عذراً معلمى .. تعددت الأسباب والسحل واحد

“من علمني حرفاً، كنت له عبداً” مقوله مصرية يسموا بها معلمى إلى المراتب العليا، تُذّكرنى دائماً بوجوب الإمتنان والشكر لكل من خط بيده كلمات ساهمت فى إنارة طريقى . 
تتوالى الأيام ومازلت أتذكر كلمات غرسها معلمى فى عقلى وقلبى ، حتى أنى كلما رأيت معلمى يمر أمامى تذكرت كلمات الشاعر أحمد شوقى” قم للمعلم وفه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا” ، حتى أنى حينما أرى معلمى يمر بأحد شوارع قريتى ، أجُدنى فى قمة الفرح والسعادة ، أجرى اليه مسرعاً حتى أصافح يده التى خطت ورسمت طريقى للنور ، وعلمتنى أن مصر هى الأم ، تلك الأيادى التى علمتنى أن مصر ستزال فى رباط إلى يوم الدين ، وأجد نفسى أنحنى تعظيماً كلما رأيت أحد معلمينى ، أولئك الذين علمونى أن أحترم أهلى ووطنى ومقدساته .

تمر الأيام بنا حتى وصلنا إلى ما بعد ثورة التحرير، ويبقى المعلم هو الرائد والمنار فهو استاذ من أصبح زعيماً او قائداً او مخترعاً عظيماً يقود مواكب النور ، لكن للأسف الشديد أصبح المعلم يُهان وتُداس كرامته بل وفقد قيمته على يد من علمهم وقام بتربيتهم ، فأجدنى أتذكر بعض أشطار من أبيات ذكره شوقى فى قصديته قم للمعلم ” الجهل لا تحيا عليه جماعة ” ، وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم ، فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمـــاً وَعَـــــويــــلا ” 

كلمات جعلتنى أشعر بنوع من الغيرة وأخذتنى غيرتى الصعيدية ، وتعالت بأصوات تنزفُ بالدم وسط وريقات مملؤة بالحسرة ، مستنكرة لما حدث لمعلمى بعد ثورة التحرر من الديكتاتورية ، وقد خرج مطالباً بحقه الشرعى فى الحياة الكريمة . 

أتذكر جيداً ما رأيته بعينى رأسى حين خرج المعلمين المتعاقدين مطالبين بالتثبيت ، وشاهدت تجاهل الأفاضل لهم بعد أن أثلجتهم برودة التكييفات ، أصابتهم بالبلادة ، حتى أنهم خافوا على أنفسهم من الوقوف بضع دقائق يتحاورا فيها مع معلمين جاءوا من شتى البقاع تحرقهم حرارة الشمس ، هاتفين ” التثبيت ، التثبيت” . 

أصابنى نوع من الحزن الشديد للتجاهل المميت الذى تعرض له معلمين أسيوط المتعاقدين ، رجعوا إلى منازلهم متواعدين بالخروج مرة أخرى إلى من إعتقدوا فيهم أنهم ” بلسم القلب ” ، هتفوا أمام ديوان المحافظة ، لم يعبأ بهتفاتهم ، رجعوا مرة أخرى وكلهم خيبة وحسرة ، كاظمين غيظهم ، متجرعين قطرات الصبر ، وفى طريقهم للعودة ، عاد الديكتاتور الجبان يمارس هويته ، ويلاحق المعلمين حتى أنه زج بهم فى غيابات السجون ، ثأرت ثورة المعلمين ، كيف يُزج بإخواننا فى السجون ؟ ، تضامنت معهم الحركات السياسية غيرة منهم على ما أصابه معلميهم . وقف الجميع أمام ديوان الخديوا الإخوانى “كشك” ولم يلتفت إليهم طرفة عين ، تعالت الأصوات ، قُطعت الطرقات ، أُصيبت المدينة بالشلل ومازال الخديوا يحتسى جرعات الليمون المثلجة ، لببعد عن أذنيه صرخات ” التثبيت ” ويستريح من صوت الهتفاتات التى ظلت تطارده ، جاء الأمن ويداه ترتعشان ، وبيد الخوف وعصى الجبن أخذ يضرب ” معلمه ” وكأنه يرد الجميل .

كر ُوفر الجميع ، جاءت صاحبة الجلالة لُتنقل الصورة كما هى حتى يرى العالم ، أيدى الجبناء وهى تتطاول وتتعالى على من خرج يطالب ، ولم يعبأ به أحد ، ولكن لم تعلم ” دعاء ” أن الجبناء تمتد أيدهم لتنال من شرفها وتُمزق سترها ، وتهتك عرضها ، وتحبس حرية كلماتها وتزج بها ورفقئها فى غيابات السجون . 

معلمون يُطالبون ، يُسحلون ، يُقذفون ، يُحبسون، يُلطون على وجوههم ، إعلاميون تُكمم أفواههم ، وتُهتك حُرماتهم ، كر وفر وهتك للكرامات ، وكشف ستر المعلمات . 

سيادة المسئول ، هلا قمت من مجلسك وشاركت وممدت يد العون لمعلمك ،وحاولت وضح حل لمعاناته ، إلى متى يا سيادة الفاضل ، تُعلق معطفك على شماعات الأخرين ، ألم يكن من الأحرى والأجدر أن تكون بمنئى عن كل تلك الإحتجاجات والتظاهرات ؟ ، ألم تعلم أيها “الإخوانى ” أنك راع ومسئول عن رعيتك ؟ تناسيت أنك أتيت لتطبيق شرع الله ، فهلا آن الآوان أن تخرج من القصر الملكى ، لتقضى حوائج الناس ، والله لوخرجت ما تظاهر عليك أحد ، وما إحتج عليك أحد ، وما خاصمك عند الله أحد .
عذراً معلمى …. عذراً صاحبة الجلالة … عذراً ثورتى … فقد تبلدت المشاعر ، وتعدد الأسباب والسحل وأحد .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *