أخبار عاجلة

إبراهيم الصياد يكتب.. أمريكا وتداعيات “الإسلاموفوبيا”

بعد الحرب العالمية الثانية انقسم العالم إلى معسكرين غربى وشرقى، حيث كان الاتحاد السوفيتى ودول حلف وارسو يمثلون العدو الرئيسى للغرب وما تمخض عن ذلك من إنشاء حلف شمال الأطلسى، حيث دخل العالم ما كان يعرف فى السياسة الدولية بالحرب الباردة التى كان يتحكم فى استمرار برودتها توازن الردع النووى بين الولايات المتحدة والغرب من جهة والعالم الشيوعى من جهة أخرى.
واستمر هذا الوضع أكثر من خمسة عقود حتى انهيار المعسكر الشرقى وتفكك الاتحاد السوفيتى فى بداية التسعينيات من القرن الماضى وهنا واجهت واشنطن إشكالية عدم وجود عدو بديل لتمارس بسط سيطرتها فى مواجهته من جهة وتشغيل ترسانات الأسلحة بها من أجله من جهة أخرى وفى الوقت نفسه ظل هناك سؤال مهم واجه حلف الناتو «من سيحارب من بعد زوال الشيوعية؟» وكان على الولايات المتحدة أن تجد إجابة مقنعة لهذا السؤال وإلا ما الحكمة من استمرار هذا الحلف العسكرى؟.
هنا بحثت أمريكا عن عدو جديد يحل محل العالم الشيوعى ولم يكن أمامها غير العالم الإسلامى ولكن وجود عداء مع دول مستقلة حتى ولو كانت إسلامية سيثير حفيظة وتحفظ بقية الدول، خاصة أن الدول الإسلامية منتشرة على مساحة جغرافية مترامية الأطراف فى الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا ومن هنا أصبح من الضرورى بحث إمكانية خلق عدو من رحم الجماعات الإسلامية المتطرفة التى أنشأتها ودعمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى مواجهة الأعداء السابقين بدءا من أفغانستان ومرورا بالصومال والعراق وصولا لسوريا وليبيا واليمن.
ورغم اختلاف وسائل المواجهة إلا أن عدو الغرب المتنامى بدأ يكبر ويشتد عوده وينسلخ عن المناطق التى نشأ فيها ولم يكبر فقط لكنه أخذ يتغول من القاعدة إلى داعش وبوكو حرام وغيرها من الجماعات الإرهابية ودعونا نتفق على تسميتها أدوات لأنها هى (صناعة أمريكية) وجدت فى الأصل للاستغلال السياسى ثم كسرت الأغلال وفكت القيود وتمردت على صانعيها واستغلت سياسة توطين الصراعات التى جاءت مع نظرية الفوضى الخلاقة والتى تعد المنظور السياسى لفكرة الشرق الأوسط الجديد التى دعا إليها شيمون بيريز فى الثمانينيات لقطف ثمار السلام مع العرب سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا.
وجاءت الرياح كما تشتهى السفن مع ثورات الربيع العربى ابتداء من العام ٢٠١٠ و٢٠١١ فى تونس ومصر واليمن وليبيا وكان الهدف منها إعادة رسم خريطة المنطقة العربية من جديد عن طريق ربط الإرهاب بالإسلام، خاصة بعد أن فشل تنظيم الإخوان فى أن يكون الحارس الأمين للمصالح الأمريكية فى الشرق الأسط ولا سيما فى مصر.
وبالتوازى مع هذا كله تضخيم عقدة (إسلاموفوبيا) فى أمريكا وأوروبا بشكل مرضى من خلال تغيير الصورة الذهنية للعرب والمسلمين فى عقول المواطن الأمريكى والأوروبى وساهمت فى تكريس الإحساس بالخوف من المسلمين أحداث باريس الأخيرة التى أصبح ينظر إليها نفس نظرة هجمات الحادى عشر من سبتمبر فى نيويورك فى العام ٢٠٠١ وتداعياتها لكن مع الفارق!!
ويمكننا ملاحظة أن ما يسمى حروب الجيل الرابع أخذت منحى جديدا يخرج من نطاق الحرب الدعائية التى جعلت من «إسلاموفوبيا» ظاهرة تستحق الدراسة فى العلاقات الدولية وجعلت من توطين الصراعات الإقليمية بعدم التدخل فيها وترك المتنازعين يصفون أنفسهم بأنفسهم أو هكذا يرغبون نقول جعلت الأمر يتحول إلى مواجهة عسكرية مباشرة فى سوريا.
من الظاهر تبدو الحرب بين روسيا وفرنسا من جهة وداعش من جهة أخرى لكن قد تنجر إليها أطراف أخرى مثل تركيا ما يجعل الموقف فى منتهى الخطورة ويستلزم تحركا دوليا جماعيا لمنع الانزلاق إلى حرب عالمية «ثالثة» الإرهاب ليس سوى أحد أطرافها لكن الإسلام منها ومنه براء!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *