أخبار عاجلة
مجمد يوسف العزيزي

محمد يوسف العزيزي يكتب… معاول هدم الذوق العام لن تتوقف!

قديما قال شاعر إغريقي.. (هزمناهم.. ليس حين غزوناهم، ولكن حين أنسيناهم تاريخهم)، والمعنى ببساطة أن الهزيمة الحقيقية لأي أمة هي أن تسقط في دائرة التغييب والتغريب، وتنسي تاريخها بكل ما فيه من زهو وانتصار وافتخار فتضيع شخصيتها وتنطمس هويتها، وبمرور الوقت تعتاد العين علي رؤية القبح، وتتعود الأذن علي سماع التافه والساقط والردىء، وتصبح كل الأشياء فاقدة للذوق والجمال والقيمة، ويوما بعد يوم نقول: ليس في الإمكان أبدع مما نحن فيه!

سقوط الأمم لس بسقوط جيوشها.. فما يحدث مع الجيوش مجرد هزيمة في معركة.. تستطيع بعدها الجيوش أن تعيد بناء نفسها وتسترد قوتها وتحارب معاركها حتي النصر.. أما عندما تنسى الأمم تاريخها وتتنازل عن قيمها وتقاليدها الراسخة، وتغيب عنها قيم الجمال وصوره، ورقي الفنون وما تغذي به العقل والروح .. هنا تكون الهزيمة قد وقعت!

يبدو أن مجتمعنا في معركة شرسة من هذا النوع، ويبدو أن كل مسارات هذه المعركة تستميت للوصول إلى تغييب عقول هذا الجيل حتى لا يري غير كل قبيح ولا يسمع غير كل إسفاف.

المعركة الدائرة حول منع مجموعة من الهاموش .. أدعياء الفن ، وحملة مشاعل إفساد الذوق العام مع سبق الإصرار والترصد ، وتطوع مجموعة من الهاموش أيضا للدفاع عنهم – تحت ذريعة حرية التعبير والرأي – تدعو للعجب، والعجب ليس في مجرد أنهم وجدوا من يدافع عن الإسفاف وانحطاط الذوق.. لكن العجب أن من يدافعون عن مثل هذا الغثاء حملة أقلام وقادة رأي ونجوم شاشات، ونقاد، ورجال مال وأعمال.. وجدوا جميعا ضالتهم في تحقيق هدف إفساد الذوق العام وتغييب العقول حتي تنصرف عن قضايا الوطن الحقيقية، وعن السعي لخلق مجتمع قادر على التحدي والتصدي لقضايا ومشكلات العصر..

هذه المعركة سبقتها معركة أخرى ما زالت دائرة هي انتشار صور البلطجة في أعمال الدراما وأعمال السينما التي أنتجت جيلا لا يعرف غير لغة السنجة والسكين وهتك عرض المجتمع في وضح النهار، وصارت قيم المروءة والشهامة قرينة السيف والبلطة والخنجر، وجريمة قطع الرقبة في الشارع جهارا نهارا ليست ببعيدة !

المشهد يقول أن خطة ممنهجة ومدروسة متعددة الأطراف يتم الإنفاق عليها ببذخ هدفها هزيمة هذا الوطن في شبابه وأجياله القادمة – بعد أن فشلت كل الخطط السابقة – هدفها أن ينصرف أغلي ما يملك هذا الوطن إلى حيث يوجد الفراغ والضياع، وهدفها أن يغيب الرمز وتغيب القيمة في الفن والكلمة.. فتخرج أجيال بلا ماض، وبلا رمز، وبلا قدوة!

كما انتصرت مصر في معارك كثيرة، واستطاعت أن تتجاوز عقبات ومؤامرات كبيرة، وما زالت تواجه معارك الوجود والحياة.. إلا أن كل هذه المعارك – في تقديري – أقل من معركة تغييب الوعي وإفساد الذوق العام.. فعندما يفسد الذوق العام وتتدني القيم لن يري المرء أي إنجاز أو أي أمل!

المجتمع في خطر.. لذلك عودة الوعي وترقية الذوق العام ومواجهة هذا الإفساد المتعمد معركة كل فرد، وكل أسرة.. معركة المجتمع كله لأن بناء الفرد أصعب كثيرا كثيرا من أي بناء.. الإنسان هو بناء الله.. لعن الله من هدمه.

لا يمكن أن يسمح المجتمع لفئة مهما كان من يقف خلفها يسندها ويدعمها ويفسح لها المجال أن تدمر أذواق شبابنا وتقضي على شخصيته وهويته، وأن تدمر قوة مصر الناعمة لحساب من يدفع لها لتحقيق هذا الغزو الشيطاني.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *