أخبار عاجلة

د.إيمان رفعت المحجوب تكتب… “العلمانية.. ورسالة الإسلام..!!”

ونحن نستقبل العام  السابع و الثلاثين بعد الألف و اربعمائة بعد الهجرة ، اجدني اقلب وجهي ذات اليمين و ذات الشمال لأرى ما فعل المسلمون بالإسلام ! و يجبرني فكري و يجرني للبحث فيما إعتقد المسلمون طوال الوقت انه عدو اسلامهم اللدود ! الا و هو العلمانية !
 و في محاولاتي للكتابة عنها الحت علي عدة تساؤلات : 
هل الحديث عن العلمانية جريمة ؟ 
هل محاولة فهمها كأساس لما وصل اليه الغرب من تقدم و استقرار جريمة ؟ 
هل البحث في اسباب تقدم الغرب و استقراره و كيف وصل لذلك يهدد استقرار بلادنا على اعتبار اننا الأكثر تحضرا و استقرارا من الغرب ؟ دعونا نتجاسر و نبحث عما تعني كلمة علمانية و ليغفر الله لنا ! 
اولا : هل هي ” عَلْمانية ” أم ” عِلْمانية ”  ؟
ثانيا : اين هي العَلْمانية  ؛ حسب تعريبها من ؛ الساكيولاريزم ( العَلمانية الإنجليزية ) او اللايييسم ( العَلمانية الفرنسية ) و اللاييسيتيه.
ثالثا : ايهما تعني العَلمانية الجزئية و ايهما تعني العَلمانية الشاملة ؟ 
كلها اسئلة ملحة اجيب عن بعضها و بعضها ينتظر الإجابة . 
 
اصل الكلمة في العربية : 
جاء اول تعريب لكلمة secularism  و laïcisme في قاموس الياس الفرنسي العربي ، و يجدر بي هنا ان اقول ان ساكيولاريزم المصطلح الإنجليزي و لاييسيسم المصطلح الفرنسي ليسا مترادفين على الإطلاق ، فلكلٍ معنىً مختلف ، و الاصلُ لكليهما لاتيني  ، فلاييسيسم اصلها laïcus بمعني ” شعب ” و قُصِدَت لتعيين حكم ” عامة الشعب ” رفضا لتسلط الكهنوت الكنسي الذي حل بأوروبا بعد ان اعتنق قسطنطين المسيحية و فرضها فرضا دينا رسميا على الإمبراطورية البيزنطية ، و اللاييسيسم تعني “العومنة” اي جعل الشئ “عاما” اي لعموم الناس بدلا من ان يكون  كهنوتيا مقصورا على الكهنة .
و كلمة secularism مأخوذة أيضا عن الاتينية seaculum و تعني الدنيا و seacularesacio  اي الخروج من جملة المقدس بقصد الحد من سلطة الكنيسة في إنجلترا في القرن التاسع عشر .
و قد وردت كلمة seaculum في انجيل متى تارة بمعنى الحياة الأزلية اي الزمنية و تارة بمعنى الحياة الدنيا ، و المعنى الاقرب هنا هو الدنيوية و ليس الزمنية او الأزلية لأن الأزلية او الزمنية توحي بالحياة الأخرى بعد البعث و الكلمة قصد بها الحياة الدنيا . 
 و اول من ترجم هذه الكلمة الى ” عَلمْانية ” هو اليوس بقطر او الياس بقطر عن كلمة ” عَلْم ” او “عَلْما ” في اللغة السريانية ( و جدير بالذكر انه لايزال هناك من يحرصون على تعلم اللغة السريانية و من يتعاملون بها لاسيما بعض مسيحيي مصر )  و مما لا شك فيه ان هناك تداخلا ما بين السريانية و العبرية و كذا بينهما و بين العربية ؛ و كلمة عَلْم او عَلْما في السريانية  تعنى ” عالَم ” في العربية .
اذا هي عَلمانية ( بفتح العين ) من علم و ليست عِلمانية ( بكسر العين ) من علم . 
تاريخها و نشأتها :
اولا نقول ان الأمريكيون أفلتوا من الفتنة الدينية التي عانت منها اوروبا لعقود ؛ رغم أنهم مزيج من طوائف بروتستانتية عدة ؛ بعد معاناتهم من الحروب الأهلية وذلك عن طريق تأسيس اول دولة علمانية وفصلوا الدين عن الدولة رغم تدينهم النسبي .
ثم قامت فرنسا في عام ١٩٠٥ بسن قانون فصل الدين عن الدولة  في صورة عَلمانية شاملة فصلت الدين عن الدولة و عن التعليم .
 بينما نشأ في اجلترا تيار مدني قوي الى جانب التيار الديني الموجود ( اي  عَلمانية جزئية ) دون مأسسة العلمانية أو ادلجتها و فرضها على الشعب كما حدث في فرنسا ، و مع ذلك فالدول المصنفة بدول العَلمانية الشاملة مازالت لا تقر الإجهاض او الإنتحار مثلا و تجرمهما ، و في اغلب بلدان العالم الغربي لا يحق للمريض ان يطلب ان ينهي الأطباء حياته لأنه مصاب بمرض مميت و ميئوس من شفاءه فيما يطلق عليه بالقتل الرحيم ، و قد حكمت كل هذه المحرمات قوانين موضوعة مستوحاة في نظري من روح الدين المسيحي ، و قطعا لكل مجتمع خصوصيته و محرماته طبعت طابعها على قوانينه الوضعية و استمدتها منها  ، و لهذا اقول ان علمانية الدول في اغلب الأحيان جزئية و لا يمكن ان تكون كاملة ، و انه لابد ان لكل دولة علمانيتها الخاصة لأن قوانينها الوضعية تختلف عن تلك في الدول الأخرى فهي حتما ترتبط بمعتقداتها التي تمت صياغتها بعد دراسة في صورة قوانين وضعية تَحْكُمُ و تُتْبَعُ .  
و يجدر بي هنا ايضا ان اضع علامة استفهام كبيرة عن كيفية تسرب الدين الى الحكم في دول الغرب في القرون الوسطى على العكس من تعاليم المسيح  ” ما لقيصر لقيصر و ما لله لله ” و ايضا رغم وصاياه ( عليه السلام ) ” من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ” و ” حبوا اعداءكم ” و ” من ضربك على خدك الأيمن ادر له خدك الأيسر ” الخ الخ !!! ربما لأن للكنيسة أسرارا ( التعميد و الزواج ) ؟ و اللذان مازالا حاضرين في المجتمع الغربي ؛ و رغم استحداث ما يسمى بالدين المدني او الزواج المدني ؛ و بالمناسبة هو اشبه مايكون بالزواج و الطلاق و النفقة في الإسلام الا من التعدد ؛ إلا ان كليهما موجودان في المجتمع الغربي ؛ اقصد الزواج المدني و الكنسي ؛ و كذلك مازال التعميد للمواليد موجودا حسب اختيارات الأشخاص و معتقداتهم لأن فصل الدين عن الدولة ؛ التي تحتكم للقانون ؛ لم يعنِ ابدا ان الناس شرطا لم يعد لهم ارتباط بالكنيسة و الدين و انهم غير متدينين . 
و المفارقة ، ان هذا على العكس من الدين الإسلامي الذي ليس فيه كهنوتا يشبه الكهنوت الكنسي ؛ فلا رجال دين لا اسرار زواج و لا طلاق فالرجل و المرأة في الإسلام يزوجان نفسيهما بكلمة و شاهدي عدل ايا من كانا ، و يطلقان نفسهما بكلمة ، و لا يعرف المباركة و لا التعميد و لا الاعترافات و انما التوبة لمن اراد سرا بين العبد و ربه فالله ستير يحب الستر و بينما قد تُغْني الإعترافات في العقيدة المسيحية  أو تكفي أو لا تلزم بالقصاص أو الدية أو رد المظالم ، حرص الإسلام على رد المظالم و الحقوق لأصحابها شرع العقوبات الدنيوية و القصاص في حال الجرائم التي ترتكب في حق الغير فتضر بمصالح الناس ، فالحقوق و الواجبات في المعاملات بينة من مواريث و اجور و نفقات ، دين يتعامل مع الأمور الدنيوية بموضوعية و واقعية دون قداسة لأحد و لا لكلامه و لا لفعله ، و لا كرامات و لا حصانة و لا لبنت محمد نفسه ، و الحاكم ( ممثلا للدولة ) يتولى الإدارة و التطبيق ، و هذا الحاكم يختاره الناس بالطريقة التي يرتضونها لان امرهم شورى و ليس رجل دين لأنه لا كهنوت من الأساس و لا سلطان لحملة الدين و المحاكمات يجريها قضاة عدول و تستلزم شهودا او بالتلبس او الإعتراف و لا تؤخذ بالشبهات فلا مجال و لا مكان للفوضى . اما امور العبادة ، فكلٌ دينه و تقواه لنفسه ،  فصلاته و صيامه و عباداته و نواياه لا سلطان لاحد فيها عليه ، و لم يفرض الله تعالى على ترك العبادات في كتابه العزيز من عقوبات و لا على النوايا ، فلا وجود في ديننا لمحاكم التفتيش فالرسول يقول : إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس , ولا أشق بطونهم ”  ،  و في هذا سبق للعالم المتقدم بسنين في الفصل بين امور العبادة التي هي لله وحده و لا حدود عليها و هو الذي يجزي بها ، و شؤون الدنيا المتعلقة بمصالح البشر و كل ما استوجب العقوبة  او الحد ، دين جعل امور الدنيا للناس في عبارة مفتوحة ( انتم اعلم بشؤون دنياكم ) و هذا في نظري اقرب ما يكون للعَلمنة ، الذي جعل عمر بن الخطاب يوقف حدا و يحتسب طلقة واحدة بثلاث حين احس سوء استخدام الرخص تأديبا للناس كما غير حد السكر و كان مستوحى من حد البلاغ الكاذب في رمي المحصنات و ابطل نفس الحد لفساد الدليل ( التجسس ) ، و لا احد يجيبني هذا لأنه عمر فكلهم صحابة و كلهم ثلة الأولين احباء النبي و اصحابه و انما اختيار عمر و ليس غيره لأنه رجل حكم و دولة و لذلك كان هو ” عمر ” عمر الذي حدد اقامة الصحابة في المدينة بقرار سياسي دنيوي لم يفرضه القرآن كي لا يفتتن بهم الناس فيختلط ما هو ديني و ما هو دنيوي فتفسد التجارة و يفسد القضاء و يفسد الحكم ،  لا ابالغ حين اقول أن كان لرسالة  الإسلام الريادة في فصل ما هو دنيوي عما هو ديني في مثال رائع للعلمنة ، الدين الذي يقول ” ان الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئين و النصارى و المجوس و الذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شئ شهيدا ” في نظري يعني علمانية الحكم و الفصل بين ماهو دنيوي و هو للناس عامة تحكم فيه و تديره و ما هو ازلي لله وحده ، و ان لم يكن كذلك فماذا يكون ؟
 الرسول الذي يتزوج و ينجب من امرأة ليست على دينه تاركا لها كل الحق في الإعتقاد و العبادة ، و يكون حِبُه و سنده و راعيه و حاميه ابا طالب الرجل الذي مات على كفره ،  الرسول الذي يعقد صلحا مع الكفار و معاهدة مع اليهود ، يعاملهم يشتري منهم و يبيعهم ، يقترض منهم و يقرضهم ، يمرض فيختار ان يعالجه الطبيب اليهودي بدلا من المسلم لأنه الأطب ، و يختار هو و صاحبه دليلا كافرا في هجرتهما لانه الأعلم بالطريق ، الرسول الذي حين سئل يوم بدر ” اهو الوحي ام الرأي و المشورة ” قال بل الرأي و المشورة ” ونزل على رأي اصحابه ، الذي نزل على رأي سلمان ؛ لسابق خبرته ؛ يوم الخندق ، من يفعل هذا لهو رسول يطبق العلمانية ام ماذا يكون ؟ و يهزم المسلمون و فيهم رسول الله واقفا بينهم يحارب بسيفه لما اخطأوا في أُحُد ، في رسالة مفادها ” في الحياة الدنيا الجزاء على قدر العمل لا على قدر الصلاح ان اجدتم نجحتم و ان قصرتم اخفقتم فدنيا الواقع لا تفاضل بين الناس حسب دينهم و انما اجتهادهم في رسالة في نظري في منتهى العَلمانية ، ام ماذا نسمي هذا ؟  ثم ان الدين الذي يتشارك فيه كفار مكة و المسلمين الحرب على الروم و الفرس على اساسٍ من المواطنة لَيؤكد ان الدين لله وحده و انما الوطن و الدنيا للجميع ، اليس المعنى الذي يجسده هو مقصد العلمانية ؟ و لا اقصد ما دخل على حياة المسلمين و حالهم بعد النبي ! فقد تبدل الحال .    
كما لست اشك ابدا في ان ديننا دين عِلماني ( من العِلم ) بإمتياز ،  أحب العلم و حث عليه ، فهو دين تام لا يخشى العلم و لا ينبغي له هو لا يناصب العلم العداء ، فحين فعلت الكنيسة بجاليليو جاليلي و نيقولاس  كوبرنيكوس ( اذ عارضا رواية التوراة في امساك الشمس عن الدوران حول الأرض اربعا و عشرين ساعة  كي يتمم يشوع قتاله لأن العلم اثبت ان ما يحدث العكس فالارض هي التي تدور حول الشمس على خلاف رواية التوراة ) لم يُفْعَل في نصير الدين الطوسي لما سبقهما لما قالا فلم ينل منه احد و لم يكفره احد ذلك لأن كتابنا فعلا لا يخالف علما فكلامه يحتمل العلم فيحمله و لا ينوء به ، و هذا سر اعجازه و اعجاز الإسلام الذي امرنا بالعلم امرا ، و لكن يفعل الجهلاء حين يفسرون الآيات على غير مراد الرحمن ، و كم يطيب لي ذكر حديث رسول الله عليه افضل الصلوات و هو يحثنا على طلب العلم  ” اطلبوا العلم و لو في الصين ” و هذا الأمر ليس فقط كناية عن البعد فأكم من معنى تحمله كلمة ” الصين ” بالتحديد ، لأني لا أظن ابدا ان العلم الذي امرنا الرسول الكريم بطلبه في الصين هو علم الدين . 
 و لكننا الآن نجد رجالاً ينسبون انفسهم للدين  يفتون في العلم ، يحرمون هذا و يحلون هذا بفتاوى في اشياء ليس لهم بها علم !
و على الرغم من الأمثلة الحافلة ، تنافس المتنافسون منذ مئات السنين ليصنعوا لهذا الدين الذي لا يعرف كهنوتا كهنوتا و كهنة و رجال دين يستخدمونهم في اغراضهم ، يفتون في كل العلوم حتى الطب و الكيمياء و الفيزياء بما لم ينزل الله و يفتشون في الضمائر و النوايا و يكفرون الناس و يصطنعون تهما ما انزل الله بها من سلطان فيحلون الدماء و يزكون انفسهم على الله يبغون عرض الحياة الدنيا هم و الحكام الذين رعوا وجودهم على مر التاريخ  يرسخون لهم ملكهم على حساب سمعة الإسلام . 
و اخيرا يا ايها المسلمون ارجوكم ارجوكم اطلبوا العلم كل العلم علوم الحياة و الدنيا و لو من الصينيين او من الغربيين او من ايٍ من العالميين ما كانوا اولي علم ! 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *