أخبار عاجلة

د.مجدي العفيفي يكتب.. ويشقُّون عن قلوبنا بلا حياء أو حجل !!

حين تدخل المسجد، وكل دار عبادة، فليس لك إلا صفة واحدة ووحيدة : أنت فقط عبد من عباد الله، فلا تصنيف ولا تمييز، ولا مذهبية ولا طائفية، ولا ألقاب ولا أنساب، ولا أنا فلان ولا هو علان، أنت عبد جئت إلي بيت الله تحت لواء «العبادية» وليس «العبودية»، والفرق بينها واسع، جئت تصلي وتذكر ربك، امتثالا للأمر الإلهي«أقم الصلاة لذكري» وإذا قضيت الصلاة فانتشر في الأرض وامض إلى حال سبيلك.
لكن الذي رأيته وآراه بأم عيني تلك، هو عكس ذلك كما تشير إليه هذه الواقعة بعد سطور، ولو كانت قد حدثت مرة، ولو كان هذا السلوك فرديا، لكانت المسألة هينة، لكنها تكررت  أكثر من مرة وبأكثر من شكل، و أكثر من صورة، وستتكرر ألاف المرات، فخبرتي مع مرتكبيها ثرية، وذاكرتي معهم مسكونة بحوادث دامية، ومشحونة بأحداث درامية. 
والذي حدث أنني أديت صلاة الفجر في المسجد، وهي صلاة مشهودة، وبعدها تشتاق النفس أن تتدثر بحمد ربها قبل طلوع الشمس، يتبتل القلب خاشعا متصدعا من خشية الله، بتسبيحة مديدة ومناجاة تتخلق منها حالة وجدانية خاصة، وهالة نورانية فؤادية، تتغشاني منذ سنوات بعيدة جدا، لعلي أجد على نار الشوق هدى، بممارسة ثلاثية «التخلي والتحلي والتجلي».
وفجأة.. بعد سجدتي الخاصة وقد انقضى وقت الفجر وبدأ الصبح يتنفس، انطفأت نور هذه الحالة المصفاة، وخمد ضياء التوقيت المصطفى، إذ اقتحم دائرتي شخص يرتدي جلبابا قصيرا، ولحيته أطول منه،  وبصوته  على طريقة( ثكلتك أمك)  سألني بلا مقدمات وبلغة فصحى تشدق بها على طريقة الخطباء العرب في الجاهلية الموصوفين بأنهم (مَصاقِعُ لُسْنٍ):
قال: لماذا يا أخي تسجد هذه السجدة وأنا أراقبك منذ فترة طويلة؟.
قلت وأنا أكظم غيظي: وما شأنك أنت؟.
قال: ربما أفيدك، أو أستفيد(!).
قلت: لماذا تتدخل فيما لايعنيك، ثم لماذا تقتحم خلوتي هذه؟ أما أنك تفيد.. فلا، وأما أنك تستفيد  فهذا شأني الخاص، ولن أبوح لك ولا لغيرك.
قال: ليس عندنا نحن المسلمين سجود بعد الفجر..(!!).
قلت – وقد أفزعني تعبير «نحن المسلمين» وكأنني واحد من كفار قريش- : يا رجل .. متى كان السجود لله ممنوعا، أو حتى مكروها؟.
قال : لم يَرِد عن أحد من الصحابة أن فعل مثلك؟.
قلت وأنا أريد أن أصرفه عن سلوكه البغيض: نحن الصحابة الجدد. نحن نجدد ولا نعيش عالة على الأجداد،  أنا من الذين لا نهمل الزمان والمكان، ولا نغتال التاريخ، ولا نسقط العقل، ولا نعيش مثلك وجماعتك في فراغ فكري يصل إلى حد السذاجة، ومثلي ملايين هم أولى بصحبة سيدنا محمد، لو كان حيا، بل نحن صحابته في هذا العصر، والمستنيرون أمثالنا هم الأكثر تشبثا بسنته وصيروته وسيروته وكينونته، ومن قبلها التنزيل الحكيم بعظمته وقدسيته وتجلياته..
وإذا به يتحول إلى وحش كاسر، ونظر لي نظرة مشحونة بكل أنواع الاغتيال والاعتقال حتى لكأنه يريد أن يحل دمي، وانصرف في لمح البصر كأن المكان  أقبره.. !.
طبعا خرجت من حالتي وهالتي، وانقطع ما كان موصولا، بعد أن حاول ذلك الرجل المتجهم دائما والمتعصب دائما – أن يخنق صبحي الذي لم يتنفس، كما يتنفس كل يوم، فعدت إلي بيتي.. وشعرت أن الشمس لم تطلع ولم ينر وجهي الصباح، ككل صباح وكل طلعة شمس، تنهشني تشاؤلات شتى:
والذي جعلني أتميز من الغيظ، أنه بعد عدة أيام من هذه الواقعة، جاءني رجل آخر يدور في نفس الفلك الوهمي، ومن نفس الفصيلة العتيقة، لينهاني عن فعلتي التي فعلت، والتي هي السجود لله بعد وقت صلاة الفجر (!!) متى يدرك هذا الرجل وأمثاله أن الإسلام العظيم ليس فيه رجال دين، ولا كهنوت، ولا صكوك غفران، ولا ولاية فقهية، ولا يعرف المذهبية ولا يعترف بالمذاهب، والتي هي من صنع فقهاء السلطان، بل لم يثبت أن أحدا من الأئمة الأربعة أن قال أو أعلن أنه صاحب مذهب.
متى يفهم هذا الرجل وعشيرته أن الدين العظيم ليس فيه أوصياء ، ومتي يعلم هؤلاء أن المخلوق في تفسيره ليس أدق من الخالق في تنزيله، فلماذا يعكسون المعادلة.. لكن هيهات! فالصراع بين القديم والجديد، لابد أن سينتهي لصالح الجديد!.
 لماذ يخاطبنا هؤلاء الذين يدعون أنهم أئمتنا في المساجد، علي طريقة «هب أنك دخلت جهنم فصفها» فيحتالون علينا بألقاب مجانية شتي، فهذا «داعية» وذاك «شيخ» وهذا «عالم» و«علاّمة»و«مفكر ديني» و.. و.. ما دون ذلك، وما هم بشيوخ ولا علماء ولا دعاة ولا أئمة، انهم بما يقدمونه، وهم يسطون علي الكتب التراثية – بلا حياء أو خجل – يبيعون الأوهام والخرافات والأساطير، ويرهبوننا بأسماء ومسميات، قال فلان، وقال علان، وهم بذلك يغتالون الزمن، ويتحجرون عند فترة زمنية بعينها.
ولن أنسى ما حييت يوم أن صعد الخطيب منبر مسجد دار إبن الأرقم بمدينة نصر ذات جمعة أواخر عام 2012،  فإذا به يخض جموع المصلين وهو يقسم المجمتع المصري إلى فسطاطين، فسطاس (الأخيار) وفسطاس(الأغيار) !! فأما (الأخيار) فهم السلفيون المصطفون وهم الفرقة الناجية من النار، وأما (الأغيار) فهم من دون ذلك، بلا استثناء، من كل الطوائف والشرائح، هكذا بكل بساطة وبسالة وعبقرية، تسول له نفسه أنه اطلع على (اللوح المحفوظ) وأنَّى لي أن ألغي من الذاكرة الحية يوم أن شهق خطيب الجمعة في مسجد بمصر الجديدة شهقته التي كانت بلا زفير  في نفس العام: «الآن .. عدنا إلى الله..!!».  
مأساة هؤلاء وأولئك.. أنهم لايتعاملون مع العصر بأدواته المعرفية والبحثية التي تفوق أدوات السابقين بمسافات ضوئية، فيعرضون علينا صورا شاهدناها من قبل آلاف المرات، ويسيرون في طريق تعبنا من السير فيه، وإن خرجوا شطوا وشطحوا وإذا بهم يكفرون المجتمع،  وما هم إلا «شرائط كاسيت» و«أوعية وقدور»تغلي بحجارة من السباب والشتائم وتجريح الناس في شرفهم وكبريائهم ودينهم، وتكفير أهل الفكر والتفكير.
ولا.. وألف لا.. لمن تسول له نفسه أن يقف ويقول أنا الدين، ويزعم أنه المتحدث باسم السماء، وحامل توكيلات من الله – سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا – وهم بزعمهم هذا يجيئون أيضا «شيئا ادا »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *