أخبار عاجلة

إبراهيم الصياد يكتب.. “الناس على دين اعلامهم..!!”

مقولة شهيرة تقول ” إن الناس على دين ملوكهم ” ولكن مع إتساع دوائر الإتصال الجماهيري وأصبح تعرض المتلقي لإحدى هذه الوسائل في أغلب ساعات يومه أمرا يؤكد تراجع المقولة  المذكورة التي تربط توجهات المحكوم بسنن الحاكم ونظامه وأضحى إرتباط المواطن بشكل أساسي هذه الايام بالإعلام لما يشكله في وجدانه وإطاره المرجعي من قيم ومعارف سلبا أو ايجابا ولهذا صدق من قال ” ان الناس على دين اعلامهم ” . 
مع الفارق أن قديما كان الاعلام ارشادا ودعاية بشكل فيه قدر كبير من التوجيه اما الآن بات الاعلام بوتقة لتشكيل وعي المتلقي وصياغة رؤيته ووجدانه في كل مجالات الحياة وبنفس القدر من التوجيه  – وقد يكون اكثر –  فلا يوجد إعلام بدون توجيه لأن الإعلام يهدف بشكل اساسي الى آداء وظائف منها التثقيف أو التنوير أو التعليم والإخبار أو تداول المعلومات والبيانات و الترفيه بمعناه الراقي الذي يخاطب العقل ويبني منظومة من القيم الإنسانية  ولا يخاطب الغرائز وبصورة اوسع يؤدي الاعلام دورا مهما في بلورة الرأي العام ازاء القضايا المهمة في المجتمع !! 
وعليه اذا تعرضنا للاعلام المصري بشكل خاص لمناقشة اوضاعه بين واقعه اليوم والمأمول منه في المستقبل المنظور يمكن القول إن اي نظام اعلامي يعتمد على أسس اخلاقية ومهنية عند صياغة الرسالة الاعلامية سواء كانت هذه الرسالة خبرا او تقريرا او حوارا او تحقيقا استقصائيا او برنامجا ثقافيا او وثائقيا او مسرحية او مسلسلا دراميا او حتى مباراة في كرة القدم او فيلما كرتونيا للاطفال وعدم وجود هذه الاسس نصبح امام لا نظام في ممارسة مهنة الاعلام بعبارة اخرى نصبح امام فوضى وانفلات يبتعد عن قيم واخلاقيات المهنة والتي يمكن تلخيصها في عدد من القيم المهنية المتفق عليها دوليا في كل مدارس الإعلام منها الموضوعية بكل ماتعنية من توازن وحيادية وآداء يتصف بالعدل والإنصاف والشفافية ومنها كذلك الدقة في تداول ونقل المعلومات ما يعني أن عدم الدقة حتما سوف يقود الى التسطيح المعرفي بالأشياء وهو ما يسمى أيضا بتجريف وعي المتلقي وفي النهاية عدم التدقيق يعني ممارسة نوع من التضليل الاعلامي للمتلقي . 
ومن أهم القيم المهنية التي يجب ان يلتزم بها القائم بعملية الاتصال المحاسبة او مايعرف بالرقابة الذاتية وهي شرط رئيسي لتحقيق الامانة المهنية وبدونها لن تستطع المؤسسات الاعلامية تطبيق اي من مواثيق الشرف الاعلامية حيث يمكن التاكيد على وجود ميثاق شرف داخلي للاعلامي أهم بكثير من ميثاق شرف عام يضبط آداء المؤسسات الاعلامية  ومن قيم الآداء الإعلامي ايضا الالتزام بالمصلحة العامة فاذا كان ذلك متبعا في اعلام الدولة فانه من الضروري ان نحرص على وجوده في الاعلام الخاص حيث ليس معنى ان تكون القناة خارج نطاق اعلام الدولة ان تصبح غير منضبطة لا تراعي الصالح العام في برامجها ورسائلها والمصلحة العامة ليست فقط كل ما يتصل بالامن القومي فقط بل تشمل كل ما يتعلق بالنسق القيمي من اخلاق وموروث اجتماعي وشخصية تميز المتلقي المصري او العربي عن غيره وتاتي بعد ذلك قيم اخرى تتعلق بالتنوع بمعنى مساعدة  وتأهيل الإعلامي على التجديد والابتكار !!
إن الفوضى الإعلامية قد أدت الى غياب واضح للقيم التي ذكرناها بعد انهيار نظام اعلامي كان موجودا قبل 2011 سواء اتفقنا او اختلفنا معه و حقيقي انه نظام موجه لخدمة أهداف الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في ذلك الوقت وعمل على  ترسيخ مفاهيم  في  وعي المتلقي منها التوريث والخصصة وسيادة النزعات الفردية و تزاوج  المال بالسلطة  وليس بالامكان افضل مما كان وصب النظام الإعلامي في هذا الإتجاه وبعد ثورة يناير انهار النظام السياسي والاقتصادي والامني وبالطبع انهار النظام الإعلامي  وكنا نتوقع قيام نظام اعلامي جديد يتفق مع مبادئ الثورة في الحرية والعيش والعدالة الانسانية ولكن لم يحدث وظل الاعلام يسير متخبطا بلا رؤية سواء كان ذلك في اعلام الدولة او الاعلام الخاص فاما اعلام الدولة كانت مشكلته اوضاعه المالية وكان مبنى ماسبيرو انعكاسا لما يحدث في المجتمع بعد 25 يناير ورغم أن الإعلام الخاص استحوذ على ” كيكة ” الاعلانات منه إلا ان هذه القنوات تركت نفسها لنظام غير منضبط فكرا وآداءا وحدث ما يمكن تسميته تزاوج الإعلان بالاعلام اي تحكم الوكالات الإعلانية في المحتوى البرامجي لهذه القنوات وظهرت برامج  لموضوعات مثيرة مثل الجن والشعوذه والدجل والجنس والطب والعلاج بالاعشاب  ودخلت المهنة نماذج لا علاقة لها بالاعلام واصبحت مهنة الاعلام مهنة من لا مهنه له .
ومن هنا كان من الطبيعي أن يكون المتلقي الذي يجلس امام التليفزيون ساعات – اكثر من ساعات عمله وانتاجه – ان يصبح اسيرا لهذا الاعلام غير المنضبط الامر الذي ادى الى ضرورة البحث عن مخرج للاعلام المصري وهو المأمول في المرحلة المقبلة لاعادة تشكيل وعي المتلقي على اسس سليمة ليتناغم مع مقولة الناس على دين اعلامهم قولا وفعلا !!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *