أخبار عاجلة

هبه عبد العزيز تكتب… “التجربة البريطانية والإتحاد الأوروبى (2)”

كنا قد تحدثنا فى مقالنا السابق عن إنهاء بريطانيا عضويتها بالاتحاد الأوروبى فى سياق الاستفتاء الذى تم الأسبوع الماضى.
وتعالوا بنا نرجع للخلف سنوات قليلة لنلقى نظرة على الوضع قبل الخروج: حيث كان لبريطانيا وضع خاص بموجب أربعة استثناءات من قوانين الاتحاد: ميثاق الحقوق الأساسية «السياسة النقدية والاقتصادية» فظلت محتفظة بعملتها من الجنية الإسترلينى. وأيضا الحرية والأمن والعدالة. إضافة إلى استثنائها من بند حرية تنقل الأشخاص فى منطقة الشنجن. وكان آخر  تلك الاستثناءات هو إعفاؤها من الاتفاق المالى الأوروبى الذى يتيح للمحكمة الأوروبية صلاحية مراقبة الموازنات المحلية.
لكن «كاميرون» رئيس الوزراء السابق لم يكتف بكل ذلك، ولجأ لاستخدام كارت عضوية بلاده فى الاتحاد لحسم الصراع الانتخابى لصالحه. حيث وعد الناخبين فى 2013 م بإجراء استفتاء على البقاء بالاتحاد فى حال فوز حزبه فى انتخابات 2015م. وبالفعل وفى 2016 م استطاع «كاميرون» أن يضغط  على الاتحاد و يصل إلى تسوية لبقاء بريطانيا وفقا لبعض الشروط: عدم إلزام بريطانيا باندماج سياسى أوروبى أبعد مما يتيحه الوضع القائم، و تقييد حصول المهاجرين على إعانات مالية خلال الأربع سنوات الأولى من إقامتهم، وأيضا منح البرلمانات الوطنية مزيدا من السلطة فى الاعتراض على تشريعات بروكسل.
وقد تم لـ «كاميرون» ما أراد  وحصلت بلاده على تسوية ممتازة كما سعى، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهى نفسه! وغلط  بتجاهله لفكرة أن «اللى بيلعب بالنار ممكن تحرقه»! …. فقد فشلت استراتيجيته (بعد فوزه) فى تخويف البريطانيين أو إقناعهم بالبقاء، فلم يجد نشر عشرات التقارير الحكومية التى تحذر من كارثة الانفصال، ولا تهديد وزير الخارجية للناخبين، فقد فات الأوان بعد مرور 3 سنوات من الدعاية البريطانية السلبية ضد الاتحاد «وخصوصا فى ملف الهجرة».
وربما نعلم أن السوق الأوروبية تضم حوالى 500 مليون شخص بحجم ناتج حوالى 18 تريليون يورو، وبخروج بريطانيا ستفقد امتيازات العضوية فى حرية دخول السلع والخدمات بدون تعريفة جمركية، وستفقد أيضا اتفاقيات التبادل التجارى مع 53 دولة، وتصبح مضطرة لعقد اتفاقات ثنائية للحصول على نفس الامتيازات.
وقد أصدرت وزارة الخزانة البريطانية تقريرا طولا متشائما فى حال المغادرة وإليكم بعض ما جاء فيه: سينخفض الناتج القومى بنسبة 6.6% فى حين كان سيرتفع الى 4.4% فى حال البقاء وذلك خلال الـ 15 عاما القادمة, أيضا ستنخفض حصيلة الضرائب بحوالى 36 مليار إسترلينى, كما أن مكانة لندن كأبرز سوقا ماليا أوروبيا، ستتراجع لصالح فرانكفورت ولوكسمبورج.
والسؤال الآن:  ماذا ستفعل بريطانيا ؟ ودعونا نحاول الإجابة .
أولا: هى ملزمة بالتفاوض مع الاتحاد للتوصل لصيغة شراكة اقتصادية جديدة لمدة لا تقل عن عامين لفك الارتباط الاقتصادى والتشريعى، بموجب معاهدة لشبونة. وقد روج معسكر الخروج لنموذجين: نموذج النرويج «شراكة مع الاتحاد» ولكن بتطبيقه سينخفض نصيب الفرد من الناتج القومى سنويا لحوالى 1100، و انخفاض عائدات الضرائب بقيمة 20 مليارا. أما النموذج الثانى فهو النموذج السويسرى «اتفاقيات ثنائية» ويعنى أيضا تقلص نصيب الفرد من الناتج القومى بما قيمته 1800 وتقل عائدات الضرائب بمقدار 36 مليارا.
ويتضح سياسيا واقتصاديا ودون الخوض فى تفاصيل وأرقام، أنه يستحيل على بريطانيا قبول أحد النموذجين. لذا  فى الغالب ستصبح مضطرة للتفاوض على (نموذج خاص) بها مستغلة فى ذلك وضعها كخامس أكبر اقتصاد عالمى، إلا أن الاتحاد الأوروبى لن يقبل بأى تسوية سهلة، لأن معنى ذلك سيكون رسالة سلبية بأن الباب مفتوح للمغادرة والتحلل من الأعباء السياسية تجاه المشروع الأوروبى مع الاستفادة من مزايا السوق الموحد!!   وهى (رسالة كارثية) لن تسمح بروكسل بتمريرها تحت أى اعتبار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *