أخبار عاجلة

هبه عبد العزيز تكتب… “موسكو وتل أبيب …والمستقبل !!”

فى ظل ضبابية فى المشهد الإقليمى، وتعقد للمواقف الدولية، يأتى حديثنا اليوم عن العلاقات الروسية – الإسرائيلية! تلك العلاقات التى تؤثر بشكل يكاد يكون مباشراً على مجريات الأحداث بمنطقتنا العربية سواء أكان ذلك (سلباً أم إيجاباً )، وتحديداً على مصر بالإضافة لملفى القضيتين السورية والفلسطينية.
فقد كنت أتحدث منذ عدة أيام أنا وعدد من الأصدقاء حول علاقة موسكو بتل أبيب، واختلفنا حول توصيف إذا ما كانت تلك العلاقات فى المرحلة الراهنة ترمى إلى الصداقة والاحتواء والتنسيق فيما بينهما؟ أم أنه العداء الذى سينتج عنه تصعيد ولربما مواجهة فيما بعد؟
وتعالوا بنا قرائى الكرام نلقى نظرة سريعة على السياق التاريخى لعلاقة موسكو بتل أبيب.. فالأرقام تقول لنا إنه يوجد حوالى مليون يهودى روسى يعيشون فى إسرائيل، ويشكلون ما نسبته 20% من إجمالى السكان، كانوا هاجروا بعد تفتت الاتحاد السوفيتى، وترجع تلك العلاقات بالأساس إلى زمن بعيد، فبعد فشل حركة التنوير اليهودى والتى عرفت بـ«الهسكالاه» والتى كان من أهدافها دمج اليهودى فى المجتمع الذى يعيش فيه، وذلك تحت شعار «كن يهودياً داخل بيتك، إنساناً خارج بيتك»، وأيضاً مقتل القيصر الروسى «إليكسندر الثانى» على ما أتذكر فى عام 1881م وتم توجيه أصابع الاتهام إلى اليهود، الأمر الذى أدى لحدوث اضطرابات شديدة ضدهم والتى عرفت «بجرائم بوجورم» والتى وصلت إلى ذروتها فى «محرقة الهولوكوست» فى عهد «هتلر»…ومرت سنوات مليئة بأحداث كثيرة لا يتسع المجال ولا المساحة لسردها هنا.. إلى أن يأتى اعتراف روسيا بإسرائيل.. ولا يكاد يمر كثيراً من الوقت حتى أصدرت روسيا وأمريكا الإنذار القاطع بوقف العدوان الثلاثى على مصر عام 1956م ليكون أهم الأسباب لقطع العلاقات تماماً بين روسيا وإسرائيل.. ونذكر من التاريخ أيضاً أن الطامة الكبرى بينهما تمثلت فى قيام القادة الإسرائيليين بتسليح وتدريب المتمردين فى الشيشان وجورجيا.. ولكن إسرائيل حاولت فيما بعد أن تقيم جسوراً من العلاقات الاستراتيجية مع روسيا فى المجالات الاقتصادية والعسكرية على وجه الخصوص على يد «إيهود باراك» وزير الدفاع الاسرائيلى.
وحالياً يمكن أن نجمل القول بأن العلاقات تحكمها على ما يبدو مصالح متبادلة على الرغم من وجود بعض التوترات بسبب بعض القضايا مثل: موقف روسيا من الاتفاق النووى مع إيران، والتحالف الإسرائيلى مع أمريكا، وأيضاً توسيع روسيا لتواجدها العسكرى فى منطقة الشرق الأوسط، (حيث تسيطر على قاعدة طرطوس بسوريا، وومدها مؤخراً لمظلة جوية ، بالإضافة لإرسالها القوات البرية لدعم النظام السورى أو محاربة الإرهاب بحسب الزعم الروسى).
وقد راح عدد من أصدقائى إلى تبنى رأى أو فكرة أن الأيام المقبلة ستحمل المزيد من التوترات والتصعيد ما بين روسيا وإسرائيل، وذكر أحدهم الجملة التى جاءت على لسان «نتانياهو» عندما قال (إن إسرائيل أصبحت لها حدود مشتركة مع روسيا) وذلك عقب التدخل العسكرى الروسى الرسمى فى سوريا، وأذكر أنا أيضاً تصريحاً قد قرأته لسفير إسرائيلى قال فيه ما معناه (إن إسرائيل لا يمكنها تجاهل الأبعاد الجيوسياسية بعيدة المدى للتحرك الروسى على رقعة شطرنج الشرق الأوسط). وأكد الأصدقاء هنا على أنه أصبح هناك تهديد مباشر الآن لسلاح الجو الإسرائيلى وذلك بانضمام منظومة الصواريخ الاعتراضية المتطورة «إس- 400»، ويزيد الطين بلة توسيع روسيا دائرة حلفائها بالمنطقة، وذلك بتوقيعها الفترة الماضية اتفاق التعاون الاستخباراتى مع العراق كنظيره الموقع مع إيران من قبل، بالإضافة أنه يتردد فى الأوساط عن ثقة تسليم موسكو طهران منظومة دفاع جوى متطورة، وأيضاً تجاوز أزمة سقوط الطائرة الروسية بين القاهرة وموسكو عزز من رأيهم لتوقع تصاعد العداء و التصعيد ولربما المواجهة كما ذكرت سالفاً.
هذا من جانب وعلى الجانب الآخر شاركنى البعض وجهة نظرى فى تبنى فكرة أن تبادل المصالح بين الطرفين سينتج عنه حالة احتواء وتنسيق، ففى سبتمبر الماضى تم اللقاء ما بين رئيس الوزراء الإسرائيلى والرئيس الروسى بناء على طلب عاجل من الجانب اﻹسرائيلى، وذلك لمعرفة حدود التدخل الروسى فى سوريا، والتنسيق بناء عليه بين الطرفين بخصوص التحرك الإسرائيلى فى سوريا لمنع وقوع صدام بين الطرفين، وأيضاً لمنع نقل أى أسلحة متطورة لحزب الله من سوريا إلى لبنان، ومنع وجود قوات من حزب الله وإيران فى المنطقة الجنوبية السورية المحاذية لهضبة الجولان لضمان عدم تهديد أمن إسرائيل، وبالفعل تم تشكيل لجنة عسكرية مشتركة للتنسيق بين الجيشين، كما أكد الجنرال «عاموس يادلين» رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أن إسرائيل لن تهاجم أهدافاً فى سوريا يتضرر فيها روس مطلقاً، وصرح كذلك بأن الروس ليسوا أعداءنا اليوم.
وأعتقد أن إسرائيل تنظر الآن للتدخل الروسى على أنه أمر يحقق لها أهدافها الخبيثة، حيث إنه سيمنع سقوط نظام بشار الأسد، ويجعل من منطقة «سوريا الصغرى» على الساحل منطقة نفوذ روسى تحت حكم بشار مما يزيد احتمالات تقسيم سوريا وإضعافها كدولة وجيش وشعب، وفى نفس الوقت الإبقاء على نظام «بشار» ضعيفاً لا يقوى على شىء.
ونرى كذلك من الرئيس الروسى محاولات طمأنة للجانب الإسرائيلى، وقد بدا ذلك فى أكثر من تصريح له وبأكثر من وسيلة، مما يؤكد حرص «بوتين» على الاحتفاظ بعلاقات جيد ة ما بين بلاده وإسرائيل، وجدير بالذكر أيضاً أن تلك العلاقات تطورت فى عهده إلى ما يقرب من مستوى الشراكة. فروسيا على ما يبدو لا تريد أن تزيد من تأزم علاقاتها مع أمريكا بعداء إسرائيل، وتريد ألا توسع عملياتها فى سوريا، حيث إنها تعانى أزمة اقتصادية، والتى كان من أسبابها العقوبات التى فرضت عليها بسبب الأزمة الأوكرانية، فروسيا تسعى لتحقيق أهدافها بتكلفة مقبولة.
وفى آعتقادى أن الجانبين الروسى والإسرائيلى حالياً حريصان كل الحرص على المحافظة بل وتطوير علاقاتهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *