أخبار عاجلة

إبراهيم الصياد يكتب.. “أطول يوم في التاريخ !!”

في عام 2015 صدر لي كتاب وثقت فيه لأصعب مرحلة مرت بها مصر في تاريخها الحديث 2011 -2013 اسميته اللحظات الحاسمة شهادة من قلب ماسبيرو من بين ما ذكرت فيه ان الثلاثين  من  يونيه عام 2013 يوم لا ينسى في تاريخ مصر الحديث  حيث توجهت صباحا الى مكتبي بماسبيرو وكنت أعلم أن الساعات القادمة ستكون فارقة خاصة ان النظام الإخواني قد فقد سيطرته على مفاصل الدولة واصبح رئيس الدولة معزولا في قصر الاتحادية اما  التليفزيون الرسمي قد قرر الإنحياز للشعب مع الإلتزام الكامل بالمهنية في التغطية الإخبارية واتذكر انه تم  توزيع شبكة المراسلين على المناطق بشكل متوازن حيث تجمع الإخوان في ميداني رابعة العدوية و النهضة بشكل اساسي بينما تركزت الجماهير الرافضة لحكم الاخوان امام قصر الاتحادية وفي ميدان التحرير . 
وطلبت من قطاع  القنوات الاقليمية امداد ماسبيرو على مدار الساعة بالمواد المصورة لأي فعاليات جماهيرية في المحافظات التي تغطيها هذه القنوات واعتمدنا على تقسيم الشاشة لنقل أي احداث مصورة خاصة من خلال النقل المباشر واعتبرنا ان يوم الجمعة 28 يونية بروفة جنرال لما سوف يحدث يوم الاحد 30 يونية .
 وخلال فترة حكم الاخوان كانت هناك ضغوط بشكل مستمر على قطاع الأخبار واتحاد الاذاعة والتليفزيون ن قبل إعلام الرئاسة المتمثل في مجموعة من التابعين لمكتب الارشاد ولذلك رفضت اي تدخل منهم  في توجيه التغطيات وطلبت من وزير الاعلام انذاك عدم تواجد اي منهم في مبنى ماسبيرو حرصا على سلامتهم لان فريق العمل التنفيذي خاصة في اخبار التليفزيون من محررين ومخرجين ومراسلين ومذيعين لن ينفذوا تعليماتهم وقد حاول الإخوان يومي 28 و29 يونية استعراض قوتهم في الحشد والطريف أن وزير الإعلام تابع التغطية اولا من قناتي  مصر  25 و الجزيرة  ثم يوجه ملاحظاته على ما ينقله على التليفزيون المصري وابدي امتعاضه اكثر من مرة من عدم  تركيز قطاع الاخبار  على تجمعات الاخوان خاصة في المحافظات  !!. 
يوم 3 يوليو لم أتحدث الى الوزير ولكن كانت كل الاتصالات تتم عبر رئيس الاتحاد وقد ساعدني ذلك على إدارة التغطية بهدوء بعيدا عن اي ضغوط واعطي الفرصة للفريق المعاون ومن هم تحت رئاستهم من التنفيذيين للعمل وفق ما يمليه عليهم ضميرهم المهني وكان متوقعا أن يصدر بيان عن القوات المسلحة في الساعة الرابعة ولكن الوقت كان يمر والشوارع والميادين تمتلئ بالجماهير وأغلق مبنى ماسبيرو ابوابه وأحكمت السيطرة الأمنية عليه وغادر الوزير المبنى للمرة الاخيرة عصر هذا اليوم 
وتوجهت الى مكتب رئيس الاتحاد لادارة الموقف في اطار ما يشبه القيادة الجماعية ومرت الدقائق ساعات ونحن في انتظار اللحظة الحاسمة إما بالنقل على الهواء لإذاعة بيان الجيش او وصول البيان مسجلا وساد الجميع قلق ما كلما تأخر وصول البيان لاسيما وأننا دخلنا الى ساعات المساء وكانت غرفة الأخبار تجهز نشرة التاسعة وهي النشرة الرئيسية بالقناة الاولى بالتليفزيون . 
وفي الساعة الثامنة مساء وصلني اول اتصال من ادارة الشؤون المعنوية مفاده أن شريطا يتحرك نحو مبنى ماسبيرو وكنت أتابع التحرك لحظة بلحظة بينما الفريق المعاون وفرق العمل على أهبة الاستعداد سواء في صالة تحرير الاخبار او استديوهات الهواء فيما توقعت وصول الشريط إما قبل نشرة التاسعة او أثنائها وفي كل الاحوال اتفقنا على انه بمجرد وصول الشريط تضم كل القنوات المرئية والشبكات الاذاعية على استديو 11 الخاص بالاخبار بإشارة معينة وهي اذاعة اغنية  ياحبيبتي يامصر للمطربة شادية بعدها يتوحد ارسال الاذاعة والتليفزيون . 
وفي الساعة الثامنة و50 دقيقة مساء وصل الشريط وانتقلنا الى الاستديو وفي الساعة التاسعة حبسنا الانفاس حتى سمعنا اشارة توحيد  الإرسال  فيما تسلم مذيع الاستديو مقدمة الخبر ليقدم الحدث  الذي ينتظره الملايين وتضم كل القنوات الفضائية في مصر والعالم العربي على القناة الاولى بالتليفزيون المصري الرسمي فيما طيرت الخبر العاجل وكالات الانباء وكثير من المحطات الاخبارية العالمية . 
وبدأ الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة يلقي البيان في مؤتمر حضره رموز الأمة السياسية والدينية ويعلن انه استجابة لإرادة جماهير الشعب المصري فقد تقرر سقوط نظام الاخوان وتعطيل العمل بالدستور وعزل محمد مرسي وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا مقاليد الحكم حتى اجراء انتخابات رئاسية وحدد البيان خارطة للمستقبل من عدة نقاط تبدأ بإعداد دستور جديد يتم الاستفتاء عليه ثم تتوالى بعد ذلك بقية الاستحقاقات ..
ولم يتمالك الجميع انفسهم وسالت دموع الفرحة بنجاح الثورة وتعانقوا في لحظة تاريخية حاسمة اعتبرتها الإنجاز الأهم في حياتي المهنية على مدار اكثر من 38 عاما . 
ولا شك أن الساعات الحاسمة التي عشناها بكل مشاعرنا وقوانا يوم 3 يولية عام  2013 كانت أمرا طبيعيا لانقاذ البلاد من حكم «فاشي» كاد ان يلقيها في هاوية التخلف والضلال .
وعندما غادرت المبنى في الساعات الاولى من فجر يوم الرابع من يوليو شعرت بأنني أتنفس هواءا مختلفا عن ذي قبل وسرت بصعوبة بين الآلاف الذين تجمعوا على نيل ماسبيرو وقد عادت البسمة لوجوههم وعلا علم مصر في كل مكان فيما غطت الالعاب النارية سماء العاصمة لتبدأ مصر صفحة جديدة من تاريخها اكد  فيها أنه لا يصح إلا الصحيح !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *