أخبار عاجلة

عودة التمييز بين الولد والبنت يعيدنا إلى عصور الظلام

أن إنجاب البنات مازال مأساة اجتماعية تسيطر على مجتمعنا بأن البنات عار على أسرهم وأن الستر فى زواج البنت ليتخلص منها أهلها ، وان المرأة عورة بما يعيدنا لعصور الظلام فى الوقت الذى مازال فيه كثير من الآباء يفضلون البنين على البنات وقد يصل الحال إلى كتابة كل الميراث للولد دون أخواته البنات حتى أن الزوج يستمر فى الإنجاب لوصول ولى العهد الولد ولوكان ذلك خطرا على حياة الزوجة، وبرغم أن الديانات جرمت تفضيل الولد على البنت، وهو تصرف يكشف ضعف الإيمان والثقافة فى عصرنا حيث أثبتت الأيام أن الفتاة أكثر تفوقا من الولد فى مجالات كثيرة، ويكشف هذا مدى العزلة الفكرية التى تعيشها شرائح من المجتمع نتيجة نقص الوعى الدينى والثقافى .
وتشير الدراسات الاجتماعية التي أجريت في هذا الإطار إلى أن تفضيل الولد على البنت داخل الأسرة يرتب أثرا نفسيا سيئا لدى الأنثى لاسيما في السن الصغيرة وتسبب لها أَلَمًا  فتنمو غير سوية وأن عادات وتقاليد الريف المصري والمناطق العشوائية مازالت عمليا تمارس ضغوطا حقيقية للتفرقة بين الأولاد والبنات باعتبار أن الولد هو الذي يحقق لأبويه إعمار المنزل بالزواج والإنجاب والمساعدة في المعيشة في حين ينظر إلى الفتاة على أنها تعيش بشكل مؤقت في بيت أبيها ثم تنتقل إلى بيت زوجها وفي هذا السياق توجه الأسر الريفية وفي المناطق العشوائية كل اهتمامها بالذكر دون الأنثى حتى في نوع الطعام المقدم للولد وكذلك الملبس كما تعد ظاهرة تشغيل الفتيات الصغيرات إحدى مظاهر التمييز والتفضيل بين الولد والبنت حيث تلجأ بعض الأسر نتيجه للفقر وتدهور أحوالها الاقتصادية إلى تشغيل بعض أولادها الصغار لسد احتياجات هذه الأسر المادية وفي هذا الإطار ينصرف ذهن ولي أمر الأسرة إلى تشغيل فتيات الأسرة الصغيرات في مهن وحرف مختلفة في المصانع والمزارع أو حتى كخدم في البيوت في حين تحافظ الأسرة على الولد واستمراره في التعليم وتوفير الإمكانيات اللازمة له حتى ولو على حساب أخته الصغيرة وهذا اكبر دليل على وجود ظاهرة عمالة الأطفال في مصر، حيث يعملون في الزراعة ونصفهم تقريبا من الإناث ولا تقع هذه الشريحة تحت حماية القانون وهو انتقاص أيضا من حقوق الفتاة حتى في ظروف العمل المبكر الخارج عن إرادتها ويذهب بعض المحللين إلى أن التمييز ضد الفتاة أو تفضيل الولد على البنت يبدأ قبل الولادة أثناء الاستعداد للمولود الذي تختلف مفرداته بالنسبة للولد عنه بالنسبة للبنت فإذا علم أفراد الأسرة بأن المولود المنتظر ولدا فإن ذلك يلقي فرحة عندهم وتقدير مختلف تماما عما يحدث عند علمهم بالبنت إذ في بعض الأحيان تحزن الأسر إذا ما علمت أن المولود القادم أنثى وهو ما يتناقض مع تعاليم الأديان جميعا التى لا تفرق بين الولد والبنت وبعد الولادة يبدأ الأهل بالتعامل بشكل مختلف مع كل منهما على حدة وتشكل خبرات حياتية مختلفة فالبنت تتعامل معها الأسرة من منطلق تقليدي تلعب بالعروسة وأدوات المطبخ في إشارة إلى دورها المنتظر حال أن تصبح فتاة في حين توفر الأسرة للولد مختلف الألعاب التي تحتاج إلى الذكاء والمهارة والفك والتركيب ثم بعد ذلك تأتي المدرسة لترسيخ قيمة التفوق الذكوري وتخضع الفتاة في المجتمع المصري منذ طفولتها لتربية صارمة تتطلب منها الطباع اللينة والتفوق في الكلام وانخفاض الصوت عند الضحك في حين يترك للفتى حرية الكلام والتصرف ويتدرب الصبي ليكون شجاعا قويا لا يبكي في حين توجه البنت لتكون سلبية ضعيفة، ويحاول الأهل استشاره الصبي بهدف تعويده على الشجاعة ويسخرون منه إذا بكى أو خاف ويتسامحون معه إذا تسلق الأشجار والجدران وفي المقابل يرفضون أن تكون البنت كثيرة الحركة ومتمتعه بالحيوية والاستقلالية ويؤنبها الأهل على كثير من التصرفات التي يتسامحون فيها مع الصبي ويحاولون تعديل سلوكها ويشجعونها لكي تكون هادئة ومطيعة
وعلاوة على ذلك يفرض على الفتاة داخل المجتمع المصري طابع من السرية والتكتم باعتبار أنها الستر الذي لابد له من غطاء وينظر البعض إلى تدليل الفتاة على أنه خطأ ويتم تدريب البنت على خدمة الذكور داخل الأسرة بما فيهم أخوتها الأصغر منها سنا ويكون ذلك مقدمة لتدريبها على دور الزوجة المطيعة وقد يتعدى تدريب الفتاة ذلك الدور المتمثل في خدمة الذكور داخل الأسرة إلى إجبارها على ترك اللعب والدراسة ففي بعض الأحيان تتفرغ لمساعدة الأم في الأعمال المنزلية في حين يحصل الولد على وقت أكبر للتركيز واللعب والانطلاق خارج المنزل ومن أبرز مظاهر العنف ضد الطفلة الأنثى التمييز في التغذية والعناية الصحية فبالرغم من الجهد الملموس للحكومة المصرية في رعاية الطفل الصحية سواء في توفير التطعيمات والأمصال أو في توفير محاليل الجفاف والأدوية وتعميم التأمين الصحي إلا أنه مازال هناك عادات اجتماعية خاطئة داخل المجتمع المصري تتمثل في سوء تغذية الفتيات وإهمال الرعاية الصحية لهن بالمقارنة للولد فالكثير من الأمهات يحرصن على إرضاع الصبيان لفترة أطول من تلك التي تخصص للبنات وفي معظم الأحيان تحرص الأسرة على تقديم غذاء أفضل للولد عنه للبنت، وتتلهف بعض الأسر على الذهاب للطبيب بالولد أسرع من البنت ويؤكد ذلك ما أشارت إليه تقارير نشرت مؤخرا من أن نسبة البنات اللواتي يعانين من الأنيميا تزيد عن البنين.
ويضاف إلى ما تقدم التمييز في فرص التعليم بين الولد والبنت فتعليم الولد واجب في عرف الأسر المصرية أما تعليم البنت فهو عند البعض غير ضروري لاسيما في بعض المجتمعات العشوائية والريفية داخل المجتمع المصري التي ترى أن تعليم الطفل الولد لا يفسده في حين ينظرون إلى تعليم الفتاة على أنه مفسدة لها وتعليم الولد مباح وضروري حتى في المدارس البعيدة عن القرية أما تعليم البنت فيجب أن يكون بجوار المنزل وهو ما يتسبب في كثير من الأحيان في إجبار البنت على ترك الدراسة والانخراط في الأمية وقد يلتمس للولد التعثر في الدراسة في حين لا يلتمس للبنت أي رسوب أو تعثر في الدراسة ويكون ذلك سببا في تركها للدراسة.
وللقضاء على هذه الظاهرة فإن هناك حاجة ماسة لتثقيف المرأة المصرية وتبصيرها بما لها من حقوق وما عليها من واجبات وتستوي في ذلك من كانت متعلمة ـ أو غير متعلمة .
كما أن هناك دور مهم يقع على عاتق العلماء والمفكرين ورجال الدين فيما يتعلق بمحاصرة هذه الظاهرة عن طريق الإسهام في إعادة تأهيل الذاكرة الاجتماعية للشعب المصري والتواصل بين الأفراد وكذلك تسهم المنظمات الأهلية غير الحكومية في هذا الإطار بجهد هام من خلال تعريف المرأة بحقوقها وحث المجتمع على الاعتراف بهذه الحقوق ومحاصرة ظاهرة التمييز وأيضا يجب عقد برامج وورش عمل للعاملين في وسائل الإعلام والإسهام بشكل فاعل في تعريف الرجل والمرأة علي هذه الحقوق في مقابل ما له من واجبات وضرورة اصدار قانون انشاء مفوضية تكافؤ الفرص وعدم التمييز للحد من انتشار هذه الظاهرة داخل المجتمع المصرى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *