أخبار عاجلة

د. يسيد نافع يكتب… ” القضاء والقدر ( 3 )..”

القضاء :- 1-القضاء يأتي بمعني الإتمام والإكمال ( فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ) البقرة200، ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ والملائكة وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ) البقرة210 ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) هود44 وقضي الأمر أي تم واكتمل وانتهي
2-والقضاء يأتي بمعني رد الدَين : فقضاء الدَين أي رده وهذا في المعاملات المادية وكذلك في العبادات فالقضاء يأتي للصلاة والصيام فمن فاته فرض من الصلاة فعليه القضاء ومن أفطر لعذر فعليه القضاء فدَين الله أحق بالقضاء
3-ويأتي القضاء بمعني الأمر : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) الإسراء23
4-القضاء يأتي بمعني الحكم وهو الذي يهمنا في هذا البحث : فمن دعاء رسول الله صل الله عليه وسلم ( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء همي وغمي وحزني يا أرحم الراحمين ) وليلة القدر هي ليلة القضاء والحكم وهو تقدير ( حولي ) ، عن مجاهد : ليلة القدر ليلة الحكم . قال تعالى :- إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ(5) الدخان ،
يأتي لفظ القضاء بعدة معاني والذي يهمنا في هذا البحث هو القضاء بمعني الحكم ، فالله يحكم بين عباده في الدنيا قضاء دنيوي وهذا هو القضاء الكوني ، يقول صلي الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) ، وقضاء أخروي -وفي قصة أصحاب الجنة الذين أجمعوا رأيهم علي أن يحصدوها في الصباح الباكر حتي لا يراهم أحد من المساكين الذين قد اعتادوا أخذ نصيبهم منها في حياة الأب ، ماذا كان حكم الله فيهم ؟
( فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ) ماذا كانت النتيجة ( فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) أي كالليل الشديد الظلمة أي سوداء من الحريق الذي أصابها ( كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) و يقول تعالي : ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )) الشورى30 ، فالله سبحانه وتعالي قيوم السماوات والأرض أي قائم علي شئون خلقه ومسير لأمورهم يحاسب ويعاقب ويكافئ في الدنيا قبل الآخرة ( لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ ) الرعد ، فالإعراض عن ذكر الله أي عبادته جرم يستحق العقوبة والعقوبة هنا دنيوية وأخروية ، وهذا القضاء يأتي وفق ما قدره الله في سابق علمه .

* قسم العلماء القضاء إلي قسمين : قضاء نافذ وقضاء معلق . وعملية القضاء هي عملية ديناميكية متغيرة ومتحركة فالقضاء في العبد إما ينفذ وإما يعلق لحين وإما يخفف ، وفقاً لمشيئة الرب ودعاء العبد وبره .
القضاء النافذ : قال تعالي ( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ) هود37 ، هذا قضاء وحكم نافذ ، من الذي ينفذ حكم الله في عباده ؟ لله جنود لا يعلمها إلا هو ، وكلها قائمة علي تنفيذ الحكم والقضاء في العبد ، وجنود الله من إنس وجن وملائكة ، ميكروبات وأمراض ، ماء ونار ، هم وغم ، كل ذلك وغيرة من جند الله قائمون علي تنفيذ حكم الله في عباده ( فالدنيا هي قدر جاري ) وأفعال العباد مع بعضهم البعض سلباً أو إيجابا هو صورة من قضاء الله وقدره في العباد لكن للمحسن ثواب إحسانه وعلي المسيء عقوبة إساءته ً.

القضاء المعلق : المؤجل تنفيذ الحكم فيه وفقاً لمشيئة الله وهو غيب في علم الله ، وتبادر إلي أفهام البعض أن الحكم المعلق معلق علي فعل العبد الأمر ( المعصية ) أو تركه ، والحقيقة أنه معلق رحمة من الله وتبعاً لمشيئته امهلاً للإنسان ، أي أن هذا النوع من القضاء والحكم يتغير وفقاً لمشيئة الله ووفقاً لما يوجب رفعه أو تخفيفه ، وهذه رحمة منه تبارك وتعالي بعباده فيأتي الدعاء والاستغفار وصلة الرحم والصدقة ليمحو الله بها الخطايا ويرفع بها البلاء ، وأعمال البشر معروفة لله سلفاً لذلك قال تعالي : ( هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) الجاثية 29 ، ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد22 ، إلا أن الله سبحانه لا يحاسبنا بعلمه فينا ولكن جاء بنا إلي الدنيا لتقوم علينا الحجة ، وكذلك جعل قضاءه معلقاً بأعمال البر لذلك إذا وجد الإنسان ما يسوءه فلا يلوم إلا نفسه ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) آل عمران165 ( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً )النساء79
– إذا علق الحكم ولم يرد الله نفاذه كان قضاءً وحكماً معلقاً إلي وقت آخر إمهالاً للعبد وحلماً من الله وصبراً علي عبده ، لكن يجب ألا يغتر ويفتن العبد لحلم الله به فإنه يمهل ولا يهمل ، ويملي للظالم حتى أخذه لم يلفته أي يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، و يأتي التنفيذ علي كل الأحكام الصادرة في حقه مجتمعة والتي أجلها الله ولم يرد نفاذها في حينها . وأحكام الله وقضائه تختلف عن قضاء البشر فحكم الله عادل ونافذ ، ووضح الله تبارك وتعالي الجرائم والجنايات التي تكون في حق الله تبارك وتعالي وهي المعاصي والآثام وفي حق العباد كذلك ، ووضح الجزاء والعقوبة التي تكون في الدنيا وهي تشمل الرزق بسطاً وحرماناً والعمر نقصاً وزيادة وتقلب الأحوال من صحة ومرض ، فقراً وغناً ، ألماً وسعادة ، شقاء وهناء ، هداية وإضلال وهي أحكام دنيوية وأنها قد تكون نافذةً وقد تؤجل إلي حين وقد يعفو ويصفح ، كل ذلك راجع إليه سبحانه وتعالي إن شاء عذب وإن شاء عفي ، إن شاء ستر وإن شاء فضح .
فالقضاء الإلهي يجري بما خطه قلم القدر . ً
فالدعاء يرد القضاء والدعاء المستجاب له شروط يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما رواة عنه سلمان ( لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ، وفي رواية ثوبان عن رسول الله ( لا يزيد في العمر إلا البر ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) (في الزوائد إسناده حسن)

و القدر هنا هو القضاء والحكم كما في الحديث الأول لكي نعرف فضيلة الدعاء وثمرة الاتصال الدائم بالله تبارك ونعالي ، ومعلوم أنه لكي يستجاب الدعاء يجب أن يكون الإنسان طيب المطعم مأكله حلال ومشربه حلال وملبسه حلال ودعاؤه من قلبه
– وحكم الله في الإنسان بما قدمت يداه من كل الوجوه من صحة وسقم وغني وفقر ولذة وألم وموت وحياة وعقوبة وتجاوز وغير ذلك من أحكام تقتضيها إرادته ومشيئته في الدنيا قبل الآخرة ، فالدنيا ليست دار ابتلاء وامتحان فقط وإنما ثواب وعقاب أيضاً .
*ربط الله بين القدر السابق وإرادة الإنسان ، فمن أراد رد القضاء فعليه بالدعاء والتضرع إلي الله لتخفيف أو رد ما حكم الله فيه. وربط الله بين القضاء والقدر وعمر الإنسان ورزقه وبره لوالديه وصلته لرحمه فهما الطريق لطول العمر وزيادة الرزق . ومن فهم القضاء والقدر حق الفهم فهم أن الإنسان وكأنه يخط قدره بيده. والقضاء في الفرد كالقضاء في الأمم ، فما شاعت في قوم فاحشة قط حتى أعلنوا بها إلا سلط الله عليهم الامراض والاوبئة التي لم تكن في اسلافهم الذين سبقوا وهذا قضاء عادل من الله فيهم –ويحكم بين عباده في الآخرة قضاء أخروي ، وأحكام وقضاء الله في الآخرة لا يحتاج الإنسان معها إلي محامي يدافع عنه ، فالإنسان يدافع عن نفسه والشهادة تقوم عليه من نفسه كذلك ، هذا بالنسبة للحكم في الآخرة . وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ يونس 47 َلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ يونس54 –فجاء ارتباط القضاء بالقدر لأن القضاء يجري بما خطه قلم القدر ، فلله في عباده قضاء في الدنيا يعاقب ألعصاه علي معاصيهم ويكافئ المحسنين ، فمن عدل الله في قضاءه هو الثواب والعقاب وليس العقاب فقط وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ المؤمنون76 وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى طه124 وهناك من استدل بهذه الآية علي عذاب القبر وهي المعيشة الضنك ، إلا أن ذلك في الدنيا وكذلك حياة البرزخ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *