أخبار عاجلة

د.مجدي العفيفي يكتب… أيام في سلطنة عمان ( 2- 3)

اشكالية الحدود مع دول الجوار الأربع:
وجه أحد رجال الدبلوماسية سؤالا إلى السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، على هامش اجتماع السفراء في مسقط عام 1982 حول مسألة الحدود مع دول الجوار، فأجابه: إن الجار لا تختاره الدولة، حيث يكون مفروضًا عليها، ولذلك لا بد من التعايش معه حتى ولو في الحد الأدنى، وعمان أخذت بمبدأ «اكسب جارك ليكون سندًا لك في استقرارك بدلا من أن يكون عدوا لك». هذه الرؤية ظلت نبراسًا لحل إشكالية ترسيم الحدود بين السلطنة وجاراتها، التي استغرقت عشرين عامًا من الدراسات والمفاوضات والحوارات والخرائط، وهي الإشكالية التي لا تزال عالقة بين العديد من دول العالم خاصة في دول منطقة الشرق الأوسط والعالم الثالث عامة، نتيجة الحالة الاستعمارية التي غشيت دولها طويلا. وقد تمكنت عمان من أن تحسم هذه المسألة وترسِّم حدودها مع دول الجوار قاطبة: المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية اليمنية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأغلقت هذا الملف نهائيا، وبه سجلت السلطنة واحدًا من أكبر إنجازاتها السياسية والتاريخية والجغرافية. في الحادي والعشرين من مارس سنة 1990 بمدينة الرياض تم التوقيع على وثيقة ترسيم الحدود بين السلطنة والمملكة العربية السعودية، والتي تبلغ 8,756 كيلومترا وهي عبارة عن شريط صحراوي وأغلق هذا الملف بالتوقيع على الخرائط النهائية في مدينة الرياض. وأودعت لدى اللجان المختصة في منتصف عام 1995 وقد وصف جلالة السلطان هذا الحدث بعد التوقيع بقوله: «إن التاريخ في البلدين سيذكر هذا اليوم بأحرف من نور». وفي الثاني من شهر أكتوبر عام 1992 تم التوقيع على الاتفاقية الحدودية في العاصمة اليمنية صنعاء وبموجبها رسمت الحدود الدولية البالغة 3,392 كيلو متر من معبر المزيونة شمالا إلى رأس ضربة علي جنوبًا على بحر العرب. وفي الأول من شهر مايو عام 1999 وقعت في مسقط اتفاقية لتحديد وترسيم الحدود في القطاع الحدودي المشترك بين كل من السلطنة ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ووقعها جلالة السلطان قابوس بن سعيد وصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات. وفي الثاني من مايو تم توقيع -في ولاية صحار العمانية- ملاحق الاتفاقية بشأن تحديد وتنظيم الإجراءات التنفيذية لتطبيق الاتفاقية فيما يتعلق بالسلطات المخولة لكل جانب والمنشآت الخاصة بكل طرف على امتداد القطاع الحدودي الممتد من نقطة أم الزمول إلى شرق العقيدات في المنطقة المشتركة مع السعودية. أما بالنسبة للحدود بين السلطنة والإمارات «فكان خطوة على طريق استكمال ترسيم وتحديد الحدود بين الدولتين في بقية القطاعات والذي يمثل إنجازًا تاريخيا بكل المقاييس وكان خطوة لتعميق العلاقات بين البلدين الشقيقين» فالدولتان باشرتا ومنذ زمن بعيد تسوية جميع مسائل الحدود بينهما. وفي المفهوم العماني لا توجد قضية حدود بين السلطنة ودولة الإمارات، وما تبقى في هذا الموضوع يدخل في إطار النواحي الفنية مع كل إمارة على حدة، وذلك في ضوء الوثائق والثوابت المتعارف عليها. المشكلة تعود في الأصل إلى عام 1975عندما وقع الخلاف حول تخطيط بعض مناطق الحدود، حيث اكتفت الإمارات بتقرير بعثة بريطانية جاء لتخطيط الحدود بين البلدين، وتمسكت مسقط بتقرير بعثة بريطانية أخرى جاء لنفس المهمة واعترضت على تقرير البعثة الأولى، ولأن البريطانيين كانوا يبنون تصوراتهم المحدودة في المناطق التي كانت بحوزتهم على أساس عدد من الاعتبارات يدخل فيها قسمة القبائل وأمور أخرى. وفي شهر مارس من عام 1985 اتفقت الدولتان على مناقشة مشكلات الحدود بإدراك نابع من طبيعة المشكلات المثارة على أرض الواقع بصرف النظر عما قررته اللجنتان البريطانيتان «واستطعنا بالفعل أن نصل إلى حلول وسط لكل المشكلات، تقوم على الأخذ والعطاء والتفهم الواقعي لطبيعة المشكلات المثارة، والآن أستطيع أن أعلن أنه لم يعد هناك أية مشكلة مثارة مع الإمارات حول قضية الحدود، ولعلني أقول إن مسقط كانت أكثر تسامحًا، حرصًا على علاقات تتجاوز حسن الجوار إلى علاقات الأهل والأصهار». وفي الرابع من شهر سبتمبر عام 2016 تم التوقيع في طهران على الوثيقة النهائية لاتفاقية تعيين الحدود البحرية بين إيران وعمان، استنادًا إلى قانون البحار، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بعد تبادل الوثائق، وهما اللتان تتشاركان في ضفتي مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يمر عبره النفط الخليجي المصدَّر للغرب. وكان لهذا الفعل الحضاري الاستراتيجي أكثر من هدف وأكثر من دلالة. شاهد أيضا أيام في سلطنة عمان (3- 1) سلطنة عمان ضمن أولى الدول في مؤشر جودة الحياة للمغتربينعمان لموسكو: لا نريد إرهابيين أوميليشيات مذهبية على حدودنامن بينها «عمان وأوغندا»..استطلاع يكشف أفضل دول لمعيشة المغتربين أولها: سلطنة عمان في معالجتها لقضايا الحدود مع جيرانها تركز بصورة أكبر على جوهر العلاقات منها على بعض التفاصيل التي عادة ما تتسبب في انعدام الثقة بين الأطراف المعنية. ثانيها: «أن السلطان قابوس أتم بعد مرور قرنين، ما شرع فيه جده الإمام أحمد بن سعيد المؤسس الأول لأسرة آل بوسعيد، حين وحد البلاد بعد سنوات من التطاحن والحروب الأهلية، وها هو الحفيد يحصن هذه الوحدة في جو من التفاهم والود المتبادل، وبذلك تحولت الحدود من منطقة توتر ومصدر تهديد دائم كما هو الحال في الكثير من جهات العالم القريب والبعيد، إلى جسر للتعاون والمحبة والتآخي والتلاقي بين شعوب المنطقة». ثالثها: كذلك يؤكد خبراء السياسة الدولية أن ثمة حقائق جلية تمثل الخلفية الكاملة شديدة الوضوح والشفافية لمنطلقات كل من الأداء الدبلوماسى العماني، إذ إنها قدمت طرحًا ومنهجًا متميزًا للأساليب التي يجب اتباعها على صعيد العلاقات الثنائية بين الدول المتجاورة في مجال إدارة ملفات قضايا الحدود. يتمثل ذلك الاختيار في إمكانية، بل ضرورة العمل على تسوية، ثم حل جميع القضايا الحدودية من خلال المفاوضات التي تقود في النهاية إلى إبرام اتفاقيات لترسيم الحدود المشتركة، لم تكتف السلطنة بالدعوة إلى هذا التوجه فحسب، إنما اتخذت قرارات نهائية واضحة أثبتت إمكانية تحويله إلى واقع مادي حيث توصلت بالفعل إلى اتفاقيات مع جميع البلاد التي تشاركها الجوار الجغرافي. رابعها: سوف يظل ترسيم حدود السلطنة البرية والبحرية مع الدول الشقيقة المجاورة من أعظم إنجازات الربع قرن الأخير لما تمثله قضية الحدود في العلاقات بين الدول من حساسية، خاصة إذا كان موقعها في منطقة بالغة الحساسية. خامسها: تعريف بالدولة في العالم كله، فلا بد أن تكون للسلطنة حدود معروفة، ومفهومة لدى الجميع. وهذه الحدود -أي حدود اليوم- لم تكن موجودة في السبعينيات. وتطورت جهود السلطنة وأصبحت حدودها واضحة مع اليمن وإيران والسعودية والإمارات. سادسها: أن سلطنة عمان اتخذت هذه الخطوة لكي تتحكم في حدودها ونجحت في ذلك، وهذا يعني نضوجًا في التفكير السياسي وفي خطها السياسي وعقلانية توجهاتها السياسية البناءة. ولذلك كلفت بموجب قرار من المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في دورته الحادية عشرة التي عقدت في الدوحة عام 1990 بتشكيل لجنة عليا برئاسة السلطان قابوس، وذلك بهدف وضع تصور استراتيجي للترتيبات الأمنية المستقبلية لدول مجلس التعاون. سابعها: يؤكد مدى حرص الأطراف على إرساء دعائم العلاقة القديمة الجديدة بعيدًا عن أية شبهة محتملة وبناء إطار جديد؛ لتنمية مواردها وتسخيرها لخدمة الشعوب وتسهيل سبل الاتصال بينها بكل يسر وسهولة. من هنا كان الحرص على وضع جميع النقاط في أماكنها الصحيحة لكي لا تأتي مرحلة أخرى يصعب فيها معالجة ما تم إغفاله. ثامنها: أن ترسيم الحدود وإغلاق هذا الملف نهائيا يعد نموذجًا جيدًا لحل الخلافات الحدودية بالطرق السلمية بعيدًا عن الصراعات الدموية وعلى قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وعن طريق المفاوضات الودية وبما يخدم مصالح كل بلد. تاسعها: لا يمكن النظر إلى قضايا الحدود في منطقة الخليج في إطارها الجغرافي فحسب، بل إنها تتصاعد أحيانًا حول شرعية الوجود والصراع على الموارد وشكل العلاقة مع الدول المجاورة. ومن ثم كان اللافت للنظر في الاتفاقية هو الإعلان مباشرة عن بدء التنفيذ فور التوقيع. عاشرها: أن كل هذه الاتفاقيات تنسجم مع المعايير الأربعة الأساسية لترسيم الحدود، طبقًا للأدبيات السياسية في هذا المجال. هناك المعيار الاستراتيجي في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى. والمعيار الإثنوغرافي الحضاري في فترة ما بين الحربين العالميتين. والمعيار الاقتصادي في الوقت الحاضر. أما المعيار الرابع فهو القوة لدى الأطراف إذ إن جميع الحدود في خريطة العالم السياسية إنما تعكس معيار قوة صانعها، ومن ثم فإن هذه المعايير ليست في عزلة، أحدها عن الآخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *