أخبار عاجلة

هبه عبد العزيز تكتب… الشيخ على عبدالرازق.. والشيخ «كشك الفتوى» ٢

– أما زلتم تذكرون هذا الكتاب؟
– فأجبت: إنه من التراث الباقى لفكرنا العربى الحديث.
– وسألنى فى لهجة لا تخلو من التشكك: ولماذا تريدون إعادة طبعه؟
– وأجبته: إننا نحرص على إحياء تراثنا القديم، ونحرص كذلك على إبراز تراثنا الحديث، حتى نحدد بهما معاً بعض ملامح فكرنا العربى.
وأضفت: إن جيلنا يدين لكتابك بالكثير، لما يتضمنه من منهج علمى وفكر ناضج وموقف جسور.
وواصل الشيخ على عبدالرازق تساؤله المتشكك:
– ولماذا لا تطبعونه من تلقاء أنفسكم؟ لماذا تستأذنوننى؟
– فأجبته: إننا نفعل هذا احتراماً لشخصك ولجهدك، ولعلنا نأمل كذلك أن تكتب لنا مقدمة للكتاب، تسرد لنا فيها قصة المعركة التى صاحبت صدوره ومصادرته.. بهذا يخرج الكتاب فى إطار قديم جديد معاً.
نُشرت تلك المحادثة ضمن مقال مطول فى جريدة «المصور» بتاريخ 7 أكتوبر 1966م، التى دارت ما بين شيخنا العالم الجليل على عبدالرازق، والكاتب الكبير والقدير محمود أمين العالم، حيث ذهب الأستاذ محمود العالم إلى الشيخ على عبدالرازق ليستأذنه فى إعادة طبع كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، ذلك الكتاب الذى يعد بمثابة بحث شامل فى مسألة «الخلافة أو الإمامة» فى الإسلام، والذى أكد فيه الشيخ على عبدالرازق عدم وجود ما يسمى بالخلافة أو الإمامة كنظام للحكم يلتزم به المسلمون فى تصريف شئونهم، فلم يرد ذلك فى القرآن الكريم ولا فى الأحاديث النبوية الصحيحة الشريفة.
وكنت قد حاولت فى مقالى السابق، الذى بدأته مستنكرة فكرة «كشك الفتوى» -التى هبطت علينا مؤخراً- أن ألقى بعضاً من الضوء وأناقش مسألة «الآفة» الأساسية والحقيقية فى المكون الفكرى والمعرفى للعقلية العربية ألا وهى اتباع أو الميل لطريقة التفكير الأسطورى وليس العلمى، وفى النهاية ختمت المقال بتلك الكلمات حول كتاب «أصول الحكم فى الإسلام» حيث ذكرت أن هذا الكتاب -الأثير- فى مجمله يعد بمثابة الدعوة الواعية إلى الأخذ بالحياة المدنية المتحضّرة، التى تقوم على استحضار روح الفكر والخبرة الإنسانية العلمية.
وأعود معكم لأبدأ هنا من حيث انتهيت فى المرة السابقة، فكتاب «أصول الحكم فى الإسلام» يعد أحد أهم معالم ثورتنا الفكرية، ومن أعمق ما صاغ ملامح فكرنا الحديث، فبجانب تناوله قضية «الخلافة أو الإمامة» كما ذكرنا، تطرق أيضاً إلى جانب -ربما أراه هو الأهم على الإطلاق- وهو الدعوة إلى التأمل العقلى، وإشراك الخبرات العلمية، وأهمية استخدام الرؤية الموضوعية عند الحديث ومعالجة الشئون المدنية. وهى نقطة تعد فى غاية الأهمية بالنسبة لنا وخصوصاً فى تلك الآونة تحديداً ونحن نتحدث عن ضرورة تحديث الخطاب الدينى، وأميل أكثر إلى استخدام لفظ التحديث هنا أكثر من التجديد، وقد شرحت أسباب ذلك فى مقال سابق لى بعنوان «حدثوا الخطاب الدينى لا تجددوه»، وربما لا ينتهى الحديث عن بعض أفكار رائد من رواد التنوير مثل الشيخ على عبدالرازق وخاصة فى ظل ما نعانيه من قبح وتردٍ وانهيار فى المنظومة الفكرية الظلامية والرجعية، عند معالجة ما أصبح يحاصرنا من قضايا، باتت بمثابة القنابل القابلة للاشتعال، إن لم يكن بعضها مشتعلاً بالفعل، وإلى أن أستكمل معكم فى المقال المقبل، أدعوكم للتأمل بعض الشىء فى تلك الكلمات التى وددت أن أختم بها هذه المرة:
– قال جاليليو للكاردينال: انظر بعينك فى التليسكوب وسترى بنفسك أن الشمس ثابتة، وأن الأرض تدور حولها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *