حوار …. مع الدكتور عبدالباقى السيد عبدالهادى
مدرس التاريخ والحضارة الإسلامية
رئيس تحرير مجلة فقه الوحى الإلكترونية
عضو المكتب السياسى لاتحاد الثورة المصرية
رئيس القسم السياسى بجريدة أحوال مصر
أجرى الحوار ….. محمود المصرى
فى ظل الأحداث الجارية التى تشهدها مصر والتى تستوجب منا التحليل والتفسير كان لزاما علينا أن نجرى حوارا مع أحد أساتذة التاريخ كى يوضح للشباب حقيقة الأحداث التى نعيشها فى هذه الآونة ومقارنتها بما يماثلها خلال الفترات السابقة التى عاشتها مصر فى ظل ثورات ماضية .
* دكتور عبدالباقى نود التعرف على الثورات المصرية فى العصر الحديث وأوجه الشبه بينها وبين ثورة 25 يناير 2011م ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
أود أولا أن أحيي جريدة أحوال مصر على لفتتها العظيمة ووعيها باستخدام التاريخ في تثقيف الشباب وذلك بتقديم رصد تاريخي للأحداث التي مرت بها مصر من قبل والتي تشبه الأحداث الحالية وكذلك ما مرت به مصر من ثورات.
وثانيا : فليست هذه هى المرة الأولى التى أتحدث فيها عن ثورة يناير 2011م مقارنة بما سبقها من ثورات مصرية عظيمة ، فقد سبق وأجرى معى الصديق نشأت النادى -الكاتب بجريدتى اليوم السابع والشروق – حوارا حول هذا الموضوع بتكليف من إحدى الجرائد ولكن لم يقدر له النشر وقتها ، كما أننى حاضرت كثيرا فى اجتماعات المكتب التنفيذى لاتحاد الثورة المصرية ، وكذا فى مقرات بعض الأحزاب والكيانات عن هذا الموضوع بل كان هذا الموضوع من أوائل اللقاءات السياسية لى عبر التلفزيون المصرى.
أما عن سؤالك يا أستاذ محمود فدعنا نقرر حكما قاطعا لطالما لم يقف عليه الكثير من النخب المثقفة التى تحدثت قبل ثورة 25 يناير بأن الشعب المصري شعب خانع ولا يعرف للثورات طريق وهذا خطأ فاضح فلقد تتبعت التاريخ من أيام الفراعنة حتى يوم الناس هذا فوجدت الشعب مدافعا عن حقوقه ضد من يقترب منها وإن أمهل الظالم بعض الوقت أو صبر بعض الوقت فإنه ينتفض كالآسد في عرينه ليطالب بحقوقه أيا كانت هي اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو دينية كل ذلك امتلأت به مصنفات ومجلدات أرخت لتاريخ الثورات ولتاريخ مصر بعامة.
ولا غرو في ذلك فأهل مصر في رباط إلى يوم القيامة كما ورد فى الأثر وجندها خير أجناد الأرض وهي كنانة الله في أرضه وقلب الأمة العربية والإسلامية النابض.
ولتأكيد الحكم الذي ذكرناه سابقا نجد أنه خلال أقل من عشر سنوات وفي الفترة من عام 1795م وحتى 1800م قامت خمس ثورات ضد الظلم والطغيان وكلها شارك فيها الشباب وكانوا مقدمة الثورة وكان رجال الأزهر والمشايخ العقل المدبر لها وهم من استنفروا همم الشباب وجعلوهم يقومون بالهتافات وبرفع اللافتات وبالخطابة في المساجد والميداين ضد من رأوا فيه الفساد والإفساد للحياة المصرية.
ومن هذه الثورات الثورة التي قادها العلامة عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر وقتها ضد حكم المماليك في العام 1795م وسببها شكوى من بعض الفلاحين في قرية من قرى مركز بلبيس محافظة الشرقية وخرج الفلاحون والعوام إلى القاهرة يطالبون بخفض الضرائب التي فرضها مماليك محمد بك الألفي وكان الفلاحون لا قدرة لهم على سدادها.
وقتها اتصل الشيخ الشرقاوي بابراهيم بك ومراد بك زعيما المماليك وطلب منهما وقف المظالم إلا أنهما لم يبديا للأمر اهتماما هنا ثارت ثائرة الشيخ وحضر إلى الأزهر في اليوم التالي وعقد اجتماعا لهيئة العلماء وعرض الأمر عليهم فقرروا الإضراب العام وإغلاق الأزهر إيذانا ببدء الثورة.
هنا خرج المجاورن يطالبون الناس بإغلاق الأسواق والحوانيت وتجمع الناس في ساحة الأزهر وتقدمهم الشيخ الشرقاوي يتبعه العلماء وتوجهوا إلى منزل الشيخ محمد أبو الأنوار السادات والذي كان مجاورا لمنزل ابراهيم بك، عندئذ ارتعدت فرائس ابراهيم بك من هذه الجموع الثائرة فأرسل رسولا من طرفه إلى العلماء وسألهم عن سبب تجمعهم فأجابه الثوار (نريد العدل ورفع الظلم واقامة الشرع وإبطال الحوادث والمكوسات التي ابتدعتموها واحدثتموها) فرد رسول الأمير بأن ذلك لا يمكن الاجابة إليه لأننا لو فعلنا ذلك ضاقت علينا المعايشس والنفقات.
هنا رد الثوار هذا ليس بعذر عند الله ولا عند الناس وما الباعث على الإكثار من الفقات وشراء المماليك والأمير يكون أميرا بالعطاء وليس الأخذ . فوعدهم رسول الأمير بعرض مطالبهم على ابراهيم بك .
وهل تم تنفيذ المطالب أم وقع التسويف ؟
وقع التسويف كما كان الحال أثناء ثورة يناير ومن ثم تحولت المسألة من مجرد المطالبة بوقف الظلم على أهالي قرية من قرى الشرقية إلى حركة شعبية تنادي بضرورة وضع حد للمظالم التي يتعرض لها الشعب ومطالبة الحكومة بالحد من المصروفات والاسراف في استيراد المماليك وتأمين الأفراد على ممتلكاتهم وأرواحهم.
ما هو موقف القيادة الحاكمة من رفع سقف المطالب ؟
لما لم يرد رسول الأمير صمم الثوار على المضي في حركتهم لليوم الثالث على التوالي وحينئذ بدت بوادر النصر فأرسل ابراهيم بك يعضدهم ويقول لهم أنا معكم وهذه الأمور على غير خاطري ومرادي وأرسل مراد بك إلى المشاريخ وطلب من طائفة منهم بعد أن لاطفهم أن يسعوا في أمر الصلح وهكذا الحال كما وقع في ثورة 25 يناير عندما اختيرت لجنة الحكماء وطلبوا منها النزول إلى الميدان والسعي للصلح.
وبعد ذلك نزل الباشا من القلعة واجتمع بالأمراء وأرسل إلى العلماء ودارت مناقشات حامية الوطيس بين الطرفين شبيه بما وقع من لقاء نائب الرئيس السابق السيد عمر سليمان رحمه الله مع القوى والأحزاب والفصائل.
هل أسفر اجتماع الباشا والأمراء مع العلماء عن نتيجة ؟
نعم صدرت وثيقة تضمنت شروط العلماء واعلان توبة الأمراء عن الظلم والتزامهم العدل “سطرت في سجلات الديوان العالي ضمن محفوظات المحكمة الشرعية سابقا والخاصة بالمحاكم المصرية في العصر العثماني- سجل رقم 2 مادة رقم 473- صحيفة 300”. وتم مراعاة العلماء بألقابهم وتقدموا على أسماء الأمراء في الوثيقة وهذا لم يكن يحدث من قبل ولعل ذلك يذكرنا بحال فصيل الإخوان المسلمين الذين كانوا قبل الثورة نسيا منسيا فصاروا الآن في مركز الصدارة ووسد منصب رئيس الدولة لأحد قياداتهم وهو الدكتور محمد مرسي.
ما هى أبرز بنود هذه الوثيقة ؟
من أبرز ما جاء فيها منع الفردة الجديدة ودعم ميزانية الجامع الأزهر ودعم ميزانية الحج واجراء الجرايات على الفقراء والمساكين وازالة بعض طوائف العسكر لإيذائهم المسلمين ورفع الضرائب عن المواد الغذائية (الدعم) وعدم تصدير السلع الضرورية من مصر إلى الخارج لحاجة الشعب إليها.
والمتدبر في هذه الوثيقة يجد التالي:-
أولا: اجبار الأمراء على التفاوض مع العلماء.
ثانيا: نزول الأمراء على رغبة العلماء والغاء الضرائب الجائرة.
ثالثا: عزل الجائرين من المناطق التي تضررت لوجودهم بها.
رابعا: تطرق العلماء إلى تقرير ميزانية الدعم
خامسا: تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر بمنع تصدير السلع التي يحتاجها الأهالي وهذا الأصل نجده في ثورة يناير عندما طالب الثوار بمنع تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني.
ورغم كل ذلك ورغم ما تحدث عنه المنظرون والكتاب والمؤرخون بأن هذه الوثيقة هي الوثيقة السياسية الكبرى أو وثيقة حقوق الأنسان فإن الأمور عادت إلى ما كانت عليه قبل الثورة وزيادة على حد قول الجبرتي شاهد العصر.
لذا علينا أن نأخذ العبرة والعظة من الأحداث الماضية ونتدبرها جيدا حتى لا يصير مآلنا إلى ما آلت إليه الأمور قديما.
دكتور عبدالباقى هذه كانت تطوافة عن ثورة من بضعة ثورات وقعت فى أقل من عشر سنوات كما أخبرتمونا من قبل فما هى الثورة التالية ؟
الثورة التالية كانت ثورة القاهرة الأولى عام 1798م وكانت ضد الحكم الفرنسى الغاصب الغشوم بقيادة نابليون بونابرت والذى حول أن يجمل صورته وصورة بلده حتى دعاه ذلك إلى ادعاء الإسلام فى بعض مكتوباته ورسائله بل ورفع شعارات الإسلام فى بعض الأوقات … كل ذلك تقربا للشعب المصرى لتحقيق مآربه وخططه الاستعمارية وفتكه بمصر قلب العالم العربى والإسلامى النابض .
هل انخدع الشعب المصرى بشعارات نابليون بونابرت ؟
لم تنخدع الجماهير بتظاهر نابليون بالتقوي و تقربه للمسلمين بمنشوراته الهزلية، و لم ير شعب مصر في حملة الفرنسيس إلا جيش محتل لا يختلف عن الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع التي ضربت شواطئ دمياط منذ أكثر من خمسة قرون فى أواخر الحكم الأيوبى ، وقد كانوا علي حق في ذلك، فقد كتب بونابرت في مذاكراته في منفاه في سانت هيلانة أن هذه المنشورات كانت”قطعة من الدخل”
و إذا كان نونابرت قد أراد بهذه المنشورات أن يتخفي في ثياب جيش التحرير القادم ليحرر مصر من فساد المماليك، فإن التاريخ القديم للحملات الصليبية علي الشرق كان حاضراً في ذهنه يأخذ منه العبر و يتجنب أخطاءه، فهو القائل : ” إن لويس التاسع (قائد الحملة الصليبية السابعة علي مصر) أنفق ثمانية أشهر في الصلاة، و كان أجدي أن ينفقها في الزحف و القتال و احتلال البلاد”.
ما هى الأسباب التى دفعت الشعب المصرى يثور ضد الفرنسيين ؟
عندما سمع المصريون بهزيمة الفرنسيين أمام أسوار عكا و قدوم أسطول العثمانيين إلي أبي قير، استجمعوا قوتهم و ثاروا علي المحتل يوم 22 أكتوبر 1798، أي بعد حوالي 4 أشهر من قدوم الاحتلال، و يمكن تلخيص أسباب خروجهم في الآتي:
1. قتل الفرنسيس للسيد محمد كريم حاكم الاسكندرية لاتهامه بالعمل ضد الوجود الفرنسي في مصر
2. فرض الفرنسيين ضرائب علي الشعب و تدقيقهم في إحصاء الممتلكات الشخصية
3. هدم نابليون لابواب الحارات لتسهيل مطاردة رجال المقاومة وهدم المبانى والمساجد بحجة تحصين المدينة.
4. انهزام الفرنسيين أمام الاسطول الإنجليزي و سماع المصريين بأن الباب العالي أرسل جيشاً لفتح مصر
5. فرض الفرنسيين للضرائب الباهظة خاصة على التجار على عكس وعود نابليون عند قدومه لمصر.
6. تفتيش البيوت والدكاكين بحثا عن الأموال، وهدم أبواب الحارات.
7. شرب الخمر وانتشار الخمارات ، والرقص فى الشوارع .
8. تحريض العلماء والشيوخ للمصريين بضرورة مواجهة الاحتلال الغاصب .
9. تحريض ابراهيم بك الهارب للشام, وتحريض الجزار والي عكا.. والرسائل التي كان يرسلها السلطان العثماني مع الرسل وكانت تتلي علي الناس في الجوامع والشوارع.. وكان يتوعد فيها الفرنسيين بهزيمة منكرة.. ويزف للأهالي بشري يقول فيها: ” وستغطي مراكب عالية كالجبال سطح البحار وستصل مدافع تبرق وترعد وأبطال يزدرون بالموت في سبيل الله ليطاردوا الفرنسيين! “
وإلى اللقاء فى الحلقة التالية