أخبار عاجلة

محمود نبيل الرامي يكتب.. قراءة في استراتيجية تطوير التعليم ( 1)

شكلت خطط وزراء التربية والتعليم، على مدار تاريخها القريب، ملامح خارطة مستقبل التعليم في مصر؛ ما نتج عنه آثارًا وانعكاسات متباينة، على مستوى التعليم والبحث العلمي في مصر بين الدول، وليس خافيًا على أحد، أن مستوى التعليم في بلادنا أصبح يستدعي من القائمين عليه سعيًا حثيثًا، لا سيما أنه يحتل مكانة متأخرة للغاية في التصنيف العالمي لجودة التعليم، ما جعل مسألة تطوير التعليم، مطلبًا مجتمعيًا آنيًا ومستعجلًا.
وبالتالي كان من الضروري، تجديد حراك إصلاح التعليم؛ لمعالجة الأخطاء التي رافقت سيرورة التعليم، وتحسين المنتج التعليمي الذي أصبح لا يرقى لمتطلبات سوق العمل؛ حسبما صرح وزير التربية والتعليم، الدكتور طارق شوقي، الذي وضع تصورًا جديدًا، من شأنه أن يرفع مستوى التعليم، اتساقًا مع أهداف استراتيجية مصر للتنمية المستدامة “رؤية مصر 2030”.
سنتناول في هذه الورقة بالعرض والتحليل، الاستراتيجية الجديدة للوزارة، من خلال عدة محاور رئيسية بلورها الوزير، والتي أثارت لدى الجمهور ردود أفعال متقاطعة ومتوازية، ومِنْ ثَمَّ سنلقي الضوء على التحديات المرجح وقوعها من جراء نقل هذه الاستراتيجية من الورق إلى الأرض، وكذلك النتائج الإيجابية التي يمكن أن تعود على عناصر العملية التعليمية.
إطلاق بنك المعرفة المصري
يمكن ببساطة، التعرف على محتواه من خلال تعريف الوزير له: “يُعَد أكبر مكتبة معرفية رقمية في العالم، متاحة عبر شبكة الإنترنت، وتحتوي على آلاف الدوريات العلمية الحديثة، والكتب، والأفلام الوثائقية، وقواعد بيانات في شتى فروع المعرفة، وشروحات للمناهج الدراسية المصرية، وتستمد المكتبة محتواها، من أكبر دور النشر في العالم، كأوكسفورد، وكامبريدج، وسبرنجر، ونيتشر، وناشونال جيوجرافيك”.
تبدو المبادرة للجمهور، آخذة إلى مصاف الدول المتقدمة، وتشير التوقعات والترجيحات إلى حدوث نقلة نوعية ثقافية للمواطن المصري، وقبل أن يسلم الجمهور بهذه التصورات شديدة الإيجابية، يجب لفت الانتباه إلى التحديات التي يمكن أن تحول دون هذه المبادرة الطموحة؛ حيث تخبرنا التقارير أن هناك طلاب يجلسون على مقاعد الدراسة المدرسية في مراحل التعليم المختلفة، وهم لا يجيدون القراءة والكتابة؛ نتيجة لنظام تعليمي غير قادر على تقييم الطالب على نحو سليم، لا سيما أن هناك زيادة ملحوظة في معدلات الغش في الامتحانات، بالإضافة إلى تجاوز عدد المتسربين من التعليم من سن 8 إلى 12 عامًا، 2 مليون طالب تقريبًا؛ وبالتالي تنخفض نسبة الطلاب – وهي الشريحة المستهدفة إلى حد كبير- الذين يمكن أن يستفادوا من المحتوى.
ومن جهة أخرى، فإن المبادرة تهدف إلى نشر الثقافة في المجتمع بوجه عام، مع الأخذ في الاعتبار، أن المجتمع المصري مصنف كواحد من المجتمعات التي ترتفع فيها نسبة الأمية، ووفق تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تصل نسبة الأمية في مصر، إلى حوالي 27%، فضلًا عن الأمية الثقافية، وبالتالي هذا القطاع العريض من المصريين، يحتاج إلى أن يتعلم القراءة والكتابة أولاً، وأولى من أن يُوضَع أمامه أحدث الدوريات العلمية العالمية.
ومن المعلوم، أن دور النشر المنقول منها المحتوى، تصدر دورياتها العلمية وكتبها، باللغة الإنجليزية، ما يعني ضرورة أن يكون الطالب أو المواطن بشكل عام، متقنًا للغة الإنجليزية، ليتمكن من تصفح المكتبة وقراءة محتواها، ومن هذه النقطة يجب توضيح أمرين، أن مناهج التعليم المصري، التي دأب الطالب والمعلم للتعامل معها، على أسلوب الحفظ والتلقين، من الصعب، أن يكتسب الطالب فجأة، مهارات الفهم والتحليل والبحث، لا سيما أنه يتعامل مع مكتبة تضم أبحاث ودوريات عالمية، والأمر الثاني: أن مستوى الاهتمام بتدريس اللغات، والمواد الدراسية، في المدارس، بشكل عام، لا يرقى إلى المستوى الذي يؤهل الطالب للتعامل مع محتوى المكتبة.
وفي سياق متصل، أعلن الوزير، ربط مناهج العلوم والرياضيات للصفين الأول والثاني الثانوي العام ببنك المعرفة المصرى، ما يحيلنا إلى مراجعة قراره المتعلق بإلغاء مادة الحاسب الآلي من المجموع، وهو قرار ضمن حزمة القرارت الوزارية الأخيرة، وفسر ذلك بعدم جاهزية المدارس بالمعامل والأجهزة، التي تسمح بتدريس المادة بشكل سليم، وهنا يجب أن نتوقف قليلًا، لنربط بين إطلاق الوزارة بنك المعرفة الإلكتروني، الذي يحتاج للإطلاع عليه، حاسب آلي مُوصَل بالشبكة العنكبوتية، وبين تفسير الوزارة إلغاء مادة الحاسب الآلي من المجموع، لعدم توافر الأجهزة بالمدارس، ما يعني عدم وجود الإمكانيات بالأساس التي تتيح للطالب الإطلاع على بنك المعرفة والمناهج التي ربُطت به، والتدريب على التعامل معه، ما يطرح علامات استفهام وتعجب إزاء هذين القرارين المتضاربين.
ومن الناحية التقنية، رفع أكبر مكتبة معرفية في العالم على موقع بنك المعرفة المصري الإلكتروني، يتطلب شبكة اتصالات فائقة الجودة؛ ليتصفح القارئ الموقع بسلاسة دون عقبات، لأن كِبر حجم مساحة المكتبة إلى هذا الحد الضخم، مع وجود ضغط من العنصر البشري على الموقع، من المتوقع إلى حد كبير، أن تصبح عملية التصفح والتعامل مع المكتبة بالغة الصعوبة، في ظل خدمة اتصالات يختلف على جودتها المستخدمون.
إضافة مادة القيم والأخلاق والمواطنة
في إطار التركيز على ترسيخ قيم: التعاون، والتسامح، والولاء، والسلام مع النفس، والتعايش مع الآخر، ومزيد من المبادئ والتعاليم والضوابط الأخلاقية، التي تحدد سلوك الطالب، وترسم له الطريق السليم الذي يقوده إلى أداء واجباته الحياتية، ودوره في المجتمع الذي ينتمي إليه، قرر الوزير أن يجتمع بشيخ الأزهر، والبابا تواضروس، فكان كتاب القيم والأخلاق والمواطنة هو السبيل؛ لتأكيد تلك القيم والمبادئ، لدى الطالب خلال السنوات الثلاث الأولى من التعليم الاساسي


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *