أخبار عاجلة

د.مجدي العفيفي يكتب… عندما قابلت الرئيس الأمريكي كلينتون!!

دعوت السادة القراء في نهاية مقالي السابق للمشاركة بممارسة ثقافة الأسئلة: أرأيتم.. هل ينخفض حاجب الدهشة لدى من يحار في تحديد ملامح الوجه الأمريكي؟
في الضوء الأسود الذي يكسو نشيد السلام الوطني الأمريكي الموشح بالدماء والقنابل والصواريخ.. قد يجلس على كرسي البيت الأبيض رئيس يجسد معاني هذا النشيد تجسيدا حرفيا مثل (ترامب) وقبله كثيرون.. لكن منهم من تتساوى في وجهه أسباب البراءة مع أسباب الإدانة.. وهذا ما رأيته في وجه الرئيس الأسبق (بيل كلينتون) عندما التقيته في سلطنة عمان عام 1999، وقد قرأت آنذاك في وجهه الكثير والمثير.. والمستور والمفضوح… والمعقول واللامعقول.
لحظة أن كنت أصافح الرئيس الأمريكي «كلينتون» في المطار السلطاني الخاص، أثناء استقبال السلطان قابوس بن سعيد له، في زيارته لمسقط (1999).. امتدت اللحظة..لا أدري كم من الوقت.. لكنها تمددت بداخلي أكثر من مائتي عام.. !
هذا هو الرجل الذي يحكم أقوى دولة في العالم الآن؟! ـ إذا افترضنا جدلا أنها القوة الوحيدة ـ هذا الوجه يكثف ملامح الوجود الأمريكي التي تبدو لي، وكأنها ملامح صعبة التحديد، ويلخص رحيق أو حريق الشخصية الامريكية، التي يسفر التحديق فيها، عن حيرة ليس كمثلها حيرة.. ذلكم أن أسباب الإدانة تساوي أسباب البراءة !. ( هذا على وجه العموم، باستثناء هذه الفترة التي تشهد عبثية الرئيس الهائج سياسيا.. ترامب).
وجه بريء.. يساهم بقوة في إعمار الأرض بالتكنولوجيا.. ووجه آخر غير بريء يسهم في استعمار الناس على هذه الأرض بالأيديولوجيا.. وما بين التكنولوجيا والأيديولوجيا يحدث الاختراق حتى الاحتراق.. وتمتزج عواصف الكراهية بعواطف الحب.. وتصطدم الـ «نعم» بالـ «لا».. ويتداخل الرفـض في القبول، ويحتدم الصراع والصراخ والصداع، ويحتد الجدل والجدال.. وتبقى أمريكا من وراء البحار تشد الخيوط على مسرح العرائس العالمي.. وترى الدول والشعوب سكارى، وما هم بسكارى ولكن إغراء أمريكا شديد.. عذاب أكثر منه عذوبة.
أهي الثنائية الكونية وقانون الزوجية؟ إذن لا أحادية في العالم، ولا انفرادية في الأرض.. لكن كيف تتجاور (ثقافة الهامبورجر) و(قبعة الكاوبوي) مع (زحف التكنولوجيا) القادم من وراء البحار في شرايين العالم..؟
في القرون الغابرة كانت القوة الآشورية مقابل القوة الفرعونية.. والقوة الساسانية تواجه القوة الرومانية.. والقوة البيزنطية تتحدى القوة الفارسية.. وفي العصر الحديث.. القوة التركية تقابلها القوة الجرمانية.. ثم فرنسا وإنجلترا والصراع الذي استمر بينهما مائة عام سعيا إلى زعامة العالم.. ثم الاتحاد السوفيتي في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.. وأخيرا… أمريكا لا شريك لها.. أو هكذا يزعمون في تلك اللحظة..
في هذا السياق تذكرت كلمة قالها لي ـ في مقتبل العمر أيام شقاوة الفكر ـ أحد رجال السياسة الذين جادلوا الأيام: أنتم في دول العالم الثالث لابد أن ترتموا إما في أحضان السوفييت.. وإما في أحضان الأمريكان، فأما مع الأولى فستموت جوعا في صحرائها وعالمها الطوباوي الوهمي والفردوس الشيوعي الموعود، وأما الأخرى فستنعم بجنانها ونعيمها ورغدها لكنها ستمتص دمك، ثم ستلفظك إن تمردت عليها، ولا خيار لديك.. المفارقة أنني منذ فترة قابلت هذا السياسي العتيق وسألته مستعيدا هذه الرؤية: هل مازلت عند أطروحتك؟ قال ياليت !.. كان هناك خياران.. وكان أحلاهما مرا، أما الآن فلا قوة إلا أمريكا…؟!.
و.. أطيل التحديق في وجه الرئيس كلينتون.. هدوء.. براءة.. مودة.. أناقة.. لكن الهيمنة انتزعتني، بعد أن نازعتني مشاعر السيطرة والقبضة الحديدية أو الحريرية ـ لا يهم ـ فإنها قبضة، أليس كذلك؟!
هل صحيح أن ثمة هيمنة أمريكية؟ أم نحن الذين اخترعناها، فأطلقناها في فضاء أوهامنا، ثم صدقناها، حتى أصبحت: تجري في عروق العالم مجرى الدم؟!
استرجع المشهد الإنساني الأخير للرئيس كلينتون مع (المساكين) في الهند، أواخر عقد التسعينيات، وقلبه يذرف الدموع، لحظة أن راح يواسيهم ويدعوهم إلى مزيد من الصبر، وإذا بصورة (المهاتما غاندي)، تطغى على صورة كلينتون، وتكون أكثر وضوحا وجلاء وغاندي يقول «إنني لا أريد أن ترتفع الجدران من كل جانب حول بيتي، ولا أن أحكم إغلاق نوافذي، إنني أريد أن تهب ثقافة كل أرض حول بيتي بأقصى قدر ممكن من الحرية، ولكنني أرفض أن تقتلعني ريح أي منها من جذوري).
ولا أزال أحدق في وجه الرئيس الأمريكي ذي الـ 200 عام.. عمر أمريكا في العالم.. هل هذه المدة الزمنية كفيلة بقيام حضارة (لا حظوا أن تعبير الحضارة الأمريكية غير وارد في قاموس العالم، ولا بأية لغة حتى لدى الأمريكان أنفسهم) ماذا نقول في مضمون كتاب صدر عام 1996 لمؤلفين أمريكيين أحدهما رجل أعمال واقتصاد، والآخر أستاذ بإحدى الجامعات الأمريكية، جاء في الكتاب أن أمريكا هي التي كانت مرشحة للانهيار قبل سنوات، وليس الاتحاد السوفييتي، لأن انهيار الأخير هو انهيار فكر وأيديولوجيا، أما الانهيار الأمريكي ـ المنتظر ـ فهو انهيار مجتمع وقوى.. انهيار معنى ومبنى.. وهذا أخطر؟!
وأحدق أكثر في وجه الرئيس الأمريكي كلينتون.. هل نحن الذين نضخم الذات الأمريكية؟ كثير منا ينظر إليها في (المرآة المحدبة) التي تقوم بتكبير كل ما يوجد أمامها، وتصوره طبقا لزاوية الانعكاس.. وكثير منا ينظر إليها من خلال (المرآة المقعرة) التي تقوم بتصغير الأشياء فتخل بتوازنها وتشوه حقيقتها، ومن ثم تغيب (المرآة العادية) التي تعكس كل ما يوجد أمامها في صدق وأمانة، بلا تزييف ولا مبالغة ولا مخادعة ولا تشويه ولا تشويش.. لكن يظل (المعطف الأمريكي) فاردا أشرعته بشكل أو بآخر، مهما تعددت المرايا، وزوايا الرؤى، ومواقع المشاهدين، والناظرين والمنظرين والمنظورين.
وأرنو إلى وجه الرئيس الأمريكي كلينتون.. كل هذه البراءة.. وراءها هذا الرجل الأوحد في العالم الذي يمتلك رقم الزر الذي يفجر به العالم؟! كل هذه البراءة حاولوا ـ هناك ـ أن يفضوا غشاءها.. ويرفعون (قميص مونيكا) وقد تمزق القميص وضاعت وحشية الكاوبوي، وبقي كلينتون وبقي عرشه.. وعشه.. وريشه.. وأشياؤه الصغرى.. وأشياؤه الكبرى.. وما دون ذلك..!.
وأناظر ما يبوح به وجه كلينتون بأوراق من المحفل الماسوني الأعظم: (إن الماسونية تلجأ في نشر دعواها إلى المحافل، مثل نوادي (الروتاري) و(الليونز) فتستقطب كبار الشخصيات التي تتصدر المجتمعات في السياسة والثقافة والإعلام والاقتصاد والمجتمع، وتغدق الأضواء على من تتلمس فيهم أن يكونوا أدوات فيما بعد.. ومن يسقط في براثن الماسونية يستحيل عليه الخروج أبدا.. إلا بفضيحة جنسية أو فضيحة سياسية أو القتل أو أي شكل من أشكال الإجرام.. وهذا يرتد الى منظورهم المبني على مقولة المخطط العالمي (بايك).
تطول القراءة وتحار.. ويتلون الوجه الأمريكي المراوغ.. فلا يمكًّنك منه إلا قليلا…
ومن رئيس إلى رئيس.. يا عالم احزن.. أو لا تحزن..
لا فرق…! لا فرق…!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *