أخبار عاجلة

د.مجدي العفيفي يكتب… عقلانية شيخ الأزهر !

في ضجيج الأحاديث التي لا تسمن ولا تغني من جوع..وفي أجواء ثرثرة ينبغي أن يعتذر عنها  أولئك الذين يصرخون في وجوهنا ليل نهار في الفضائيات والمساجد ، حتى سئمنا كلامهم المكرور لأنهم يعرضون علينا صورا باهتة ممسوخة مملناها حتى حد السأم، ويغرقوننا في مياه الآبار القديمة التي ران عليها صدأ الفكر الفقهي العتيق.. 
في هذه الأجواء المعتمة بالفراغ العلمي..  يتجلى عالم له وزنه الفكري مثل الدكتور أحمد الطيب بحديثه الذي يشف سماحة ويفيض علما، وعقلانيته آية واقعيته.. أتابعه منذ تدثر بعباءة مشيخة الأزهر الشريف، لم أتشرف بلقائه، لكني ألاقيه في خطابه الديني العميق، سواء اتخذ كلمة في مناسبة أم حوارا إعلاميا، أم خطبة في مؤتمر، أم تعليقا على حدث من الأحداث التي ترتقي لمستوى التعليق.
وعلى الرغم من أني أرفض منذ زمن بعيد متابعة أية من  البرامج الفضائية، ليقيني غير المراوغ أنه ليس لدينا (إعلام) بقدر ما هو ( أضغاث إعلام) إلا أن حديث الدكتور الطيب – المفكر والباحث- يستتقطبني  قبل الفجر يوميا، فأفرغ وقتي وأصفي مرآتي لاستقبال خطرات الشيخ الجليل.
يمس الدكتور الطيب عصبا موجوعا في شبكة الفكر الديني، وبالتحديد إشكالية«السنة النبوية الشريفة بين الحجية والإنكار» أقول إشكالية لأنها الحائط المائل لكل من يلهو بالدين، ويتخذ من  سنة  الرسول ، صلى الله عليه وملائكته، لهوا يتبعه ويريد لغيره أن يتبعه.
إبان الدكتور الطيب أن إنكار السنة في العصر الحدديث بدأ من الهند التي تضم أكبر نسبة من المسلمين في قارات العالم، حين كانت تحت حكم الاستعمار الانجليزي، الذي بذل كل الوسائل لتخريب الدين الإسلامي ودفع الكثيرين إلى رفض الجهاد ، حتى لا يجاهد أحد ضد الامبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب عنها الشمس ( في ظنهم)  وقصروا الجهاد على أنه جهاد النفس فقط، ، وهو أمر يخدم الانجليز، وحدثت تدخلات دولية اساتمعوارية للنيل من القرآن والسنة، في هذا الجو ظهرت تلك الدعوة الملعوبة في الهند والعراق ومصر، وتفرعت هنا وهناك.
 وأفاض الدكتور الطيب في الحديث عن الرجل الذي تزعم (انكار السنة)وهود. محمد توفيق الذي كلن طبيبا في مصلحة السجون – توفى 0291 – وقد كتب مقالين في (مجلة المنار ) تحت عنوان «الإسلام هو القرآن وحده » نشرهما عامي 6091 و 7091وجرت مناقشات وحوارات ، وأخذ ورد، ورأى ورأي آخر، ووتداخل الغث في السمين، وضاعت الحدود الفاصلة بين الوعي وتزييف الوعي، وامتزج التطاول والإساءة بأدبيات الحوار وأخلاقياته، وظهرات الدعوات الإلحادية وتزعم رايتها «اسماعيل مظهر» بمقالته «نعم أنا ملحد»
وفي هذا السياق اذكر أني نشرتها في عدد من آعداد جريدة« أخبار الأدب» التي تصدرها أخبار اليوم حين كنت رئيس تحريرها ، نشرتها في مواجهة إعلان أشرس ملحد في القرن العشرين إيمانه بالله وهو «سير أنتوني فلو » أستاذ الفلسفة البريطاني الشهير , والتي كانت كتاباته الإلحادية الغزيرة تعتبر جدول أعمال الفكر الإلحادي طوال النصف الثاني للقرن العشرين , يترك الإلحاد ويعترف بوجود إله لهذا الكون , وذلك بعد أن جاوز الثمانين من عمره , من خلال إصداره عام 7002 كتابا يشرح ذلك بعنوان« هناك إله»مما  شكل صدمة هستيرية لزملائه وتلامذته الملاحدة وقد ترجمه المفكر الجراح د. عمرو شريف، وفي ذلك العدد الذي حمل ملف( أنا أفكر إذن أنا كافر)  أثار المفارقة بين أهل الإلحاد وأهل التصديق، وفيه آراء أشهر الملاحدة في التاريخ«ابن الراوندي».
وعود على بدء.. كشف الدكتور الطيب أن الهجوم على السنة النبوية الشريفة هو بداية هجوم على القرآن، وهذه هي القضية الجوهرية في لعبة التهجم والتهكم على الدين، نفس الحجج ونفس الاتهامات ونفس الألاعيب ونفس الإشكاليات … أمور حسمت لكن البعض يريد أن يحفر في  قرارها.. ولكن هيهات.
 وهذه المفردة المحورية في حديث الدكتور أحمد الطيب تتجاور مع مفردات خطابه الفكري في كليته، ولعلني أستعيد مصابيح تدلت في كلمته بمؤتمر الأزهر العالمي للسلام (27 أبريل, 2017) إذ قال: كُلُّ ما يُقال عن الإسلام في شأن السلام يُقال مثله تمامًا عن المَسِيحِيَّة واليَهُودِيَّة.. رسالةَ محمدٍ هي حَلقةٌ أخيرةٌ في سِلسلَةِ الدِّينِ الإلهي الواحد.. الرِّسالات السماوية تتطابَق في مُحتَواهَا ومضمونها ولا تختلِف إلَّا في بابِ التَّشريعات العمليَّة المُتغيِّرة.. القُرآنُ الكريم يُقَرِّر حقيقة الاختلاف بين الناس دينًا واعتقادًا ولُغَةً ولونًا..  القُرآنُ صَريحٌ في تقريرِ حُريَّة الاعتقاد مع ما يلزمه من نفيِ الإكراه على العقائد.. الحرب في الإسلام دفاعية وأول تشريع يبيح للمسلمين إعلان الحرب مُعلَّل بدفع الظلم والدفاع عن المظلومين..  الحرب في الإسلام ليست قاصرة على الدفاع عن المساجد فقط بل مشروعة للدفاع عن الكنائس وعن معابد اليهود.. الإسلام لا يقاتل تحت بند الكفر، بل تحت بند العدوان، ولا يبالي إن كان يقاتل معتدين كُفارًا أو معتدين مؤمنين.
وكان ثمة بعد ذلك تساؤلات  ختم بها كلمته، وهي: إذا كانت نصوص الإسلام التي ذكرت بعضًا منها تكشف عن انفتاح هذا الدين على الآخر واحترامه واحترام عقائده، فكيف يصح في الأذهان وصفه بأنه «دين الإرهاب»؟ وإذا قيل: هو دينُ إرهابٍ لأن الذين يمارسون الإرهاب مسلمون؟ فهلا يقال: إن المسيحية دين إرهاب، لأن الإرهاب مورس باسمها هي الأخرى؟! وهلا يقال: إن اليهودية دين إرهاب لأن فظائعَ وبشاعاتٍ ارتُكِبَتْ باسمها كذلك؟ وإذا قيل: لا تحاكموا الأديان بجرائم بعض المؤمنين بها، فلماذا لا يقال ذلك على الإسلام؟ ولماذا الإصرار على بقائه أسيرًا في سجن الإسلاموفوبيا ظلمًا وبهتانًا وزورًا. وهل من الممكن أيها السيدات والسادة أن نستغل هذا المؤتمر النادر لنعلن للناس أن الأديان بريئة من تُهمة الإرهاب؟ وهل يمكن أن نشير فيه –ولو على استحياء-إلى أن الإرهاب الأسود الذي يحصد أرواح المسلمين في الشرق أيًّا كان اسمه ولقبه واللافتة التي يرفعها لا تعود أسبابه إلى شريعة الإسلام ولا إلى قرآن المسلمين، وإنما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *