أخبار عاجلة
الكاتب الصحفي - محمود عابدين

محمود عابدين يكتب… الواحات البحرية.. أمل مصر السياحي الصاعد

ولأنني – كغيري كثيرين – أعشق تاريخ بلدي العريق وحضارتها المتفردة، فكان ضروريا أن أزور أكبر عدد ممكن من أماكنها الأثرية التي شهدت أعظم وأقدم دولة في التاريخ، من الأماكن الأثرية المهمة التي زرتها بصحبة كوكبة من الزملاء الصحفيين تعدت الـ 40 صحافيًا، كانت الواحات البحرية معشوقة السائح الأجنبي.
بعد رحلة سفر طويلة من القاهرة إلى الواحات، وصلنا إلى أحد الفنادق الجميلة ذات الطابع الكلاسيكي أو ذات الطابع البدوي.. تسلمنا غرفنا ثم تناولنا وجبة غذاء بدوي أكثر من رائعة.. بعد ذلك اتجهنا لزيارة عدد لا بأس به من الأماكن الجذابة في الواحات.. والتي سنلقي عليها الضوء من خلال مقال لأخي وزميلي منظم وراعي الرحلة الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ. على القماش.
وحتى تتضح الصورة أكثر فأكثر، ففي بداية موسم شتاء من هذا العام، تمنيت زيارة الواحات البحرية لما سمعته عنها، ورأيته من صور جذابة لأماكن بعينها سيأتي الحديث عنها تباعا، وبعد زيارتي لها، زادت سعادتي بكل دقيقة قضيتها في الواحات وسط الزملاء الأعزاء ( الصحفيون ).
ملحوظة أخرى لابد من ذكرها، إن حياة البدو مختلفة كثيرا عن حياتنا في: المأكل، المشرب، فالإفطار مثلا عبارة عن: عسل، مربى، حلاوة طحينية، بيض، خبز.. أما وجبة الغذاء، تتكون من السلطات المختلفة، وذلك لأن الحياة في الصحراء تتطلب صعود وهبوط الجبال، وذلك لن نستطيع فعله إذا أكلنا وجبة دسمة، أما عن وجبة العشاء، فغالبا تكون: سلطة، شوربة، لحم، دجاج، خضراوات، مكرونة وغيرها العديد من الوصفات الشهية التي تنهي بها يومك لتستعد لغد أجمل في الصحراء، وقبل الخلود إلى النوم، نختتم اليوم بجلسة جماعية – نقاشية – موسيقية – وغنائية أكثر من رائعة داخل خيمة بدوية يقدم لنا الشاي مرة تلو الأخرى على نار بقايا خشب الأشجار الجافة.
وعلى الرغم من أن الرحلة كانت عدة أيام قليلة، إلا أنني شعرت بحالة من: السعادة، والصفاء الذهني منذ عودتي منها، أي ما يقرب من الشهرين وحتى الآن، في اليوم الأول قمنا بزيارة العديد من الأماكن مثل “جبل المغرفة، كما صعدنا أعلى قمة “جبل الدست”، أيضا اتجهنا إلى زيارة “البحيرات المالحة”، وتعجبت كثيرا من مظهرها وهي مجمدة ومكونة قطع من الملح، لقد كان الغروب فيها قد اقترب جدا، وانعكست أشعة الشمس عليها، مما جعل الصورة مختلفة تمامًا.
بعد ذلك اتجهنا إلى “جبل الإنجليز”، لنشاهد الواحات بأكملها، وكذلك الغروب من فوقه، فاتكوين الجبال مع الشفق كان له أثرا كبيرا في النفوس، أما اليوم الثاني، فكان فيه العديد من الأنشطة المختلفة والأكثر إمتاعا، حيث زرنا “الصحراء السوداء”، وهي منطقة البراكين، وتتكون من قطع سوداء مختلفة الأحجام من الجرانيت، وبالطبع تسلقت الجبل حيث المشهد الأكثر من رائع والهواء العليل من أعلاه، ومن ثم زرنا “جبل الكريستال”، حيث قطع الكريستال الخام التي يتشكل منها العديد من القطع الرائعة في ديكورات المنزل.
كما زرنا منطقة “العجبات أو العقبات” كما يسميها البعض، فكانت الزيارة كفيلة بأن تجعلنا نشعر بالراحة النفسية التي نبحث ويبحث عنها غيرنا، وبكل أمانة، كانت المنطقة كلها ذات طابع خاص وممتع، فا بمجرد رؤيتنا لتكوينات الجبال المختلفة، شعرنا بقمة السعادة، نضف إلى ذلك وجود متعة بمذاق خاص عندما سِرنا حفاة الأقدام على الرمال، حينها شعرنا باندماجك حقيقي مع الطبيعية بشكل لا يضاهى.
أما “الصحراء البيضاء”، فكان لها النصيب الأكبر من الرحلة، فهي تتكون من مجموعة صخور كثيرة ومختلفة الأحجام، حينما تراها في الصور تشعر وكأن العالم من حولك مغطى بالثلج! إذا قمت بالتركيز في الصخور من حولك، رصدت صخور على هيئة وجه أسد، وهيئة البومة، وأخرى على شكل إنسان، ومن ضمن لحظات السعادة التي غمرتنا، مقابلة الصديق الخلوق ابن الواحات الأستاذ الدكتور عبد السلام الواحاتي (أستاذ الإعلام بجامعات مصر)، الذي خصص وقتا مناسبا من وقته الثمين لمصاحبتنا واستضافتنا في مزرعته الجميلة، إنها حقا رحلة تستحق أن تتكرر، فالمبيت في فندق بدوى أو كلاسيكى بسيط، والاستراحة في بهوه وفضائه، وتحت أضواء النجوم، ومتابعة سلاسل الشمس والقمر الذهبية منذ الشروق وحتى الغروب، وتغير السماء، والتقاط الصور تحت ضوء القمر، مشاهد وأوقات وذكريات لا يوصف من جمال روعتها.
ولأن الأماكن السياحية في الواحات البحرية كثيرة جدا، ورائعة جدا جدا، وأيضا بحاجة إلى تسليط الضوء الإعلامي عليها داخليا وخارجيا حتى تنال السمعة العالمية التي تستحق، ولأنها تستحق منا – كصحفيين – بعد هذه الزيارة غير العادية لأرضها الساحرة، وجوها العليل، وأهلها الكرام، والوقوف على طبيعة ثرواتها ومكانتها الاستراتيجية، وأهميتها الاقتصادية سواء أكان ذلك في مجالات: الزراعة أو الثروة الحيوانية أو المعدنية أو السياحة أو…. فقد حرص جميعنا على الكتابة عنها كنوع ببوستات على صفحته الشخصية أو بمقالات من الترويج نظرا لأهميتها من ناحية الاقتصادية، ومن الناحية الأخرى تحفيزا لمن يرغب في قضاء إجازاته بأماكن ساحرة بها من وسائل الراحة والاستجمام ما يتمناه الكثيرين، ومن هؤلاء الكتاب – حسب ما أشرنا بعاليه – ما كتبه “القماش”، وهو بالمناسبة كاتب وطني كبير، يحث فيه أصحاب القرار ومسئولي الإعلام على الاهتمام بالواحات وأهلها، فيقول:
– لقد عرضنا صورا كثيرة توضح جمال المزارات السياحية في الواحات البحرية، وهو ما أثار التعجب من عدم معرفة الناس بها، حتى أنهم لا يفرقون بينها وبين الواحات الأخرى.. ولا يعرفون إلى أى محافظة تتبع.. أما أسباب تراجع السياحة بها فمنها:
– العيون الكبريتية التي تعالج الكثير من الأمراض، وتعد من أهم المزارات المتفردة، مظهرها متواضع وتحتاج إلى تطوير.. وكانت المفاجأة أنها تتبع إداريا لوزارة الري، وبالتالي تعجز وزارتي: السياحة والإدارة المحلية، وكذلك المحافظة ومجلس المدينة عن تطويرها سياحيا… !!
جبل الكريستال، والذى يتميز بأن حصاه مثل الكريستال المتواجد في النجف يكاد ينضب، فما فيه من كريستال مثل اللالئ، يأخذها الزوار معهم بكميات كبيرة دون حسيب أو رقيب، فلماذا لا يتم استغلال هذه الثروة بالشكل الصحيح سواء على المستوى السياحة، أو الصناعة، حيث يدخل في صناعة معجون الأسنان ومستحضرات التجميل….؟!
أيضا هناك الصحراء البيضاء التي تجذب السياح، وأصبحت الآن مكانا طاردا لهم لأسباب – كما يقال – أمنية، على الرغم من أن إلغاء قانون الطوارئ يعنى تحسن الأمن ، وعلى الأقل عندما يتحدث الإعلام، يجب عدم المبالغة التي تؤثر على السياحة.
“الصحراء السوداء”.. والتي تحتوي على ثروة معدنية ضخمة، بداية من خامات الحديد، والتي قيل أن شركة أوكرانية فازت بالتنقيب فيها ولا عزاء للشركات المصرية بعد مصرع شركة الحديد والصلب، والاستيلاء على مناجمها بالواحات…..!!
“الدست والمغرفة” والتى تعد من الأماكن السياحية الرائعة، لكن للأسف الشديد، ملقى بنفس المكان أكبر عدد من الحيوانات النافقة، ولا نعرف لماذا يُهمل مكان كهذا، علمًا بأن الحيوانات النافقة تجذب الحيوانات المفترسة مثل: الضباع وغيرها.
“وادى المومياوات الذهبية”، المكتشف منذ سنوات طويلة يتم افتتاحه بالتقسيط، إذ ظل مغلقًا إلى أن افتتحه المحافظ، ثم تم إغلاقه مرة أخرى فى نفس اليوم، وفى انتظار زيارة لرئيس الوزراء.
“قصر الثقافة”، المفترض فيه الحفاظ على التراث الثقافي للواحات، لكنه بلا موارد، حتى أنه لا يوجد به عامل نظافة واحد بالمبنى، أما أجور الفرقة، فالبروفة مقابل 18 جنيها….!!، والأجر فى العرض بمتوسط من 100 إلى 200 جنيه كل شهر….!!
لكل ما سبق، يجب القاء الضوء على تقدم عشر فنادق في هذه المنطقة بطلبات إغلاق وتغيير نشاط، والسبب يرجع إلى اتهام الاعلام بترديد مقولة “الإرهاب في الواحات”، وهى مقولة بها مبالغة، فليس معنى وقوع حادث إرهابي أو اثنان منذ سنوات، أن تظل الواحات موصومة بالإرهاب، فيهرب منها السياح والزوار….!!.. انتهى كلام صديقي “القماش”.
مقالات ودراسات وتقارير كثيرة لـ: أساتذة، دراسين، خبراء، وأهل اختصاص في السياحة والآثار، أعجبتني جدا عن الواحات وأهميتها: التاريخية، الجغرافية، الحضارية، الاستثمارية، البيئية و… تحديدا ما يخص الاكتشافات الأثرية بها، حيث صار هذا المكان – كما يؤكد صديقي الأثري الوطني د. حسين عبد البصير في مقال له – مهم جدا، بل وقبلة للسياح من مختلف أنحاء العالم نظرا لأنه من أهم المناطق الأثرية والسياحية في الأرض المصرية، بل يمكن وصفه على أنه “عروس صحراء مصر الغربية”، ولأنها ذات تاريخ ثرى وتطور طبيعي منذ أقدم العصور، وبه أجواء ساحرة ممهورة بتاريخ حضاري عريض، فضلا عن أن آثارها ومواقعها من أهم الآثار وأشهر المواقع بامتياز.
والحق يقال، الواحات البحرية منطقة سياحية مهمة للغاية، وهى أمل مصر في السياحة بالصحراء الغربية، خصوصا السياحات القصيرة، سياحة السفارى، السياحة البرية، السياحة الخدمية، الترفيهية، الجوية، الترانزيتو العلاجية التي تستغل المناظر الطبيعية في السياحة، خصوصا النفسية منها وغيرها، وبها مجالات عديدة من الحرف التقليدية والمقتنيات الأثرية والبيئية والصناعات الصغيرة، وبها أيضا عدد ليس بالقليل من الفنادق الصديقة للبيئة.
بالنسبة للموقع الجغرافي، تقع الواحات البحرية في صحراء مصر الغربية على بعدة حوالى 420 كم من القاهرة، وتتكون من واحات: القصر، منديشة، الباويطى، الحيز، وتتبع محافظة الجيزة، وعاصمتها هي مدينة الباويطى، وتعتمد في اقتصادها على زراعة وتجفيف البلح وزراعة الزيتون والسياحة، يعد تاريخ الواحات البحرية ثريا، ويوضح أهم مراحل التاريخ التي مرت بها مصر منذ أقدم العصور إلى الآن، وكشفت الحفائر الأثرية – التي أُجريت في منطقة الحيز شمال عاصمة البحرية مدينة الباويطى – عن أن المنطقة كانت مأهولة بالسكان في منتصف عصر الهولوسين الجيولوجى، وأن أهل الواحات البحرية عاشوا بالقرب من البحيرات التي كونها المطر.
وترجع الإشارات الدالة على وجود ذكر للواحات في عصر الدولة القديمة إلى الأسرة السادسة، وكان عصر الانتقال الأول مرحلة مضطربة في تاريخ مصر القديمة، ولم تمدنا الآثار – إلى الآن – بأى شىء يذكر عن وضع الواحات البحرية في ذلك العصر. وشهد عصر الدولة الوسطى تزايدا ملحوظا في الأنشطة والعلاقات بين أهل وادى النيل وأهل صحراء مصر الغربية. وبدأت الأسرة الثانية عشرة بحماية حدود مصر الغربية عن طريق بناء سلسلة من الحصون. وجاءت أهم الإشارات إلى الواحات في نهاية عصر الانتقال الثانى على لوح الملك كامس حين أشار إلى البحرية في أحد نصوصه من عصر الهكسوس الذي ربما توقفت فيه التجارة بين وادى النيل والواحات لافتقاد الأمن.
لقد استمرت أهمية الواحات البحرية في عصر الدولة الحديثة كأحد النقاط الاستراتيجية والعسكرية على حدود مصر الغربية، وعٌين أحد أبناء البحرية المدعو “أمنحتب حوى” كحاكم إقليمى وتنسب إليه أقدم المقابر المكتشفة في الواحات البحرية، وتعتبر مقبرة أمنحتب حوى حاكم الواحات البحرية من أهم الآثار التي تعود إلى تلك الأسرة، وقد ذكر أكثر من مرة على جدران مقبرته أنه من أهل الواحات وربما كان ذلك سببا في أن يدفن في تلك المقبرة في موطنه الأصلى. وتقع المقبرة على مقربة من قرية القصر. ولا تحمل مناظر المقبرة أي تأثيرات أجنبية؛ وعلى هذا الأساس فإن أمنحتب حوى وعائلته وخدمه يظهرون بملابس مصرية، والملاحظ أن المقبرة نفسها لا تختلف عن أي مقبرة مصرية من تلك الفترة، وتمثل المناظر المصورة على جدرانها المناظر الجنائزية التقليدية ومناظر المآدب، فضلا عن ظهور صاحب المقبرة وهو يساعد في عملية وزن وتخزين الحبوب وأوانى الخمر، وأشار الملك رمسيس الثانى إلى البحرية في معبد آمون بالأقصر على أنها مكان مقدس.
كما أدرك الملك شاشانق الأول ( من ملوك الأسرة الثانية والعشرين) أهمية الواحات كمحطات للقوافل، وكأراض غنية بالنبيذ الذي كان يعد هدية عظيمة، ثم سكن العديد من العائلات الليبية منطقة الواحات البحرية، وكان من بينهم رجل يدعى إرعاوا في السنوات الأخيرة من حكم الأسرة الثالثة والعشرين، وسوف نرى بعد ذلك أن أحد أحفاده أصبح حاكما للواحات البحرية وكاهنا أعلى لكل الآلهة التي تعبد فيها في عصر الأسرة السادسة والعشرين، وكان ذلك الرجل وأسرته المسؤولين عن تشييد معظم الآثار التي اكتشفت في البحرية، وهذا الحاكم هو جد خونسو إيوف عنخ.. وللحديث بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *