإجهاض أو العقم، بجانب تعسر عمليات الولادة والنزيف الحاد أثناء الولادة والذي يتسبب في اللجوء ‏للولادة القيصرية، كما ينتج عنه ضرر كبير للأم ولطفلها وفي بعض الحالات يتسبب في وفاتها أو ‏وفاة وليدها، إلى جانب حدوث آلام شديدة أثناء ممارسة العلاقة الحميمية وعدم الاستمتاع بها.‏ أما عن الأثر النفسي فيبدأ عند الصدمة التي تصيب الفتاة وقت حدوث هذه الجريمة ومدى الألم الذي تشعر به وقتها ولا ينسى، وتستمر هذه الذكرى مخزنة في عقلها وروحها وقد تتفاقم الحالة إلى اكتئاب حاد وإيذاء للنفس وقد يفضي إلى انتحار.

اقرأ أيضًا:في الطريق إلى برلمان 2025.. هل تُصبح تكتلات “جيل يناير” بديلًا للحركة المدنية؟

جريمة ختان الإناث ترتكب يوميا على نطاق واسع، وللأسف فإن نسبة الإبلاغ عنها قليلة جداً ولا تحدث إلا في حالات حدوث مضاعفات للطفلة أو عاهة مستديمة أو وفاة، مثلما حدث في حالة الطفلة “بدور” التي كانت السبب في إقرار قانون بتجريم ختان الإناث، ثم بعد ذلك قامت الجهات المختصة بتغليظ العقوبة على الطبيب الفاعل لهذه الجريمة وطاقم التمريض والوالدين المقدمين على فعل ذلك. ونص القانون على معاقبة كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات، فإذا نشأ عن ذلك عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 7 سنوات، وفي حالة أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات.

كل هذه الإجراءات القانونية التي تم اتخاذها كانت خطوات مهمة، لكنها لم تصنع فارقاً بسبب وجود بعض الثغرات وعدم وضع آليات فعلية لتطبيق هذا القانون، وكمثال بسيط فإن الأم لن تقوم بالإبلاغ عن الأب خوفاً من تعرضه للسجن.

ولأن القانون وحده يظل عاجزاً عن حماية الفتيات من الانتهاكات الواقعة عليهن أصبح هناك ضرورة للعمل وتكثيف الجهود على إحداث تغييرات مجتمعية في قناعات المواطنين أنفسهم بشأن هذه الممارسة وحقيقتها والأضرار المترتبة عليها، وهذا لن يحدث إلا من خلال التوعية المستمرة والأدوار الثقافية من قبل جميع المؤسسات المناصرة للتغيير المجتمعي والمؤسسات المعنية بالتعديلات القانونية ومتابعة آليات تطبيق القوانين، فتفعيل القانون عنصر هام في تغيير ثقافة المجتمعات.

كذلك من المهم فتح باب الحوار والنقاش المجتمعي تجاه تلك القضايا التي تناهض العنف وتحمي فتياتنا من الانتهاك، إلى جانب ضرورة وضع برامج تثقيفية مناسبة عن الحياة الجنسية والصحة الإنجابية والمساواة بين الجنسين، سواء للأسر من خلال رائدات مجتمعيات وأطباء مختصين، أو للطلبة من خلال التعليم بوضع منهج تربوي وتثقيفي داخل المدارس عن طريق التعاون بين وزارتي التربية والتعليم والصحة والسكان، بالإضافة إلى تدريب تثقيفي شامل ومستمر للعاملين بهذه القطاعات من معلمين وأطباء وأطقم التمريض. إلى جانب دعم كافة الحملات التوعوية في مختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع وأيضا وسائل السوشيال ميديا، وتناول هذه القضية بصورة مستمرة من خلال الأعمال الفنية باعتبار الفن ركيزة مهمة للتأثير على شخصية الإنسان، وتصحيح فهمه الخاطئ وإدراكه بأبعاد وخطورة استمرار هذه الجرائم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *