أخبار عاجلة

بهجت العبيدي يكتب… هل تمهد تركيا لقبول المبادرة المصرية؟!

أكثر من ثلاثة أسابيع انقضت منذ أن حدد الرئيس عبد الفتاح السيسي الخط الأحمر غير المسموح به لأية قوات في ليبيا، مهما كانت جنسيتها، تخطيه حيث أعلن سيادته في السبت العشرين من يونيه الماضي بوضوح: “لنتوقف عند الخط الذي وصل إليه طرفي المنطقة الغربية والشرقية ونبدأ وقف إطلاق النار.. خط سرت والجفرة، وهذا خط أحمر بالنسبة لمصر وأمنها القومي”.
جاءت كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي حازمة وحاسمة وقاطعة، في ذات الوقت الذي خفتت فيه الأصوات الصادرة من الجانب التركي المَعْنِيّ والمقصود الأول من التحذيرات التي صدرت عن الرئيس السيسي وهو بين قواته العسكرية على الحدود الشرقية.
ولم يكن صمت تركيا إلا لدراسة متأنية للتحذيرات المصرية، وإن حاولت أن تختبرها مرة بتصريحات تخرج عن دائرة الحكم، ومرة أخرى بإظهار استعدادات عسكرية كمقدمة للزحف نحو “سيرت”، ومرة ثالثة بزيارة لوزير الدفاع التركي وفي صحبته رئيس الأركان، وفي مرة رابعة بإقامة منظومة دفاع جوي، تلك التي جاء الرد عليها سريعا وحاسما حينما تم تدميرها بضربات جوية لطائرات تصفها تركيا بالمجهولة.
هذه الضربة التي كانت بمثابة رسالة قاسية وواضحة، بأن التواجد التركي في ليبيا لن يكتب له البقاء، وأن الخسائر المترتبة على هذه المغامرة الأردوغانية غير المحسوبة ستكون باهظة.
إذًا ظهر جليا صمود الخط الأحمر الذي حددته القاهرة، هذا الذي وضع أنصار الخليفة العثمانلي المزعوم في موقف ضعيف، بعدما سعوا سعيا حثيثا لتصوير تركيا وكأنها قوة عظمى: اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، تستطيع أن تفرض سطوتها على المنطقة، وقادرة على السيطرة على الأقليم، فإذا بها أمام تحذيرات السيسي لا تستطيع أن تفعل شيئا، حتى اللغة الخطابية الاستعراضية لم تخرج هذه المرة من أردوغان أو أحد من حكومته، بل على العكس وجدنا غزلا على استحياء يصدر عن وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو حينما قال اليوم الاثنين بمقر وزارة الخارجية التركية، بأنقرة، إن هناك مصالح مشتركة بين مصر وتركيا، مؤكدا بحسب ما ذكرته قناة “تي آر تي” العربية، أن المصالح المشتركة بين القاهرة وأنقرة متعددة، وأن كلا الدولتين يتبادلان وجهات النظر السياسية فيما يتعلق بليبيا وإيقاف العناصر الإرهابية وفقا لما نشره موقع “تركيا الآن”. وهو هنا في موقف مفاجئ، ليس للمراقبين المحايدين، يعلن عن تبادل لوجهات النظر مع مصر التي حددت الخط الأحمر، والتي وجهت ضربات قاصمة للمشروع التركي الإخواني، ليس في مصر فحسب، بل في المنطقة كلها، هذا الذي، رغم ما ذكره جاويش أوغلو، من أنه لابد أن يسيطر السراج على سرت والجفر، بعدها يمكن الجلوس على مائدة التفاوض بين السراج الذي رهن قرار ليبيا بيد تركيا، وبين المشير خليفة بن جاسم حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي.
وفي محاولة قراءة لما قاله وزير الخارجية التركي، يمكننا أن نصل إلى عدة نتائج:
أولا: يظهر بوضوح ويبرهن على كل ما كنا قد أعلنا عنه سابقا من أن تركيا الغازية هي التي تتحدث باسم حكومة الوفاق الوطني الليبية بقيادة فايز السراج، والي أردوغان على ليبيا، وأنه ليس أكثر من منفذ للتعليمات والأوامر التي تصدر له من أنقرة.
ثانيا: أن التحذيرات الحاسمة والحازمة التي صدرت عن الرئيس السيسي هي موضع التزام من الجانب التركي، يؤكد ذلك صمود هذه الخطوط الحمراء.
ثالثا: أن التحذيرات المصرية الجادة، دفعت الأتراك لفتح خطوط، بطريقة أو بأخرى، مع مصر لتبادل وجهات النظر السياسية فيما يتعلق بليبيا وإيقاف العناصر الإرهابية، كما ذكر الوزير التركي، هذا الذي يمكن أن يعزز قراءتنا باستمرار الوضع على ما هو عليه، بالتزام نفس الخطوط التي ذكرها الرئيس السيسي.
رابعا: أن ما قاله جاويش أوغلو من وجود استعدادات عسكرية للوصول إلى سيرت والجفرة، ما هو إلا تصريح سياسي لحفظ ماء الوجه، لحين الوصول لصيغة تفاهم، عن طريق تلك الخطوط التي تم فتحها مع القاهرة.
خامسا: تمهيد تركيا لأنصارها في المنطقة لقبول المبادرة المصرية كحل للأزمة الليبية، وذلك بتصدير فكرة المصالح التي تجمع البلدين خاصة في الشأن الليبي حينما ذكر جاويش أوغلو اليوم أن هناك مصالح مشتركة بين مصر وتركيا. هذا الذي إن وضعناه جنب إلى جنب لما ذكره نفس الوزير في مناسبة سابقة حينما قال: مصر دولة مهمة للشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وأن العالم الإسلامي يحتاج أن تكون مصر قوية ومستقرة. يمكننا أن نقرأ فيه وسيلة لإقناع الأنصار، مستقبلا، أن مكانة مصر في الشرق الأوسط ومكانتها على وجه التحديد في العالم الإسلامي، هذا الجانب الذي يبرع فيه الخطاب الأردوغاني المدغدغ للشعور الديني، ثم المصالح المشتركة، هي التي غَلّبَتْ، عند تركيا، قبول المبادرة المصرية لحل الأزمة الليبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *