أخبار عاجلة

د. مصطفى شاهين يكتب.. فلسفة الحب بين المرأة والرجل في الإسلام !

يُقال إذا كتبت عن الحب ، فلا تكتب بقلم ، ولكن اكتب بقلب . وإذا أردت تحديد مطلق الحب فلا تصرفه إلا إلى قوة سيطرة شعور الجذب ، الذي يكون بين امرأة لها وجدان ولهان بشغاف قلب ، ورجل بهذا الاعتبار أيضا له قلب ، وكلاهما صارا يطلبان القـرب . ويعبران عنه باعتبار أن شعور الحب والتعبير عنه ليس فيه عيْب ، ولكن رفض الاعتراف به أو رفض توقيعه على وجهه الصحيح هو العيْب كل العيْب 
فهل – بهذا الاعتبار المحدد للحب – يوجد بين المرأة والرجل في الإسلام حب ؟ لننظر إذن في مصدريّ الإسلام الأصليين ، ثم نملي ما قد يجود به القلب المحب بما يحب أن يقوله في فلسفة الحب . وفيما يخص النظر في المصدر الأول وهو القرآن الكريم سنجد أن مادة الحب ومشتقاتها قد ورت فيه في 84 موضع ( راجع : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم – محمد فؤاد عبد الباقي ص 191 – 193 ، مادة ح ب ب ) . وبالرغم من تعدد ورود معاني الحب سواء من قِبَل الله أو من قِبَل الإنسان ، فإن المعنى الذي حددناه للحب كشعور قلبي مزدوج بين المرأة والرجل لم يرد في القرآن إلا في موضعين : الأول عام هو ( زُيّن للناس حب الشهوات من النساء …. آية 14 سورة آل عمران ) والثاني خاص هو ( وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا …. آية 30 سورة يوسف ) والمعنى الخاص هو المقصود هنا فعلاً . ولا أعقد أن القرآن قد عاب على امرأة العزيز مجرد ملامسة حب فتاها شغاف قلبها ، لو كانت قد حبسته في قلبها ، أو توقفت عند مجرد هذا الشعور الذي لا حيلة للنفس في منعه أصلا . لكن القرآن ومجتمعها قد عابا عليها ( محاولتها توقيع حبها على مَن ليس مِن حقها ) ، حين راودت فتاها عن نفسها في محاولة دفعه لارتكاب الفحشاء معها ، فحفظه الله بالبعد عنها وتحمل في سبيل ذلك التشويه والإهانة والسجن
وأما الحب والتعبير عنه في السيرة النبوية ، فأول ما يقابلك هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إنّـي رُزقت حُبّها ) . وسواء أكان قوله مقصوداً به سيدتنا خديجة أم سيدتنا عائشة ، فإن السيرة النبوية لا تحدد هل رُزق رسول الله حبها قبل الزواج أم بعد أن تزوج بها ، وكيف سعى النبي بحبه إليها من قبل الزواج تعبيرا وتوقيعا ، وكيف بادلته هي أيضا ذلك الشعور الجميل . تحرمنا السيرة النبوية للأسف مما يشفي غليلنا المعرفي عن ذلك . لكن يكفينا أننا لا نخجل من القول بأن نبينا كان محبا لمن تزوجها بأجمل صور الحب وأعذبه وأرقاه . ويغلب على ظني أنه – صلى الله عليه وآله سلم قبل البعثة – قد أحب أمنا خديجة قبل زواجه منها ، حباً لامس شغاف قلبه ، ولم يكن سعيه للزواج منها طمعا في مالها أو جمالها ، بل كان حبه لها حباً قلبياً خالصاً نقياً ، ظل به وفيّاً لها في حياتها وبعد وفاتها 
وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( ما رأيت للمتحابين خيراً من النكاح ) أي أن الرجل إذا نظر إلى المرأة وأحبها ، فعلاج ذلك هو الزواج بها . فهذا القول فيه إقرار نبوي بأن مجرد الحب كشعور قلبي ، قد يقع بين الرجل والمرأة قبل الزواج ، ولا عيب فيه ولا حرمة . إنما يجب أن يتم الإسراع بترجمته على أرض الواقع بالزواج . لكن يبقى الإشكال في ذلك الحال ، كيف ينقضي بينهما الوقت إذا تأخر الزواج أو كان هناك حائل يمنعه . ماذا يفعلان في قوة سيطرة شعور الجذب ، الذي يكون في شغاف القلب ، وكلاهما صارا يطلبان القرب ؟ ليس لهما إلا دفع ذلك قدر جهدهما بالتعفف عن الزنا ، وأن يودعا حبهما أمانة عند ربهما حتى يرده عليهما فيصيرا زوجين بإذن الله . ثم نتساءل : هل كان النبي بقوله للمغيرة ابن شعبة ( انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) يقصد أن يستثير في نفس المغيرة نوعاً من الحب الذي قد يتولد من ( النظرة التبادلية الأولى ) نحو من خطبها دون أن يراها ، حتى لا تنازعه نفسه النفور منها عند الزواج بها بعد أن يكون يكون قد رآها ؟ هذا مجرد تساؤل أرجو ألا يحتمل أكثر من كونه يطرح بُعداً سيكولوجيا تدينياً لانطباعات النظرة الأولى التي غالباً تدوم  
وأخيرا ، فإن هذا النوع من الحب قد شغل كثيراً من مفكري الإسلام وفلاسفته ، لكن أشهر وأوضح وأعذب من وصف الحب وتتبع مراحله وأحواله ، هو ابن حزم الأندلسي في كتابه الرائع ( طوق الحمامة في الألفة والألاف ) حيث يعرّف الحب بقوله : ( الحب أوله هَزل وآخره جَد ، دقّّت معانيه لجلالتها عن أن توصف ، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة ، وليس بمُنَكرٍ في الديانة ولا بمحظور في الشريعة ، إذ القلوب بيد الله عز وجل ) راجع ص 4 . وهكذا فالحب كشعور إنساني خفي جميل بين المرأة والرجل لا ينكره الدين ولا تحظره الشريعة . وقلوب المحبين بيد الله يصرفها كيف يشاء ، وقد يلطف بهم بحسب صدق نيتهم ، وحسن مقصدهم   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *