أخبار عاجلة

د.عبدالرحمن الوليلي يكتب… سيناء أرض الله المختارة

(وربك يخلق ما يشاء ويختار) فلقد خلق الله الأيام واختار يوم عرفة فجعله خير يوم طلعت عليه الشمس، وخلق الليالي واختار ليلة القدر فجعلها خيرًا من ألف شهر، وخلق الشهور واختار شهر رمضان فجعله خير شهور العام، وخلق الملائكة واختار من الملائكة جبريل عليه السلام فجعله روح القدس، وخلق البشر واختار من البشر محمدًا صلى الله عليه وسلم فجعله صفوة الخلق وخاتم المرسلين، وكذلك خلق الله الأرض واختار من الأرض سيناء فجعلها خيرته من أرضه، فأقسم بها من فوق سمائه، وباركها وقدسها بأسمائه، وتجلى لها من عليائه، وجعلها مهبط وحيه وآلائه، وموطأ رسله وأنبيائه، وملتقى أوليائه وأصفيائه، وأنبت فيها خير ثمار نعمائه!
قال تعالى: (والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين)، فقد أقسم الله عز وجل في مطلع السورة بالتين والزيتون، وهما من منتجات سيناء، كما قال في موضع آخر: (وشجرةً تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين)، وكأنها تلك الشجرة المباركة المنيرة التي وصف الله: (شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور)، ثم أقسم الله عز وجل بالطور الذي هو طور سيناء ونسبته إلى سيناء، بل وجعل القسم به متقدمًا على القسم بالبلد الأمين الذي هو مكة المكرمة شرفها الله وزادها تكريمًا!
وفي موضع آخر بقسم آخر: (والطور * وكتاب مسطور)، وقدسها وباركها فوصفها بالقدسية: (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى)، وبالبركة: (فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة)، وهي المكان الذي كان مهبط وحيه على موسى عليه السلام: (وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى)، بل والمكان الوحيد من الأرض قاطبة الذي تجلى إليه عز وجل حين تجلى لموسى عليه السلام كي يراه عند جبل الطور: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا وخر موسى صعقًا).
ولم تأت كلمة (الطور) في القرآن إلا في الحديث عن طور سيناء، كما لم يأت ذكر الجبل إلا معرفًا بالألف واللام، وقد تكرر ذكر الطور في القرآن كثيرًا مع ربط تشريفي في مواضع منها بين جبل الطور والمسجد الأقصى والبيت المعمور والمسجد الحرام. ولنا أربعة مشاهد في قصة موسى كلها عند جبل الطور في سيناء وهي: الوحي الأول حين ناداه ربه لأول مرة، ثم عند التجلي وتلقي الألواح، ثم عند مجيء موسى بسبعين رجلًا من قومه للتوبة عند الطور، وأخيرًا عند أخذ الميثاق عليهم حين رفع الجبل فوقهم. وقد كانت سيناء المسرح الكبير لقصة موسى عليه السلام، ثم عبر من خلالها إلى مدين، ثم عاد بعدها إلى مصر ومعه زوجته، ثم انتقل بقومه إلى سيناء حيث احتضنت أرضها رفاته.
وإلى جانب ذلك كانت سيناء كذلك موطئًا ومعبرًا لأنبياء الله كإبراهيم وإسماعيل ويعقوب ويوسف عليهم السلام. ومن أجمل المشاهد التي عاشتها أرض سيناء، خروج (المحمل) إلى الحج، حيث كان (المحمل) يمر بسيناء متجهًا إلى الأراضي المقدسة، منذ سافرت شجرة الدر 1248 بقافلة إلى مكة عن طريق سيناء، ثم أصبحت مراسم (المحمل) الشهيرة معروفة عندما بدأ الظاهر بيبرس بإرسال (محمل) يصاحب الحجاج عبر ذلك الطريق التاريخي عام 1266.
هذا إلى جانب مما تمتاز به سيناء، من موقع استراتيجي وضاء، وكنوز وثروات غناء، ومواطن ومعالم زهراء، ومن كونها أرض الخصب والنماء، وموطن التعمير والبناء، وجوهرة مصر الغراء. فسيناء هي عبق وعراقة الماضي، وفخر وأصالة الحاضر، وضياء وإشراقة المستقبل، وهي الآن قلب الأمة النابض، ودمها الراكض، وعزها ومجدها الناهض، والله ناصرنا بها رغم أنف كل حاقد أو رافض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *