أخبار عاجلة

د. سمير عباس يكتب… “وهدأ.. جنون الدولار..؟؟!!!”

ما هكذا ..يا غيث ..تورد الابل..
تفاجأنا خلال الايام القلائل الماضيىة بقرارين غير مسبوقين وعلى درجة عالية من الخطورة والاهمية .
القرار الاول : هو طرح وعاء ادخارى جديد في السوق المصرى عبارة عن شهادات مدتها ثلاث سنوات وبفائدة سنوية تثير اللعاب مقدارها 5و12%.
القرار الثانى : هو المتمثل في رفع قيمة الجنيه المصرى في مواجهة العملات الاجنبية بقيمة عشرين قرشا لسعر التبادل بالدولار باعتبار هذا الاخير هو مخزن القيمة والقياس في سوق المبادلات النقدية العالمية، أى ما يمكن ترجمته بخفض قيمة الدولار في السوق المصرى مقابل الجنيه بمقدار عشرين قرشا.
هذان القراران الجريئان يطرحان عدة تساؤلات 
اولا : هل السادة المسئولون المصرفيون والماليون والاقتصاديون الذين تشاوروا وتدارسوا وبحثوا الموقف الاقتصادى والمالى للدولة المصرية في هذه المرحلة وعلى المديين المتوسط والبعيد ،قاموا بعمل ما يجب عمله من دراسات احصائية وتحليلية بواسطة خبراء متخصصين في الدراسات الكمية والتنبؤ على مستوى الاقتصاد الكلى وادراة المالية العامة، ومن ثم كانت هذه القرارات هى نتيجة تلك الدراسات المتخصصة والمتعمقة علميا واحصائيا.؟؟؟
ثانيا : هل مشكلة الاقتصاد المصرى هى فقط ادارة السياسة النقدية ومن ثم فان مشكلة الدولار في السوق المصرى يمكن حلها هكذا بتخفيض قيمته التبادلية ازاء الجنيه المصرى مع استحداث آلية ادخارية جديدة تمتص السيولة المتوفرة في أيدى المصريين عبر الاغراء بسعر فائدة لم يسبق منحه الا ربما من بعض شركات توظيف الاموال اياها ؟؟؟..؟؟؟
ثالثا : ماذا عن المشكلة البنيوية في هيكل الاقتصاد المصرى والمتمثلة في الفجوة الهائلة بين الصادرات والواردات والتى تتعدى ال300 مليار جنيه والتى تمثل جوهر مشكلة الدولار في السوق المصرى …؟؟؟.هل هذه القرارات ستحل المعضلة…؟؟؟
السؤال ألأشد ايلاما هنا….
لماذا نلجأ للحلول السهلة التى لا تحل المشكلات وانما نقوم بترحيلها لمستقبل قد يقصر أو يطول مداه ، ولكن في الحالتين يكون الاثر السلبى أشد وقعا حين يختفى أثر المخدر الموضعى وتعود المعاناه من جديد نتيجة للوجع الذى لم يتم علاج أسبابه من الجذور..
قد أقتنع بجدوى هذه القرارات اذا قال لى أحد المسئولين عن اصدارها وتنفيذها أنها قرارات مؤقته ترتبط بتهدئة حمى الدولار التى اشتعلت فجأة في السوق المصرى بفعل المضاربات والتهريب وهى الحالة المفاجئة التى لا تخلو من أبعاد سياسية. أما أن يقنعنى أحد بأننا هكذا قد حللنا مشكلة الدولار، فهذه هى القضية التى يجب أن تتم مناقشتها بصدق وبعمق بين المتخصصين.
فمشكلة الدولار في السوق المصرى هى الترجمة السوقية لمشكلة أعم وأشمل تتعلق بادارة الاقتصاد الكلى وتوزيع الثروة في المجتمع، وعلاقات الانتاج والتوزيع والاستيراد والتصدير. هى قضية ادارة المالية العامة للدولة
المصرية ، وضرورة البحث في الحلول المستدامة التى تخفف ضغط الطلب على العملات الاجنبية ، وتزيد من حصيلة الدولة من تلك العملات لتضيق الفجوة قدر المستطاع بين العرض والطلب وهو الامر الذى يجب أن يمثل جوهر وصلب السياسة العامة الاقتصادية لمصر على مدى السنوات العشر القادمة.
ان قرار تخفيض قيمة الدولار لا أظن أنه سوف يؤدى الا الى احتفاظ مالكيه بالكميات المتوفرة لديهم انتظارا لدورة ارتفاع جديدة تعوضهم ما قد يخسروه لو استجابوا للقرارات الاخيرة وقبلوا بخسائر الفرق بين السعر المرتفع الذى اشتروا به والسعر المتدنى الذى تفرضه القرارات الاخيرة. أما العاملون في الخارج وغيرهم ممن كانوا الى الامس القريب يقومون بتحويل ما يريدون تحويله من دولارات باسعار تجاوزت احيانا 5و8 جنيه للدولار ، فهؤلاء أيضا سوف يتريثون على أمل الارتفاع مجددا لسعر الاخضر في السوق.
اذن ( ونتمنى أن نكون مخطئين) الأثر الايجابى لقرار خفض سعر الدولار سيتلاشى في أيام معدودة خاصة وان البنك المركزى ليس لديه تلك الاحتياطيات الضخمة التى يستطيع بها موازنة السوق اذا ما احجم المضاربون عن بيع دولارتهم.
أما قرار طرح شهادات ادخار بسعر فائدة غير مسبوق وقدره 12،5,% ‘ فهذه من وجهة نظرى المتواضعة هى أيضا خطيئة لا تبشر بخير. ( وأتمنى أيضا أن أكون مخطئا).
هل يعلم الذين أتخذوا هذا القرار وروجوا له أنهم يضربون الاستثمار ضربة موجعة بمثل هذه الفائدة العالية التى تحجب حتى كتابة هذا التقرير مبلغ 28 مليار جنيه من سوق الاستثمار المصرى وهو مبلغ قيمة الشهادات التى بيعت حتى اليوم 15 نوفمبر 2015..؟؟؟ 
طبعا مازالت عمليات الشراء مستمرة. ولم لا اذا كان اصحاب هذه الاموال مطمئنين الى أن البنوك ستدفع لهم هذا العائد بعيدا عن وجع الراس في الاستثمار ومخاطره. 
أما البنوك ، فالسؤال الذى يمكن ان يوجه لها والحالة هذه هو:
ماذا أنتم فاعلون بهذه المليارات…؟؟؟..ز
من المفترض أن يعاد اقراضها الى اصحاب المشروعات والمستثمرين . حسنا
ما هو سعر الفائدة الذى ستقومون بالاقراض به لهؤلاء المستثمرين..؟؟؟؟
سيكون هذا السعر هو 12،5 % + 2 % مصروفات ادارية + ؟؟؟ % هامش ربح للبنك…اذن نحن نتحدث عن اعادة اقراض بسعر فائدة قدره على الاقل 17% يدفعها المستثمر المقترض…..الذى من المفترض انه هو أيضا يحقق ارباحا معقولة بعد أن يدفع للبنك كل هذه الفائدة….هل يمكن لاستثمار أن ينجح بمثل هذه التكلفة العالية ..؟؟؟
هذا مع العلم أن بنوكنا لا تستثمر ولا تشجع استثمار. هى فقط تعمل بالوساطة بين المودعين والحكومة التى تقترض لتمويل التزاماتها ( كلها تقريبا غير استثمارية ) في صورة اذون خزانة…..ويفاخر السادة مدراء البنوك بتحقيق ارباح وهمية واستثمارات وهمية يتقاضون بسببها الملايين ومئات الالوف ، وهى جميعها لا تزيد عن جمع الاموال من المودعين واقراضها للحكومة وتحصيل الاتعاب …
أليس هذا هو واقع الحال ؟؟؟
تعالوا نصارح شعبنا بابعاد المشكلة ، ونصنع حلولا تنهض باقتصاد منتج يقلل من اعتماده على الريع والاستيراد ..
هذا هو الحل اذا كان بيننا من يتق الله في هذا البلد وطموحات ابنائه واحلامهم المشروعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *