أخبار عاجلة

أيمن رفعت المحجوب يكتب… “حتى لا يصبح الجنية ورقة بخس..!”

تتميز مصر دون غيرها من كثير من الدول الأخذة في النمو بوجود موارد وثروات معطلة ، وذلك قد يكون من الممكن ، على الأقل من الناحية النظرية أو من الناحية العملية كما أثبتت الأبحاث حديثة العهد من اكتشافات الغاز وغيرها.
لذلك قد تلجأ الادارة المصرية من خلال “البنك المركزي ” الى “تخفيض سعر الجنية”  امام الدولار كل فترة و الى “الاصدار النقدي الجديد” لتشغيل هذه الموارد مرحلياً ، لحين تحصيل عوائد منها. غير أننا ننبه إلى أن هذا التحليل فية كثير من الخطأ – وليس صحيحاً في اطلاقه ، وذلك لأن البلاد الأخذة في النمو كمصر تتصف من ناحية أخرى بصفة سلبية وهي عدم توافر كل العوامل اللازمة للتنمية الاقتصادية المتكاملة. ولما كانت درجة مرونة الجهاز الانتاجي عندنا تعتبر قليلة  لعدم توافر كافة مستلزمات الانتاج لتغطي الطلب المحلى كما ذكرت ، تصبح المشكلة أكثر تعقيداً. لأن درجة مرونة الأجهزة الانتاجية هي التي تحدد مدى ملاءمة الالتجاء إلى الاصدار النقدي الجديد  او الى تخفيض قيمة العملة , وباى مقدار في تمويل التنمية المطلوبة.
وحتى نكون أكثر دقة في تحديد مدى جدوى الاعتماد على “السياسة النقدية” في الاصدار الجديد  و تخفيض قيمة العملة معا ، نفضل ونحن في هذا الصدد أن نفرق بين مرحلتين من مراحل التنمية في مصر : الأولى ؛ مرحلة ما قبل البدء في التنمية (من 2011 وحتى 2015 ) ، وفي هذه المرحلة كان الجهاز الانتاجي قليل المرونة لعدم توافر كل الموارد اللازمة للتنمية الشاملة (بل وكان الاقتصاد يعاني من ركود واضح). والثانية ؛ مرحلة ما بعد البدء في التنمية (من 2015 وحتى نهاية الخطة الخمسية 2020) ، وفيها يتوقع أن يكون الجهاز الانتاجي قد حقق درجة من المرونة الكافية ، عن طريق استيراد بعض المواد والالات اللازمة وعن طريق القدر الذي سوف يتم من التنمية الاقتصادية الشاملة ، ويشترط لإمكان زيادة درجة مرونة الجهاز الانتاجي في هذه المرحلة المقبلة استمرار تعطل بعض الموارد والثروات.
وحيث أن المرحلة الأولى قد انتهت , وما فات من اصدار جديد و تدنى فى  قيمة الجنية  قد ظهرت نتائجه على الاقتصاد بشكل عام ، بقي أن نحلل لننبه لمتطلبات المرحلة الثانية القادمة – أي مرحلة الجهاز الانتاجي الأكثر  مرونة من سابقته. فمع تحقيق قدر من الاصلاح الاقتصادي عام 2014 – 2015 ، فقد بدأت مرحلة من مراحل التنمية بأن استجلبت من الخارج بعض الالات والموارد الى جانب تشغيل جانب لا بأس به من المصانع المعطلة ودخول السوق مشروعات اقتصادية جديدة ، والتي تحقق لجهازنا الانتاجي بعض المرونة في ميادين عديدة.
وهنا نرى أنه لا مانع من الالتجاء إلى الاصدار النقدي الجديد (أي طباعة النقود)  او تخفيض نسبى للجنية امام الدولار و العملات الاخرى  , ولكن بحساب دقيق بغرض زيادة درجة مرونة الجهاز الانتاجي في مراحله الثانية (2016 – 2020) وذلك لتشغيل الموارد المعطلة في الداخل و رغبة فى التصدير  و تغطية متطلبات السوق المحلى , إذ كلما قلت الموارد المعطلة وزادت الموارد العاملة فإن القدرة على التوسع في الطاقة الانتاجية تقل وتزداد ، تبعاً لذلك ،  مع مراعاة عدم الالتجاء الى الاصدار الجديد (فى المطلق) او التعويم الكامل للجنية  حتى إذا ما وصلت مصر الى مرحلة التشغيل الكامل  , وجب علينا أن نتوقف تماماً على الاعتماد على الاصدار الجديد  او تخفيض العملة في تمويل مشروعات التنمية الشاملة.
ومما تقدم نخلص إلى أننا إذا أردنا أن تعتمد على الوسائل الداخلية في تمويل التنمية الاقتصادية ، يجب أن نلجأ إلى تكوين ” ادخار قومي” في صورة عينية ، للتصدير الى الخارج لنشتري بثمنه الالات والمعدات اللازمة للتنمية . ولذلك فإننا نجد وجوب زيادة درجة مرونة الجهاز الانتاجي والزراعي والصناعي و الخدمى ايضا فى قطاعات عدة واهمها السياحة.
حتى يزيد الادخار العيني اللازم للتصدير دون أن يضر بالاستهلاك( خاصة مع تخفيض قيمة الجنية الاسبوع الجارى امام العملات الاجنبية مما يدفع التصدير و الصناعة المحلية لتحل محل الاستيراد ان وجد البديل المحلى ) ، مع مراعاة عدم الافراط في الاصدار النقدي الجديد تحسباً لارتفاع الأسعار. لانة اذا ظل الحال على ما هو علية من زيادة فى الاستيراد  سوف تفضى تلك السياسة النقدية  إلى اصدار اوراقة نقدية  لا قيمة لها  وإلى سلسلة من التدهور فى قيمة الجنية أمام الدولار  وهو ما سوف يرفع سعر فاتورة   الاستيراد و يالتالى الاسعار و ندخل فى دائرة التضخم المعيبة وينتهى الامر الى  تدهور مستوى المعيشة للغنى و الفقير وندخل فى عجز اكبرى فى الميزان التجارى و ميزان المدفوعات أخيرا تفاقم عجز الموازنة. ولا تحقق السياسة المالية المرجوا  منها كما نريد وتفقد النقود  مع  كثرتها قوتها الشرائية ,  وكما شاع القول بأن النقود سلعة كلما زاد عرضها قل ثمنها ويصبح  الجنية المصرى امام الدولار “ورقة للبيع  ” بثمن بخس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *