أخبار عاجلة

إبراهيم الصياد يكتب… “العلاقة بين السياسة ومهنة الإعلام…!!”

هناك خلط في المفاهيم لدى بعض الإعلاميين عند مناقشة أبعاد العلاقة بين الإعلام والسياسة ومن بين هذه الأبعاد العلاقة بين العمل السياسي ومهنة الإعلام فهناك من يتصور ان من اساسيات العمل في الوظائف الاعلامية ان يكون الاعلامي مسيسا وهذا خطأ جسيم لان مجال العمل السياسي ليس مجالة الاذاعة أو التليفزيون أو حتى في الصحافة المقروءة أو الاليكترونية .
إنما العمل السياسي يكون في المؤسسات السياسية كالاحزاب والبرلمان او دوائر صنع واتخاذ القرار في السلطة التنفيذية وعلى سبيل المثال لم يكن دور المذيع او مقدم البرامج ابدا ان يتحول على الشاشة الى ناشط سياسي او حقوقي ومن يفعل ذلك يخرج عن مهمته الاعلامية التي تتحول الى مهمة دعائية .
ولذلك نجد خلطا واضحا بين مفهومي الدعاية والإعلام لدرجة ان البعض لا يفرق بينهما رغم ان الدعاية هي نقل رأي او فكرة بعينها الى المتلقي لتوجيهه سياسيا لسلوك نهج معين يتفق ومايريده القائم بالعملية الدعائية كأن يتبنى المذيع برنامجا انتخابيا او حزبيا يعمل على نشره من خلال الوسائط المتاحة له .
وهنا يصبح هذا المذيع مقولبا او ايديولوجيا وعليه لا يكون الاعلامي ملتزما او خاضعا للقيم التحريرية المتعارف عليها في مهنة الاعلام مثل الحيادية والموضوعية والعدالة والإنصاف والدقة والمحاسبة والمصلحة العامة .
أما مفهوم الإعلام هو نقل رسالة تتنوع بين الرأي والخبر دون تبني وجهة نظر بعينها حتى ولو كان الناقل للرسالة الإعلامية في داخل نفسه يعتنق فكرا او مذهبا سياسيا من منطلق ان اعتناق الافكار والمذاهب حق انساني طالما ان مثل هذه الافكار والمذاهب لا تخرج عن الاطار او النسق القيمي والاخلاقي للمجتمع بمعنى ان الاعلامي المهني لابد ان يلتزم بالقيم المشار اليها حتى ولو بشكل نسبي و في اطار ترتيب للأولويات يختلف من اعلامي الى اخر .
لكن في النهاية هناك اطار مرجعي من القيم يحكم ممارسة عمله سواء كان مذيعا او محررا او مراسلا اذن الاعلام ليس توجيها او ارشادا سياسيا لكنه عملية بناء متكاملة للفكر الانساني من خلال التثقيف او التنوير والإخبار و الترفيه .
واتصور أن الاعلامي لابد أن يطلع على اخر التطورات والمستجدات ويتابع الأحداث الجارية على الأصعدة كافة سياسية او اقتصادية او اجتماعية او ثقافية او فنية او رياضية كما يجب ان يكون ملما بالتطورات الاقليمية والدولية من نزاعات وحروب ومشكلات بين الدول بعبارة اخرى على الاعلامي ان يكون مثقفا و مدركا لما يحيط به في الفضاءات المختلفة .
لكن ليس معنى هذا انه يعمل في السياسة لان العمل السياسي يتطلب الخروج عن دائرة الحيادية والموضوعية ويجعله دائما في موقع المدافع عن أفكار ايديولوجية محددة وهنا ينتقل من موقع الاعلامي الى موقع الدعائي وتاريخيا لم يكن هذا النوع من الاداء الدعائي منتشرا الا مع المانيا النازية وخلال فترة الحكم الشيوعي
فيما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي والدول الشرقية ابان الحرب البارده بعد الحرب العالمية الثانية حتى سقوط النظم الشيوعية من نهاية ثمانينات القرن الماضي وحتى في دول العالم الثالث كانت نظم الحكم الشمولية تفضل الدعاية على الاعلام !!
من هنا نرى ان العلاقة بين الاعلامي والسياسة هي علاقة معرفية وليست علاقة ممارسة بمعنى ان الاعلامي يعرف سياسة ولا يسيس عمله سواء امام الكاميرا او الميكروفون ولهذا مانراه في برامج كثيرة بالقنوات الفضائية يخرج من حيز الاعلام الى حيز الدعاية لان المذيع او مقدم البرنامج يعتبر نفسه مسيسا ويتحول الى داعية سياسية ولهذا ليس غريبا ان نجد اعلاميين يتحدثون بالساعات وحدهم في برامجهم ويستنكرون آراء من يخالفونهم !!
ولاشك ان هذا التوجه يخالف القيم والأعراف الديموقراطية التي تؤكد على ان الساحة الاعلامية يجب ان تكون مفتوحة لكل الاراء والاتجاهات السياسية التي تصب جميعها في مصب واحد هو خدمة المجتمع وحل مشكلاته وبناء مستقبله وحتى الخلاف في الرأي سيفتح المجال لافكار بناءة وآراء جديده .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *