أخبار عاجلة

إبراهيم الصياد يكتب.. “أردوغان وبداية النهاية..!!”

لا خلاف على أن التجربة التركية على المستوى الاقتصادى تستحق الدراسة من قبل دول أخرى ما زالت ترمقها وهى تحاول المضى قدما على طريق التنمية، وفى الوقت نفسه سياسيًا روجت تركيا لتجربتها الديمقراطية لعقود طويلة بشكل حاول يقنع البعض بأنها قننت ما يمكن تسميته علاقة التماس بين المؤسسة العسكرية التركية وبقية المؤسسات المدنية الأخرى، حيث ظل الجيش حارسًا للإنجاز الاقتصادى وإلى حد كبير للإنجاز الديمقراطى طوال السنوات الماضية حتى وقعت محاولة الانقلاب الأخيرة فى الخامس عشر من شهر يوليو الماضى. 
ونقول إنه رغم فشل الانقلاب فى تركيا فإنه كشف أمورًا يجب مناقشتها بشكل تحليلى، فقد تقاطعت هذه الأمور مع ما رسخ فى الذهن بشأن التجربة التركية ومن بينها أن ثمة احتقانًا فى النسيج التركى هو الذى دفع البعض – بصرف النظر عن توجهاتهم أو ماهيتهم – إلى التقاطع الحاد مع نظام حكم أردوغان خاصة فى المؤسسة العسكرية التى كما ذكرنا هى صمام الأمان فى الدولة التركية منذ عهد مصطفى كمال أتاتورك ملهم تركيا فى نسختها العلمانية، ولهذا استهدفت جميع الانقلابات العسكرية التى شهدتها تركيا فى نحو نصف قرن تحقيق المواءمة بين العلمانية بالمفهوم الأوروبى والحفاظ على القيم المترتبة عليها ومن بينها الاقتصاد الحر والديمقراطية الليبرالية والأفكار المتحررة حتى المتعارضة مع الموروث الإسلامى مثل زواج المثليين وما شابه ذلك، وبين اعتبار تركيا دولة إسلامية!.
غير أن الرئيس التركى كان له أكثر من وجه فى التعاطى مع متناقضات المجتمع التركى هل هى دولة محافظة تحكمها قيم المجتمعات الشرقية أم أنها دولة متحررة تسير على نهج الحرية الفردية، كما فى المجتمعات الغربية، وأحد هذه الوجوه مثلا مرونته فى التعامل مع الفكر العلمانى بكل صوره إلى حد النفاق، ووجه آخر يتعامل مع تيارات سياسية متخفية تحت عباءة الدين المحافظة بما يجعله يحتضن التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، بل يتعدى ذلك إلى استضافة عناصر إرهابية وقيادات فى بلاده تمثل اتجاهات هاربة من أحكام قضائية فى دول أخرى.
ومن الأمور التى أظهرتها المحاولة الانقلابية الأخيرة ما يمكن تسميته ردة الفعل المرتبة والمغالية فى القسوة من قبل حكومة أردوغان ضد ما سمتهم مدبرى الانقلاب والداعمين له والذين لهم علاقة بفكر مناهض له، سواء فى المؤسسة العسكرية أو فى المؤسسات الأخرى والتى شملت أعدادًا كبيرة من القضاة والساسة والكتّاب والصحفيين والإعلاميين والموظفين العموميين، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع ما يحدث فى تركيا نرى أن رد الفعل ترتب عليه شكل من أشكال الاختلال فى المعادلة التركية التقليدية، وصادر تاريخًا للممارسة الديمقراطية، ما جعل ذلك يؤثر بالسلب على السياسة الخارجية التركية. 
وهذا لا يعنى أنه كان مطلوبا من أردوغان التساهل وعدم تأمين نظام حكمه وبقائه فى السلطة لكن وفق المنطق كان يجب أن تتم المحاسبة من خلال القانون ووفق أحكام الدستور وفى ظل الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية بلا أى تجاوزات فى حقوق الإنسان حتى لا يؤثر هذا السلوك على صورة الدولة التركية فى الخارج. 
وهذا فى الواقع – هو بيت القصيد- لأن ما تم من اعتقال قوائم بسرعة كبيرة يجعل المراقبين يجزمون أنها كانت معدة سلفا على ما يبدو وجاء فشل المحاولة الانقلابية لإعطاء الضوء الأخضر للتنكيل بمعارضى أردوغان خاصة أن هناك قوائم أخرى شملت أسماء عشرات الآلاف تم وقفهم عن العمل، كما جرى توقيف آلاف آخرين بسبب الاشتباه فى هويتهم خاصة بعد تطبيق قانون الطوارئ، وتعتبر هذه كلها مظاهر تبعث على قلق الأطراف الأخرى سواء داخل المجتمع التركى، خاصة الأقليات العرقية مثل العرب والأكراد والأرمن وغيرهم، أو خارج تركيا خاصة من الدول الحليفة لأنقرة، وكانت الصور التى نشرت فى وسائل الإعلام الدولية ومواقع التواصل الاجتماعى توضح التعامل اللا إنسانى لجنود أتراك تم تجريدهم من ملابسهم وصمة عار فى جبين نظام أردوغان الذى ضرب عرض الحائط بكل قيم الحرية والديمقراطية التى يتشدق بها. 
ولا شك أن المشهد السياسى التركى قد ألقى بظلال قاتمة إلى حد كبير على مستقبل الاقتصاد التركى ومعادلة الاستقرار التركية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تراجعت السياحة – وهى أحد مصادر الدخل القومى الرئيسية – بنسبة أربعين فى المئة خلال شهر يوليو ٢٠١٦ بسبب إلغاء حجوزات عشرات الأفواج السياحية، وكانت مدينة إسطنبول واحدة من المدن العالمية التى تشهد رواجا سياحيا كبيرا فى هذا الوقت من العام، غير أن الأوضاع الحالية وعدم الاستقرار الأمنى نتيجة ما حدث من محاولة انقلابية فاشلة وما تلاها من إجراءات لاحقة من قبل الحكومة جعل تركيا بلدا غير مرغوب فيه سياحيا على الأقل فى الوقت الحالى. 
وهذا يجعلنا نراجع سياسات تركيا من دول الشرق الأوسط وأزمات المنطقة لأنها بلا شك لاعب إقليمى رئيسى بها، ولكن بما أن السياسة الخارجية والسياسة الداخلية وجهان لعملة واحدة فنرى أن على أنقرة اليوم أن تعيد النظر فى دورها الإقليمى وتخلت عن أطماعها حتى يمكنها إزالة اختلالات المعادلة التركية، ومنها مثلا العلاقات التركية الإسرائيلية حيث كشف التقارب الأخير بين أنقرة وتل أبيب تناقض المواقف التركية الإسرائيلية تجاه تنظيم الإخوان المتطرف، ففى الوقت الذى تؤيد فيه تركيا الإخوان تأخذ منه إسرائيل موقفا متشددا بسبب ارتباط حركة حماس بها، وكذلك التنسيق بين تركيا وإيران بشأن دوريهما بمنطقة الشرق الأوسط الذى يصب فى سحب السجادة من تحت أقدام الدول العربية خاصة دول الخليج، ثم ضبابية الدور التركى فى سوريا والعراق خاصة بالنسبة للأزمة السورية، وبشكل خاص فى العلاقة المشبوهة مع تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية التى تعمل على الأرض فى منطقة الشرق الأوسط وآخرها محاولة الظهور الأردوغانى فى المشهد الليبى.
ثم تبنى النظام التركى للمعارضين والخارجين على القانون والهاربين من دول تختلف مع حكومة أردوغان، ومن هنا يمكن القول إنه من الضرورى إعادة صياغة العلاقات العربية التركية بشكل عام وعلاقاتها المحتقنة مع بعض هذه الدول مثل مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص وتكف عن التدخل فى الشئون الداخلية لها ويجب أن يدرك أردوغان أن حكم الإخوان قد سقط فى مصر بغير رجعة، وأن يتفهم أن شرعية الجماهير هى التى عزلت مرسى، وأن يعيد قراءة التاريخ وأن الشعب المصرى قال كلمته، وليس الرئيس عبدالفتاح السيسى سوى منفذ لإرادة الجماهير التى قالت كلمتها يوم ٣٠ يونيو عام ٢٠١٣!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *