أخبار عاجلة

محمود عابدين يكتب… “سبوبة المعارض الخارجية.. الشعب الخاسر الأكبر !!”

كنت وما زلت أتعجب من السر وراء إصرار مسئولى الآثار على سفر تراثنا الأثرى للخارج مقابل حفنة دولارات لا تغنى ولا تثمن من جوع، من ضمن هؤلاء د. ممدوح الدماطى ـ وزير الآثار السابق ـ الذى أصدر قراره بتأجير مائة وعشرين قطعة أثرية مصرية من عصر الدولة القديمة بهدف عرضها فى بعض المدن اليابانية حتى عام 2017 قبل أن يترك منصبه، كما أصدر «الدماطى» قراراً آخر بسفر مائتين وثلاثة وتسعين قطعة أثرية من ناتج حفائر إدارة الأثار الغارقة إلى إنجلترا لعرضها فى مدينة لندن..على أن تنتقل تلك القطع بعد ذلك إلى بعض المدن الألمانية.. ثم تعود إلى مصر نهاية عام 2017.. والطريف فى الأمر أن الوزير الحالى د. خالد عنانى تعاقد أيضاً على معرض للآثار فى الصين سيغادر أرض الوطن خلال أيام معدودة !!.
هذه القضية الخطيرة جعلتنى أتذكر ما كتبه الأديب الراحل جمال الغيطانى مناشداً صناع القرار بخطورة سفر آثارنا فى معارض بالخارج مهما كان العائد المادى الذى يروج له بعض المستفيدين من هذه المعارض ـ خصوصاً منها النادرةـ وقتها استجاب لندائه الرئيس عبد الفتاح السيسى على الفور.. ومنع آثار توت غنخ آمون من السفر فى اللحظات الأخيرة رغم أن د. ممدوح الدماطى ـ وزير الآثار آنذاك ـ كان قد تعاقد بالفعل على تلك الاثار.. «الغيطانى» كان يخشى على هذه الآثار من السرقة والتزييف.. نعم التزييف الذى تعرضت له آثارنا الموجودة فى مخازننا ومتاحفنا.. فما بالنا بالتزييف المتوقع من المعارض الخارجية؟! واسألوا أساتذة وخبراء الآثار حتى يكون كلامى محل اعتبار وليس محض افتراء أو كذب..فطرق تزييف الآثار أصبحت متطورة جداً باعتراف د. مصطفى عطية ـ  أستاذ الكشف عن تزوير الآثار ورئيس معمل الكشف عن تزوير الآثار بجامعة القاهرة ـ والذى حذر مراراً وتكراراً من وجود أكثر من 10 طرق للتزوير تستخدمها الآن مافيا الآثار لصعوبة اكتشاف الأثر المقلد من الأصلى حتى لو كان ممهوراً بالبصمة المتطورة التى تحدث عنها د. حواس ـ وزير الآثار الأسبق ـ مؤكداً صعوبة تقليد تلك الآثار لأنها تسافر وفق إجراءات وشروط محددة..لافتاً إلى أنها «تُنتقل للمعارض الخارجية فى فتارين وتحت إشراف أثريين أكفاء وذوى خبرة»..وأضاف «حواس» أنه «إذا تم تقليد القطعة الأثرية أو تزويرها..فسيتم اكتشاف الأمر على الفور».
ولعل د.«حواس» ـ يعلم «كما أعلم أنا وغيرى من المهتمين بهذا الملف ـ أن أى معرض آثار بالخارج يرافقه أثرى واحد فقط.. ويستحيل أن يتواجد هذا الأثرى بجوار المعرض على مدار الأربع والعشرين ساعة وطوال فترة المعرض التى تمتد لشهور لحراسة القطع المعروضة بنفسه!.. لذا وجب علينا طرح السؤال التالى: ما المانع من وجود مناظرة بين د. «حواس» ود. «عطية» حول إمكانية تزييف آثار المعارض الخارجية حتى تتضح لنا الحقيقة ونستطيع تفعيل آليات حديثة للمحافظة على تراثنا من أى عبث داخل مصر أو خارجها؟..مع العلم أن د. «عطية» سبق أن عرض على «الآثار» فى عهد د.حواس خدماته للكشف عن بعض الآثار المقلدة داخل المخازن والمتاحف.. ورغم موافقة جميع قيادات الوزارة له إلا أن د. حواس هو الوحيد الذى رفض.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن دولاً عديدة مثل الإمارات وأوكرانيا وغيرها تستعين به فى الكشف عن تزوير الآثار لكن!!.
ولأن هناك من يتعمد تغييب وعى الشعب عن تراثه الأثرى.. ولأن القليل منا وخصوصاً المهتمين بمجال الآثار هم فقط من يتابعون قضايا الفساد فى هذا الملف.. لذا أطرح تساؤلى عمن يكون «اللهو الخفى» أو «الطرف الثالث» صاحب المصلحة فى سرقة آلاف القطع من آثارنا وتهريبها للخارج لتمتلئ بها متاحف العالم سواء أكان ذلك بالطرق الشرعية أو غير الشرعية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين؟!.. والسؤال الثانى: أليس هذا الأمر دليلاً دامغاً على أن آثار مصر ليست فى حاجة إلى دعاية أو عرض المزيد منها فى الخارج ..خصوصاً أنها تدرس فى جميع مدارس الغرب وأمريكا باعتبار أن مصر صاحبة أعظم الحضارات البشرية؟!..وكان الأولى أن تقوم مكاتبنا السياحية بسبل الدعاية اللازمة لآثارنا كما تفعل الدول المحترمة..فحقيقة لم أقرأ أبداً عن أى دولة فى العالم تشحن آثارها خارج أرضها ولفترات زمنية طويلة بحجة الدعاية للسياحة نظير دراهم معدودة لا تسمن ولا تغنى من جوع!!
ورداً على تبريرات مسئولى الآثار الذين إستهانوا بهذا الجرم بزعم تعزيز الموارد المالية للوزارة التى اقتربت مديونياتها من الأربعة مليارات جنيه بسبب ضعف السياحة نطرح التساؤل التالى: هل تأجير آثار مصر نظير مبلغ لا يزيد على 340 ألف يورو هو الحل السحرى للقضاء على الأزمة المالية بالوزارة ؟!.. بالتأكيد لا وألف لا..ليه ؟!..لأنه لو كان هذا المسئول الذى وافق على هذا التعاقد المجحف والمستهين بكرامة وحضارة مصر صادقاً فى سعيه لحل أزمة وزارة الآثار لاستبدل فكرة المعارض الخارجية بطرق أخرى معروفة لحل هذه الأزمة ..فعلى سبيل المثال لا الحصر..سبق وتابعنا جميعاً اشتراك أحد قيادات الآثار مع شركة «فاكتيوم آرتى السويسرية» الخاصة بعمل نموذج طبق الأصل من بعض آثار توت عنخ آمون بالمتحف المصرى .. وقد عرضت هذه الآثار المقلدة بعدة مدن عالمية وبلغ عدد زائريها 4 ملايين شخص وكان متوسط  قيمة التذكرة الواحدة 17 يورو بما يعنى أن المعرض قد ربح أكثر من نصف مليار جنيه مصرى.
ما يثير الدهشة والريبة  «بقى» فى هذا الأمر.. إن مصر لم تحصل على يورو واحد من عائد من هذا المعرض..وما حدث بالفعل أن سماسرة المعرض ـ وأنا أعنى ما أقوله ـ قد «لهفوا» تلك الأموال من خلال تجارتهم بحضارة وتراث وطن مكلوم.. وليت هؤلاء المسئولون اكتفوا بذلك.. بل يصرون حتى من ترك منهم عمله بالوزارة ـ على استمرار التخطيط مع الأجانب لجنى ثمار حضارة وتاريخ الشعب بالمخالفة لقانون حماية الملكية الفكرية 82 لسنة 2002 والمادة 36.. من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983.. والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010.. والتى نصت مواده على ضمان حق الملكية الفكرية لكل مستسخ لآثار مصر..ولو كان المسئول عن الاثار يبتغى جمع الأموال لانفاقها على مشروعات الآثار كما يدعى..لكان أحرى به ـ كا سبق وأشرنا ـ أن يكون حريصاً على حق مصر فى تلك المعارض المقلدة..والتى تدر عائداً مادياً كبيراً جداً إذا ما أردنا عقد مقارنة منصفة بعائد المعارض الأصلية التى لم تتجاوز 340 ألف يورو؟!.
لكل ما سبق أريد أن أوجه رسالتى إلى وزير الآثار ورئيس الوزراء بالرجوع إلى إحدى مواد الدستور الحالى التى تؤكد على «للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على الدولة والمجتمع» باعتبارها سنداً لقوة الوطن وأساساً للنظام العام ومصدراً لرفاهية الشعب .. والآثار أموال عامة يا سادة.. وهذا يعطينى الحق فى طرح السؤال التالى: ما الإجراء الذى اتخذته وزارتنا المنكوبة فى واقعة تعرض آثارنا فى المعارض الخارجية الخاصة للتلف فى كل من :كندا والولايات المتحدة وأستراليا؟!..فقط نريد إجابة شافية ـ وافية وهذا من حقى كمواطن..فالمعروف بحسب تأكيد الأثريين  أن عدد لا بأس به من هذه الآثار تم كسره وتلفه..وهذا ثابت فى حيثيات حكم محكمة القضاء الادارى.. وتحديداً فى الدعوى رقم 4052 لسنة 47 ق..بالصفحة العاشرة.. وقد تم تعويضنا مادياً عن هذه الجرائم التى لا يمكن أن تعوضنا عنها أموال الدنيا. وقد نصت المادة 49 من الدستور على «تلتزم الدولة بحماية الاثار والحفاظ عليها ورعاية مناطقها وصيانتها وترميمها» كما جاءت المادة 50 من الدستور فى نفس السياق والمعنى ..مش كده ولا إيه ؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *