أخبار عاجلة
الإعلامية كريمة عوض

كريمة عوض تكتب… لم يعد نائماً.

لم أرفع عيني عنه لحظة وهو يتحدث إليّ وما أن إنتهى بادرته بالسؤال : وأنت ماذا ستفعل الآن ؟ وانتظرته ليقول لي كالعادة : وماذا يستطيع مثلي أن يفعل ، ربما سأرحل مرة أخرى. لم أكن أشك لحظة في أنه سيقولها .كيف لا ! وقد كان عهدي به دائما أنه شخص مسالم يخشى أن يكون طرفاً في صراع .يتصور دائما أنه في ذيل القائمة ولن تكون هناك معجزات لتزحزحه قليلاً نحو المقدمة.
يعتبر دائما أن ما حدث لم يحدث مادام يستطيع تجنبه. كم كنت أحزن من أجله ، حتى مع كل ما كنت أقوله حينها لأذكره كم سيستطيع إن أراد وأن كل ما عليه هو أن يؤمن بنفسه وبحقه ليحصل عليه ولم أكن لألومه حين لا يستجيب فأنا أعرف جيدا ما يدور بداخله فلم تمنحه الحياة يوما رصيداً من الأشخاص أو من الأشياء قد يعطيه الشعور بالأمان ، فقد جاء من قرية صغيرة في الجنوب ليعيش مع عمه بعد أن مات أبوه وتزوجت أمه ، إستطاع أن يكمل تعليمه بشق الأنفس بجوار عمله في ورش الحدادة التي أحرقت قلبه قبل يديه. ولكنه تخرج ليصبح مدرسا للجغرافيا يقتات على بعض النقود القليلة التي تأتيه نظير مساعدته لأبناء الجيران في استذكار دروسهم ، لم ينجح قط في الحصول على وظيفة يستند عليها ، حتى عندما أراد أن ينفصل عن عمه ليصنع حياته الخاصة لم يستطع فقد كان يأويه منذ سنوات ويقتسم معه ما يتحصل عليه كلاهما من الحدادة لتمضي الأيام متشابهة لم يجرؤ على اتخاذ القرار حين هزم العمر والعجز عمه وأصبح يعتمد عليه إلى أن رحل في سلام.
واليوم بعد أن جاءته الفرصة للإلتحاق بعمل يحبه وبعد أن اجتاز كل الاختبارات بنجاح فضلوا عليه فتاه تصغره ببضعة أعوام بحجة أن الأولوية للأصغر عمراً.جاءني ليحكي لي كالعادة فقد كنت ومازلت الشخص الوحيد الذي يأتيه كلما ضاقت عليه الدنيا و أغلقت أبوابها عنه.
أشهد كم هو طيب القلب و أشهد أنه ممن يؤثرون السلامة حتى وإن تنازل عن حقه وغض طرفه عنه كأن لم يكن .لم استطع أن أوقف عقلي عن التفكير في كل هذا وأنا أنتظر جوابه . ماذا سيفعل الآن؟ لم يخرجني من هناك إلا صوته الذي لم أستطع تمييزه لبرهه لم يكن منكسراً هذة المرة جاء واضحا أكاد أمسك كل حرف فيه من صلابته حين قال ( لم يعد لدي ما أخسره) سأدافع عن حقي هذه المرة ، وربما أبدأ من جديد فأنا لم آتي إلى هذه الدنيا لأموت . أنا على قيد الحياة فإما حياة وإما حياة لن أقبل اختيار آخر هذه المرة. أنت صوت الحق الذي لم أكن أريد أن أسمعه. ولم يوقفك عجزي يوما عن قوله لي . ومن حقك أن تكوني أول من يعلم.
لم ينتظر مني رداً وتركني مشدوهة أتابع خطواته نحو الخارج وفي ذهني جملة واحدة أخذت تكرر نفسها وتتمدد معها ابتسامتي أكثر فأكثر ( هذا القوي بداخلة لم يعد نائماً .. لم يعد نائماً).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *