أخبار عاجلة

هبه عبد العزيز تكتب… والت وايتمان.. شاعر الإنسانية (١)

بعد إنتهاء يوم مرهق طويل, وفى الركن الهادئ بمنزلى جلست على أريكتى التى إعتادت السهر معى حتى أوقات متأخرة من الليل، وكنت قد أطفأت جميع أنوار الغرفة, وأشعلت إضاءة قريبة منى تمكننى من القراءة بشكل جيد, ووسط رائحة العود- المنبعثة من الفواحة التى كانت بالجوار , وعلى أصوات السيمفونية السابعة لـ«بتهوفن».. بدأت أقرا بعض أبيات الشعر لشاعر الحرية فى أمريكا – كما أطلق عليه –  «والت وايتمان» 1819- 1892م, وأعتقد أن إختيارى فى تلك اللحظة تحديدا لأشعار  “وايتمان” كان متلائم بدرجة كبيرة مع «مزاجي» السائد .
فالشعر مأخوذ من كلمة شعور , وغالبا ما يعبر هذا الشعور عن إحساس قائله, كما يحاول أيضًا الإيحاء أو زرع أحاسيس ومشاعر معينة فى القارئ أو المتلقى, ولعل أشعار «ويتمان» تبدو لى كتجسيد لفظى للمعنى الإنسانى للحرية, ويتصادف أن هذا المعنى العميق وتلك الفكرة الكبيرة تتجول بوجدانى طوال الوقت, وكم أتخيل بأننى أطير فى سمائها الواسعة ليل نهار.
وأشعار «والت ويتمان» فى مجملها عبارة عن قصائد بسيطة سهلة, يستطيع أى انسان أن يفهمها ويشعر بها بسلاسة, كما يستطيع الناس جميعا أن يرددوها وهم يسيرون فى الطرقات، أو وهم يعملون, أو يركبون سياراتهم الخاصة وحتى فى المواصلات العامة.
فهى أشعار تحتوى معانيها على فضائل رائعة كثيرة، ربما يكون أقربها إلى قلبى فضيلة «التسامح», تلك الفضيلة التى أصبحت بكل آسف فى تآكل يوما تلو الآخر فى عالمنا المعاصر.
وربما أكثر ما جذبنى ويجذبنى دائمًا فى أشعار هذا الشاعر العجيب, الذى يبدو كبحر من الإنسانية والصفاء والتدفق الروحى, موقفه من «المخطئين», فلم يكن «والت ويتمان» يرفض المخطئين من البشر, الذين غالبا ما يقف منهم المجتمع موقف الإنكار والرفض, بل كان ينظر إليهم على أنهم ضحايا لظروفهم وقسوة مجتمعهم والناس عليهم, فكم كان عميقا فى نظرته لخبايا النفس البشرية, والتى غالبا ما تكون النظرة الظاهرية لها أو ملامحها الخارجية مصدرًا لاساءة فهمها وتقديرها.
وقد كان شاعرنا الأنيق المشاعر, كثيرًا ما يصاحب أكثر الناس بؤسا فى نيويورك, ويعيش فى وسطهم، وكان من المعروف أن «ويتمان» صاحب البشرة البيضاء لديه العديد من الأصدقاء أصحاب البشرة السوادء – أو ما كان يطلق عليهم لفظ زنوج – فقد كان يحبهم ويحبونه, ولعله من البيض القلائل الذين رفضوا فكرة «التفرقة العنصرية» تلك الفكرة التى كانت لها أحزاب سياسية وجيوش مسلحة تحاول فرضها على بعض المجتمعات فى هدا العصر بكل ما أوتيت من أسباب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *