ابراهيم الصياد

ابراهيم الصياد يكتب… مستنقع الأخبار الكاذبة !

دعونا نتساءل عن المأزق الذي يعاني منه الآن الإعلام الخبري بما يمثل تحديا قد يراه البعض نتاج تطور طبيعي في حين يراه البعض الآخر ارتباكا في المشهد الاعلامي !
هذا التساؤل شغلني بعد ان فرغت من قراءة مقال مهم نُشر مؤخرا لصديقي ا.د محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية بعنوان ( التحولات في المشهد الإعلامي إلى اين؟ ) .
و توقفت أمام بعض الأفكار في المقال الذي يعتبر حقيقة ناقوس خطر يدق لإدراك مخاطر التحولات في المشهد الإعلامي ويضعها أمام دارسي وباحثي الإعلام بالإضافة الى الخبراء وأساتذة علوم الاتصال الجماهيري !
ومن ضمن ماقاله عبارة استرعت نظري: ( اصبحت وسائل التواصل الاجتماعى نفسها جزءًا أساسيًا من مصادر المحتوى الإخباري )
ومن وجهة نظري رغم انها عبارة صادمة إلا أنها حقيقة موجوده شئنا أم أبينا !
ما جعلني أحذر من خطورة الإعتماد على هذا النوع من مصادر الأخبار فكما تعلمنا وعلمنا أن هناك مايسمى القيم الإخبارية ( News Values )
وأي صحفي أو باحث و متخصص في الأخبار عليه أن يستوعبها جيدا لأنها تشكل ما يمكن تسميته الضمير المهني الحاكم للآداء الإخباري سواء كان مذيعا أو مقدما للبرامج أو محررا أو مراسلا أو حتى باحثا في أحد مجالات الاعلام .
ونعتقد أن غرفة الاخبار (News Room) التي لاتضع هذه القيم على رأس سياستها التحريرية مٱلها الفشل في توصيل الرسالة الإعلامية بصدق ومهنية .
وأهم هذه القيم الدقة والموضوعية والعدالة والإنصاف والتوازن والتنوع والمحاسبة والحيادية المشروطة والمصلحة العامة .
ولهذا نقول … يجب أن يخضع الخبر في عملية تدفق الأخبار اليومية (News Flow) لهذه القيم عند المفاضلة بينها في عمل ترتيب نشرة الأخبار أو مايسمى
( Run Down !)
ويقع مكمن الخطر في أن تلقي الأخبار لم يعد فقط مقصورا على وسائل الاعلام التقليدية مثل الإذاعة والتلفزيون والصحف الورقية وحتى وسائل الإعلام الجديد (New Media) أقصد هنا المواقع الإخبارية!
انما يتم استقبال الأخبار من منصات مايسمى الإعلام الإجتماعي أو (Social Media ) مثل فيسبوك وتويتر وغيرهما
وهي مواقع لا تخضع للقيم المشار إليها عند بث الأخبار !
وتواجه ايضا وكالات الأنباء المحلية والعالمية الخطر نفسه وعليها ان تطور نفسها بما يتلائم مع هذا المتغير الجامح
و لقد استخدم بعض الساسة ورؤساء الدول هذه المواقع لنقل بياناتهم وربما قراراتهم إلى الجمهور !
ويعتبر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الأكثر استخداما لها في نشر تغريداته على تويتر دون الحاجة لوسائل الإعلام التقليديه الذي كان يناصبها العداء!
وهو منحى خطير في التعاطي مع السياسات والقرارات العامة قد يراه البعض تطورا في ابلاغ الأخبار الرسمية للجمهور بينما يعتبره البعض الآخر تدهورا لانه قد لا يمر بمرحلة التدقيق اللازمة خاصة في امور مهمه تتصل بالسياسات الداخلية والخارجية للدولة !
نفس الأمر على مستوى
الناس العادية التي تبث أخبارا تُستقبل بشكل أسرع من الوسائط الأخرى دون حسيب أو رقيب (يفلتر) المطروح منها !
اعتقد أن التناول المهني للأخبار بمعنى في الخدمات الإخبارية المتخصصة يمتلك ضوابط تحريرية تمكنه من مواجهة تحدي منافسة مصادر الاخبار الناقله للأخبار عبر مواقع التواصل الإجتماعي حتى و أن كانت بعض الأخبار المنشورة رغم عدم ( مهنيتها) قد تكون صحيحة!
لكن معظمها قد تكون أخبارا غير صحيحة وتدخل في مجال الأخبار المشكوك فيها والشائعات (Rumors) التي تعتبر
اخبارا كاذبة تهدف إلى تضليل الجمهور ! ولا خوف من هذه الإشكالية مع المتخصص ولكن الخطورة مع المتصفح غير المتخصص الذي قد يساهم في ترويج الشائعة دون يشعر !
نعود إلى عنوان مقال د. شومان ( التحولات في المشهد الإعلامي إلى إين ؟ )
إن اجابة السؤال تتحدد في أن تحولات المشهد الإعلامي أدت إلى دخوله نفقا مظلما وحتما يحتاج إلى مشاعل تضيء له معالم الطريق وفي تصوري أن ( الإلتزام بالقواعد المهنية) يعد احد الحلول لكي لا ينحرف الإعلام الخبري عن مساره في تشكيل الوعي الجمعي !
وهنا يجب التوجه في الحديث إلى المتصفح وليس المتخصص عند التعامل مع أي قصة إخبارية منشورة في مواقع التواصل الاجتماعي
نقول له لا تتسرع بمشاركتها مع الغير ( Share) الا إذا تأكدت من صحة الخبر بشكل يحقق قيمتين غالبا مايفتقدهما هذا النوع من الأخبار :
⚫الدقة (Accuracy).
⚫والإنصاف
(Fairness)
وفي رأيي أنهما قيمتان إذا لم تجدهما في القصة الإخبارية يصبح الخبر مشكوكا في صحته وبالتالي من الضروري اتباع وسائل التدقيق للتأكد من صحة وموضوعية الخبر نوضح ذلك في مثال:
نشر خبر عن وفاة شخصية مشهورة إذا تم التعامل مع الخبر بالمشاركة مجرد بثه لتحقيق السبق وسرعة النشر قبل الآخرين دون تدقيق هنا نقع في مٱزق حقيقي إذا ثبت بعد ذلك أن الخبر كاذب (Fake News !)
وعليه يجب البحث عن مصدر الخبر وإذا كان غير واضح من المحتمل بنسبة عالية أن يكون الخبر كاذبا ونلاحظ أن تعددية مصادر الخبر تعلي من نسبة مصداقيته !
وعلى المتخصصين والباحثين في مجال الأخبار تنمية مهارة تحليل المضمون (Content Analysis)
لقراءة مابين السطور حتى يتم إكتشاف مدى إنصاف وموضوعية الخبر !
خلاصة القول ستظل هناك تحديات أمام الجمهور وصناعة الإعلام الخبري في ظل تنامي وانتشار منصات الإعلام الإجتماعي التي لاتحكمها حتى الآن أي ضوابط قانونية أو اخلاقيات مهنية وتلك هي احد معضلات تحولات المشهد الإعلامي التي تجعله يسير في حقل من الألغام !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *