أخبار عاجلة

د.إيمان رفعت المحجوب تكتب… “مقتطفات من مذكرات دكتور رفعت المحجوب”

في ظل ما يشهده الوطن العربي هذه الأيام من خطط و مؤامرات وراءها أيادي الغرب الخفية التي تعبث و تخطط لذلك منذ عقود تلح على ذاكرتي كلمات والدي الذي عاش مقتنعا تمام الإقتناع بنظرية المؤامرة الغربية في الشرق الأوسط كنت صغيرة و لم أكن أقدر هذا كلام ، يوما بعد يوم يثبت لي صحة رؤيته و فهمه العميق للقضية ، قضى جل حياته مهموما بما يحدث في أرض العرب ، و لم يرضى يوما عن ردود أفعالهم ، كم طالبهم بما هو أكثر من الشجب حتى يئس منهم و طالبهم إن لم يستطيعوا الغضب أن يورثوا أولادهم الغضب و يدرسون لهم القضية ، منذ عام ثمانية و أربعين و هو يقول كتب عن مذبحة دير ياسين و كتب كيف كان الإسرائيليون يقطعون سبابة الصبيان و كتب عن مدرسة بحر البقر و الإرهاب و الترييع المتعمد سانقل لكم مقتطفات من مذكراته عن بعض الأحداث الدموية و تعليقه عليها ، قال في حصار بيروت الغربية في يونية عام ثلاثة و ثمانين ” و وقف العرب يشهدون جميعا مأساة بيروت الغربية وقفوا لا يفعلون شيئا ، و لا يقدرون على شئ ، فلم يحركوا منهم إلا لسانهم ، و راحوا يتحاورون في ذلة و بلاهة ، و يتهم بعضهم بعضا ، كي يقولوا يوم التباهي بالقول : لقد قلنا ! بئس القول في موضع العمل و كأن الأرض التي تنتهك ليست جزءا من الوطن العربي ، أو أن الشعب الذي يباد ليس جزءا من الأمة العربية ، هؤلاء فاتهم أن ضياع جزء من الأرض يمهد لضياع أجزاء أخرى ، و أن أحلام المعتدين تغطي الأرض من نهر مصر الى النهر الكبير نهر الفرات. خرجت المقاومة الفلسطينية ، بعد أن قاتلت بضراوة و شراسة ، خرجت و تفرقت في أنحاء العالم العربي ، بعيدا عن أرض المعركة ، و بعدها بدأت المرحلة الثانية من المؤامرة ! فأنتخب بشير الجميل ؛ زعيم ميليشيات الكتائب المسيحية و ظل في الحراب الإسرائيلية ؛ في الثالث و العشرين من أغسطس رئيسا للبنان ، و أحس منه الكثيرون الغدر ، ثم أحست منه إسرائيل التردد في توقيع معاهدة الصلح ، فأغتيل في الرابع عشر من سبتمبر قبل أن يتولى الرياسة بتسعة أيام و بعد يومين أثنين وقعت مذبحة صبرا و شتيلة. و لما تتم المؤامرة فصولا. ” و كتب بعد صبرا و شتيلة التي كان مدبرها شارون الذي كان وزيرا للدفاع آن ذاك السفاح الذي أطلق ميليشيات الكتائب المسيحية المسعورة و قوات القائد اللبناني المنشق سعد حداد على اللاجئين الفلسطينيين العزل فقتلوا ثلاثة آلاف فلسطيني عزل بينهم طفل و إمرأة و كهل و كوفئ بعد ذلك شارون برئاسة الوزارة ” لقد كانت لكم أيام و لأيامكم كتاب أسود نذكره و لا ننساه يأخذ برقابكم و في صدوركم حرج منه ثم انتم لا تطيقون أن نذكركم به ، أعلى هذا الماضي تبكون ، و تأسفون و لا تخجلون ، بئس ما قدمتم و بئس ما كنتم تؤخرون ” و من مذكراته أيضا ما كتب في الثاني و العشرين من فبراير عام ثلاثة و سبعين عقب إسقاط إسرائيل للطائرة المدنية الليبية فوق سيناء ” ليست إسرائيل وحدها هي المجرم في هذه الجريمة ، بل إن الدول الكبرى شاركت فيها بأعمالها و سكوتها ، فلو أنها وقفت مرة واحدة في وجه العدوان الإسرائيلي لما جسرت إسرائيل بالأمس على جريمتها النكراء ، الفانتوم الأمريكية التي أهديت لإسرائيل هي التي أسقطت الطائرة الليبية المدنية الآمنة ، الفانتوم الأمريكية هي التي قتلت كل هذا العدد الضخم من الأبرياء ، المهاجرون من العالم الغربي إلى إسرائيل هم العقول الشريرة التي دبرت الجريمة النكراء ، و هم الأيدي القذرة التي نفذتها ، و سكوت العالم الغربي عن جرائم سبقت من إسرائيل جعل منهم شريكا في هذه الجرائم. كل أولئك فاعلون لها و شركاء ، كل أولئك تنكروا للعدالة و الإنسانية ، الإنسانية التي تحصد اليوم الشوك الخبيث الذي غرسه الأشرار في الأرض الطيبة. أي سلام تدعيه إسرائيل ، لقد أسقطت كل إدعاءاتها الكاذبة عن السلام ، حينما أسقطت الطائرة البريئة. ثم كيف يواجه الذين يناصرون إسرائيل الرأي العام العالمي؟ هل يستمرون في التنكر لضمائرهم ، و في تحدي الضمير العالمي ؟ هؤلاء الذين كانوا للخائنين خصيما تقع عليهم مسؤولية إنهيار فرص السلام في الشرق الأوسط ، مسؤولية إشعال النار من جديد في مهد الحضارات ، و أرض الرسالات. ” أحب أن أذكر أنه ظل ينعت إسرائيل حتى مات بقوى الإحتلال و ظل ينعت الأرض بفلسطين المحتلة و في الثامن من أكتوبر عام تسعين أي قبيل إغتياله بأربعة أيام وقعت مجزرة المسجد الأقصى ، ردت قوات الإحتلال على المواطنين ؛ الذين حاولوا حماية المسجد الأقصى من إعتداء الجماعات اليهودية المتطرفة ؛ النيران الحية و تحولت منطقة المسجد الأقصى و المناطق المحيطة بها و بعض أحياء القدس العتيقة الى ساحات معارك و لطخت الدماء الجدران الخارجية للمسجد الأقصى و غطت برك الدماء أرض المنطقة المحيطة و استشهد الشيخ يوسف خطيب المسجد الأقصى و استشهد ثلاثون شخصا و كانت سيارات الإسعاف تنقل عشرات المصابين الفلسطينين في كل دقيقة و كانوا الجرحى كالسيل حتى أن غرف الرعاية المركزة بالمستشفيات لم تكن تستوعب أعداد الحالات الخطيرة ، طالبت مصر يوم التاسع من أكتوبر مجلس الأمن بإتخاذ إجراءات دولية لحماية الفلسطينين في الأرض المحتلة من عمليات الإبادة و بإيفاد لجنة دولية للتحقيق في المذبحة و تقدمت دول عدم الإنحياز بمشروع قرار يدين العدوان و يطالب بتشكيل لجنة ثلاثية تتولى مهمة تقصي الحقائق عما جرى في القدس ، أبدت الولايات المتحدة ترددا و اعترضت على مشروع القرار المقترح و قال مندوبها أن حكومته تفضل أن يعد المجلس بيانا عاما و دعا بوش إسرائيل لضبط النفس حتى لا يتكرر ما حدث ، حكومة شامير ترفض حضور بعثة من مجلس الأمن للتحقيق في المذبحة ، أرجأ مجلس الأمن جلساته يوم الحادي عشر من أكتوبر عام تسعين دون التوصل لإصدار قرار يدين استخدام إسرائيل للعنف في قمع المدنيين الفلسطينين في الحرم القدسي الشريف يوم الأثنين الماضي لخوف الولايات المتحدة من إحتمالات تقويض الإئتلاف العسكري الذي توصلت اليه مع العرب لمواجهة الغزو العراقي للكويت و في الوقت نفسه أنها لا تريد اتخاذ قرار ضد إسرائيل و لا تقبل أن تتولى الأمم المتحدة قدرا من المسؤولية في حماية الفلسطينيين في الأرض المحتلة ، كما أن المجتمع الدولي لم يقدم أي دعم فعال للفلسطينين ، طالب المندوب الفلسطيني المراقب كذلك أن تتحمل الأمم المتحدة قدرا من المسؤولية في حماية الفلسطينيين في الأرض المحتلة لكن مندوب الولايات المتحدة أعلن أن بلاده لا تستطيع تأييد قرار من هذا النوع ، و عدم صدور إدانة لما حدث يدل على أن معايير مزدوجة تتبع في الشرق الأوسط طبقا للظروف السائدة نظرا لأدانة مجلس الأمن غزو العراق للكويت و قراراته الخاصة في هذا الشأن و موقفه الواضح حول فرض الحصار حول العراق ” كتب هذه الكلمات ليلة الثاني عشر من أكتوبر لعام تسعين قبل إغتياله بساعات ليثبت بموته نظرية المؤامرة التي عاش مقتنعا بها طوال حياته ، و بعد ثلاثة و عشرين عاما من وفاته لاتزال المؤامرة مستمرة و يتوالى السقوط !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *