أخبار عاجلة

أيمن رفعت المحجوب يكتب… “عفواً أرسطو.. رئيسنا منا”

قال الفيلسوف ارسطو عن بنى ادم انه”خلقت بعض الشعوب لتكون حاكمة وخلقت بعض الشعوب لتكون محكومة” ، وانى ارى ان اشعب المصرى كان قد عان لفترات طويلة من أن يكون محكوماً حتى ولو من الداخل بطريقة غير ديمقراطية في حرية الاختيار على كل المستويات، واخيرا فقد اختار المصري بحرية وديمقراطية كاملة من يحكمه من المصريين هذه المرة. دون أي ضغوط أو ابتزاز أو نفاق ورياء. ياء.
و إذا اعتبرنا أنفسنا ( بعد ثورتين ) نتمتع بالحريات العامة و الخاصة ، و أمن كل فرد على إستثماراته و نتاج جهده و عمله من تعدي الحاكم وأعوانه ( كما كان في الماضي البعيد أو القريب ) ، وتأكد له أنه سيحصل على النتيجة المناسبة لكفاءته مثلنا في ذلك مثل البلاد الحرة المتقدمة، إذا اعتبرنا أنفسنا كذلك ، تكون صفة ” الرياء ” وسيلة عقيمة في الغالب الأعم ، بل يكون ذلك الرياء مسبّة لا مكرمة للحريات العامة والشخصية. لأن بني آدم لم يجنحوا إلى هذه الرذيلة إلا ليدفعوا عن أنفسهم بطش القاهر وتعديه عليهم ، فإذا أمنوا ذلك البطش والتعدي ، وهو ما يفترض أن يتحقق ، كان المرآءون الباقون منهم ، كمن يأتي الرياء حباً في الرياء ، لا وسيلة للنجاة ، وهم في مصر كثير لقلة الحيلة ولقلة الكفاءة .
وعليه نظن أن أرسطو قد أخذ هذه القاعدة سابقة الذكر من ملاحظته الشخصية لأخلاق قومه واخلاق جيرانهم . وهذه الملاحظة ، لا تكفي وحدها لتقرير قاعدة عامة ، مثل هذه القاعدة البغضاء ، لذلك نقول أن الله فطر الناس على فطرة واحدة , او متقاربة الفروق جداً ، بحيث لا يترتب على التفاضل بينهما أحكام متخالفة وأنهم جميعاً قد فطروا على الحرية الشخصية والأنانية ، فمن أين لهم إذن رذيلة الرياء ؟
و قد كنا نرى الرياء في مصر بشكل مرض من أمراض النفس التي لضعفها لا تثق بأن لها وجوداً مستقلاً ، يهولها أمر مستقبلها الدنيوي ، يوحشها ألا تعتمد في حياتها على نفوس كثيرة ، تتخذها أرباباً لها وحياة لبقائها يخيفها أن يبيت زيد غضبان منها ، أو عبيد حاسداً لها من ذوي أقارب السلطة الحاكمة .
هذا المرض إذا لم يعالج بالتربية مع الرئيس الجديد و اعوانة الذى يجب ان يكونا مخلصين لمصر شرفاء، تتضاعف أعراضه شيئاً فشيئاً مرة أخرى بين بعض الناس في الشعب المصري ، حتى تموت في النفس خاصة الذاتية ، خاصة الشخصية ، خاصة أن يقول الانسان ” أنا ” تلك الخاصة التي هي ضرورية لسلامته ، لازمة لأن تجعل منه ذاتاً تامة ، صالحة للدخول في تكوين أمة سليمة قوية ، واعية للحرية والاستقلال ، مفرزة للكوادر القيادية ممن يجب أن يتحملوا المسئولية الوطنية في المستقبل القريب من شباب مصر.
ولكن متى انعدمت هذه الخاصة ، خاصة الشخصية في رجل أو امرأة ، وصارت ذاته تتراوح بين الذوات الأخرى يسلم في مصلحته لارضائهما ، ويسلم في ماله لارضائهما ، ويسلم في رأيه من غير اقتناع لارضائهما ، ويتهاون في حق قومه ووطنه لارضائهما ، فذلك انسان قد مات وانقطع وجوده ، وأصبح من الحمق أن يعد على أمته فرداً ، يوم الاحصاء. بل هو أضر على الأمة من الميت ، لأن الميت تموت معه أمراضه ، فلا تصل عدواها إلى غيره. ولكن بقاء هذا المريض ، ينقل داءه إلى أبنائه وأزواجه ومن لهم بهم اتصال من النفوس البريئة التي وضعها سوء الطالع تحت عنايته أو رعايته.
قالوا في المثل السائد عن ألسنة العوام ” أعوذ بالله من قوله أنا ” ، إلى هذا الحد هو مثل حسن ، فينطبق على فضيلة التواضع ، وفضيلة الرفعة جميعاً. اما إذا خرج معنى هذا المثل عن ذلك الحد ، إلى درجة أن الانسان يجب أن يميت في نفسه الشخصية ، في موقف غير موقف الخشوع الى الله الأكبر ، كان هذا المثل المنتشر مرضاً هو أيضاً يجب استئصاله ومحوه من حوافظ التراث.
وأخيراً فعلاج الرياء في الصغر التربية ، وفي الكبر الموعظة الحسنة ، وأبلغ ما تكون الموعظة ، الأعراض عن المرائي ، وجعله يلمس بيده نتائج ريائة السيئة. فعفواً لأرسطو ، ما زال هناك وقت أمام المصريين بعد ثوراتهم على كل اشكال الفساد , لقتل المرض لا قتل النفوسٍ فنحن لسنا مثلكم أو مثل جيرانكم. و على الرئيس الجديد و رجالة حذف كلمة ” الرياء ” من قاموس عملهم لمصلحة مصر الجديدة. واقولها مرة اخرى ان تحصيل الكفاءة لا يأتى الا بالمجموع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *