أخبار عاجلة

د. مصطفى شاهين يكتب.. “شعور الحب في نهار رمضان لا يفطر ولا يبطل ولكن..!!”

قد يتعرض من يكتب في الدقائق والرقائق إلى سُخط العامة ؛ لأنهم لا طاقة لهم على إدراك الدقائق والرقائق ، وحتى بعد أن يدركهم حكيمٌ إياها ، تجدهم لا صبر لهم على أن يتحملوها . وقد يتعرض إلى نقد الخاصة حين يجتهد ويخطئ فيقوموا خطأه بصحيح آرائهم ، لكن خاصة الخاصة لا يسخطون ولا ينقدون لأنهم يحسون ويشعرون ثم يعذرون  . وإن مجرد تناول هذا الموضوع والكلام فيه بغض النظر عما ينتهي الرأي إليه ، رغم أهميته لما يحتويه ، سيثير إشكالات وتساؤلات ، وربما اتهامات . ولكن حسبنا أن نلقي ضوء فكر عقلي معاصر على أمر ( شعوري جوّاني ) يختلج في نفوس صائمة تسعى لأن يستقيم شعورها ويتسق فعلها ، وتخشى أن ينتكس حالها ويتشتت مآلها بين مطلق إحساسها أو شعورها وترجمة أقوالها وأفعالها وفق رغباتها ، في ظل أدائها لفريضة صيامها
والبداية في هذا الموضوع سؤال من ( مُحِبّة ) عن حالها الوجداني الشعوري في ( نهار رمضان ) نحو ( محبوبها ) البعيد مكانيا عنها : فهي أحيانا تفكير فيه ، وتجد نفسها مشغولة به أو عليه ، فهل هذا التفكير مفطر أو مبطل لصيامها باعتبار مسئوليتها عنه وقدرتها على دفعه ؟ أم أنها معفية من المسئولية عنه باعتباره لم يخرج عن مكنون النفس ومن ثم ليست مؤاخذة عليه ؟ إنها تتحدث فقط عن مجرد الشعور الوجداني الجواني الذي دون أن تدري قد يعتريها ، وفجأة أحيانا قد يهجم هذا الشعور عليها ، فتجد نفسها تفكر في محبوبها لحظات قد تدعو له فيها . وهي واقفة فقط عند مجرد هذا الشعور ، ولم ترتب عليه أقوالا أو تحوّله أفعالا . والحقيقة أن هذا الشعور قد يكون موجودا لدى الكثيرين من الصائمين من أقرانها وغير أقرانها 
يمكن القول إن أهم فعل للنفس الإنسانية هو أن تدرك حقيقة ما بها ، و تحاول أن تقيّم حالها ، ثم تسعى في إصلاح شأنها ، في إطار تدينها وقيمها وأخلاقها وتربية تنشئتها . ومما يمكن أن تدركه النفس في هذا الحال الشعوري والتصرف فيه ، هو أن تميز بين ثلاث مراحل : المرحلة الأولى : حال شعورها الحبي قبل رمضان . والمرحلة الثانية : حال شعورها في رمضان ما بين نهاره وليله . والمرحلة الثالثة : شعورها بعد انقضاء رمضان وفي العيد بصفة خاصة . وقد لا تشغلنا كثيرا هنا المرحلة الأولى لأنها قبل شعور الصائم السائل عن حاله في رمضان . وقد تشغلنا إلى حد ما المرحلة الثالثة ؛ لأنها مترتبة على شعور الصائم السائل عن حاله في رمضان . لكن ما يشغلنا هنا حقيقة هي المرحلة الثانية حيث يسأل الصائم فيها وبخاصة في نهارها عن حاله الشعوري وما يجب عليه أو بالأصح ما يمكن أن يقدر عليه إزاء شعوره الوجداني الحبي وهو صائم
و يمكننا أن نقول باطمئنان إنه ليس عيبا في الذات ولا نقصا في الأخلاق ولا قلة في التدين ولا بطلانا للصيام ولا فطرا فيه ، أن يقر المُحب بينه وبين نفسه بشعوره نحو محبوبه وهو صائم ، بل ويدعو له وهو صائم أن يجمع الله بينهما بالزواج ، وقد قال النبي الأكرم بإطلاق ( لم يُر للمتحابين مثل النكاح ) أي ليس للمتحابين علاجا مثل علاج الزواج . وإن الوقوف عند هذا ( الإقرار الشعوري فقط ) لا ملامة لنفس الصائم عليه ، ولا يبطل به صيامها فضلا عن أن يكون سببا لزعم الإفطار . لكن العيب والنقص قد يحدث حين ينتقل المحب أو محبوبه بهذا الشعور من حالة الإقرار الجوّاني إلى حالة الإظهار العلني بالتعبير قولا كان أم فعلا ، فتلك الأقوال والأفعال المخالفة لا تتفق مع أخلاقيات الصيام وقد تنقص من ثوابه ، بل قد تبطله أصلا . هذا فيما يخص محبين قبل الزواج . أما الزوجان المحبان فحالهما له مقال و شأن آخر
نقول بتأكيد إنه يجب على الصائم المحب أن يدفع نفسه قدر الطاقة على أن يتوقف وهو صائم بشعوره الحبي عند حالته الجوانية ، ولا يتعداها بالتعبير قولا أو فعلا . والأهم أنه يجب عليه أن يكون في هذا التوقف ( متيقنا ومسلما وراضيا ) بحاله ، دون شحن زائد للنفس قد يخلق حالة عكسية قد تزيد من شعوره هذا وتدفعه إلى التعبير عنها بتطرف زائد عن الحد عند انتهاء الصيام سواء في بالليل بعد انقضاء النهار ، أو في العيد بعد انقضاء شهر رمضان كله . وهذا ( الشحن الشعوري الزائد ) ، أو ( محاولة كبته دون وعي بحقيقته ) في نهار رمضان ، قد يفسر لنا حالة ( الانفلات الأخلاقي ) الواضحة لدى كثير من الشباب وبعض الكبار في ليالي رمضان ، ثم في أيام العيد
وقد يبدو السؤال هنا مُستغربا ، رغم أنه مُلِحّ ويحتاج إلى تأمل عميق وتفسير شامل ، وهو : لماذا يزداد شعور الحب الجواني في نهار رمضان وتزداد مخالفاته الظاهرة في لياليه وفي عيده ؟ ثم هل يعقل أن تتحول صلاة التراويح في رمضان لدى النساء إلى سوق نخاسة لعرض بضاعة الخطوبة المزعومة أنها ستكون في العيد ؟ قد يكون ذلك لأن الممنوع مرغوب ، لكن أين دور النفس ( الصائمة السوية ) في عدم الانجرار وراء المرغوب ممنوعا ؟ وقد يكون ذلك بسبب انتهاء ( الحبس الصيامي ) للنفس عن رغباتها نهارا وشهرا ، لكن أين دور النفس الصائمة السوية في إقرارها بقبول هذا الحبس برضا وطاعة لله دون جبر أو إكراه ؟ وقد يكون ذلك بسبب ضياع الحدود في النفس بين الجواني الوجداني والخارجي الفعلي ، لكن لو أدركت النفس الصائمة السوية حدود الوقوف عند مقتضيات الشعور الوجداني الجواني في الصيام ، ما تعدته إلى سوء الفعل الخارجي الظاهري أثناء نهار وليل الصيام أو بعد انقضاء شهر الصيام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *