أخبار عاجلة

د.سيد نافع يكتب… “الفطرة والسلوك الفطري..”

ما الفرق بين الفطرة والغريزة والعقل ؟ وبالتالي السلوك الفطري والغريزي والعقلي
قال تعالي ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) الروم30
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال ( كل مولود يولد علي الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتي تكونوا أنتم تجدعونها )
ثم قرأ أبو هريرة قوله تعالي ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) .
وفي لفظ آخر يقول صلي الله عليه وسلم ( ما من مولود إلا علي هذه الملة حتي يعرب غنه لسانه ) ،
فما هي الفطرة ؟ ولماذا قال تبارك وتعالي لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ؟
الفطرة هي الدين والملة والتي تعني ملة الإسلام كما فسره ابن شهاب راوي الحديث في الصحيحين من رواية ابن معاوية عنه ، واستشهاد أبو هريرة بالآية في الحديث يدل علي ذلك وذكروا عن عكرمة ومجاهد والحسن وإبراهيم والضحاك وقتادة في قوله تعالي ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) قالوا دين الله الإسلام وأجمع أهل التأويل والتفسير عليه .
فالإسلام هو دين الفطرة السليمة ، لذلك وصف الإسلام بالحنفية لأن الحنيف في كلام العرب هو المستقيم ، وعن الحسن الحنفية حج البيت وكذلك جاء عن الضحاك والسدي حنفاء أي حجاجاً وهي من شعائر الإسلام .
وقوله صلي الله عليه وسلم ( فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ) أي يكونوا سبباً في تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، وهذا يوضح أثر البيئة علي تغيير فطرة وسلوك الإنسان لكن إلي حين حتي يعرب عنه لسانه أي حتي يعقل ويعي الصواب من الخطأ ولا يصح الاحتجاج بعده بأثر البيئة ، ففي الحديث الثاني حددها الرسول إلي مرحلة التمييز والنضج العقلي فقال صلي الله عليه وسلم حتي يعرب غنه لسانه , ويصله العلم الصحيح .
وشبه الرسول هذا التغيير في الفطرة بمثال مادي مفهوم فالبهيمة تولد مجتمعة الخلق سليمة البنيان لا نقص فيها ثم تجدع وتخصي بعد ذلك فعلم أن التغيير وارد علي الفطرة السليمة التي خلق الناس عليها وسببها البيئة ممثلة في الأبوين وكذلك الشياطين وإتباع الناس لهم ففي صحيح مسلم فيما يرويه النبي عن ربه قال : قال الله تعالي ( خلقت عبادي حنفاء كلهم فاختالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً )
– وروي الإمام أحمد في مسنده من حديث الأسود بن سريع قال : بعث النبي سرية فأفضي بهم القتل إلي الذرية ، فقال لهم النبي : ما حملكم علي قتل الذرية ؟ قالوا : يا رسول الله أليسوا أولاد المشركين ؟ ، قال : أوليس خياركم أولاد المشركين ؟ ثم قام النبي خطيباً فقال : ألا إن كل مولود يولد علي الفطرة حتي يعرب عنه لسانه
فقد يكون في علم الله أنهم لو بقوا لآمنوا فهو سبحانه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن وهذا هو المقصود بقوله تعالي ( إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) الأنعام95
ويدل علي ذلك قوله تعالي : ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) الأنعام122 والميت هو الضال الكافر ، والحي هو المؤمن ينير الله قلبه وبصيرته وهذه الصورة معنوية تخص القلب ، والله أعلم
وهناك صورة أخري لكنها حسية وهي في تفسير الجلالين : إن الله فالق أي شاق الحب و النوى فيخرج منه النبات والنخل ، يُخْرِجُ الْحَيَّ كالإنسان والطائر مِنَ الْمَيِّتِ كالنطفة والبيضة ، ومخرج الميت كالنطفة والبيضة من الحي كالإنسان والطائر (ذلكم الله فأنى تؤفكون) فكيف تصرفون عن الإيمان به مع قيام البرهان .
وشبه رسول الله تغيير الفطرة بجدع البهيمة الجمعاء السليمة ، وشبهت الفطرة باللبن ويؤول اللبن بالفطرة في الرؤيا ، فرسول الله عندما عرض عليه اللبن والخمر ليلة الإسراء أخذ اللبن فقيل له أخذت الفطرة ولو أخذت الخمر لغوت أمتك ، فمناسبة اللبن للبدن وصلاحه كما للفطرة من صلاح القلب واستقامته فصلاح القلب لا يكون إلا بها .
وجاء في التفاسير في قوله تعالي لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ قالوا لدين الله ، وتغيير الفطرة هو المقصود بالدين ، أما تغيير الخلق فشيئ آخر جاء النهي عنه وهو جدع الأذن أي شقها وكذلك الخصي فهذا تغيير في البنية والشكل وهو منهي عنه .
قال ابن نجيح عن مجاهد لا تبديل لخلق الله أي لدين الله ، ثم ذكر أن مجاهد أرسل إلي عكرمة يسأله فقال هو الخصي ، قال مجاهد أخطأ إنما هو الدين ، والحقيقة ما أخطأ عكرمة ، فعن ابن عباس أيضاً (الخصا) ،
والحديث يبين أن تغيير الشكل والبنية في مخلوقات الله هو ضد الفطرة السليمة ومثالها الجدع والخصي ( لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) والتبديل والتغيير هنا يشمل سنة الله في خلقة كاستنساخ البشر الكامل فهو تغير في السنة الكونية التزاوجية التي يأتي منها الإنسان ليكون له أم وأب وأسرة وعائلة ونسب
والفطرة التي يولد عليها الإنسان نتيجة ميثاق الله علي بني البشر حين جمعهم قبل خلقهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي فكل انسان تجد في داخلة صوت الحق وهو الضمير الحي لكن قد يميته الإنسان باماتته لقلبه بكبره وعناده ومغالاته في الذنوب والمعاصي وبمعاداته لله ورسوله
فالفطرة والسلوك الفطري هي سلامة الطبع والاستقامة علي شرع الله وهو سلوك تجده في البشر والغريزة والسلوك الغريزي هي ليقاء النوع وهو في البشر والحيوان والسلوك العقلي هو لتهذيب الغريزة وجعلها تتماشي مع منهج الله وهو ما يميز البشر في حال سلامة الفطرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *