أخطا ر أزمة «سد النهضة» على الأمن القومي العربي واستقرار المنطقة

أعبّر في البدء عن سعادتي بالمشاركة في المؤتمر العلمي الذي ينظمه مركز دراسات الأمن القومي الفلسطيني بالشراكة مع الاتحاد المصري لسياسات التنمية والحماية الاجتماعية حول قضية راهنة ذات تداعيات استراتيجية على المنطقة العربية والقرن الافريقي وحوض النيل. الحديث في قضية بحجم أزمة سد النهضة تستدعي استحضار الوضع العام الذي تمرّ به الأمّة العربية في هذه المرحلة من تشرذم وضعف أغرى قوى واطرافا بإدارة ملفات تهمّ امننا القومي دون ايلاء أهمية مناسبة لمواقفنا. لذلك نرى أنّ إدارة الملفات الحيوية مثل ملف سدّ النهضة ستفقد الكثير من ورقات القوة في هذه المرحلة بسبب هذا الضعف والتشرذم وبعلة ذهاب الريح.
بعد هذه المقدمة التي تعكس عمق القلق الذي نتابع به وضع أمتنا أودّ التمهيد للأفكار التي سأعرضها عليكم في هذه الندوة بملاحظتين منهجيتين:
1 . الملاحظة الأولى تشير إلى أنّ الأمن القومي في اعتبارنا والذي له صلة بالمنطقة العربية يؤثر فيه بشكل مباشر دول كبرى أو ذات تأثير هيكلي على مجرى الأحداث في عموم المنطقة العربية وأنّ تاثيرها يتصل في اتجاهاته المتعدّدة بمنطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي وحوض النيل. هذه الدول أساسا هي مصر وإثيوبيا وتركيا وإيران وإسرائيل. ونعتبر أنه يحصل بينها في هذه اللحظة اختلال في التوازن الاستراتيجي يتجّه للأسف ميزان القوى فيه لغير صالح مصر في مستويات عدّة أهمّها الوضع الاقتصادي والاستقرار والسلم الاجتماعي وتأمين احتياطي استراتيجي من موارد الطاقة والمياه. وهذه المستويات كما هو معلوم حاكمة لدور الدول وقدرتها على التأثير والتوجيه.
2 . الملاحظة الثانية تفيد أنّ الخطة الخماسية لأثيوبيا المبرمجة للفترة بين 2015 – 2010 لم تتضمن أي إشارة مباشرة إلى بناء سدّ في اثيوبيا. وغياب التنصيص على مشروع بهذه الحجم وهذه الأهمية في خطة خماسية خاصة وأنّ كلفته تقدّر ب 5 مليار دولار يدعو إلى طرح تساؤل جوهري كيف تقرّر تنفيذ هذا المشروع الذ ي لم تتضمنه الخطة الخماسية؟ ومن أغرى بالمض ي في تنفيذه؟ وما هي السياقات التي شجعت على ذلك؟
تفيد هاتان الملاحظاتان أنّ بناء السدّ لم يأتي في سياق استجابة لحاجة إثيوبية محلية صرفة ولا يندرج في إطار خيار تنموي اقتصادي بحت. بل نراه من وجهة نظرنا يدخل في سياق استراتيجية اقليمية وَضَعت إثيوبيا علمت أو لم تعلم في محلّ وظيفة تغيير ميزان قوة اقليمي. يكفي لفهم ذلك معرفة الدور الاسرائيلي من خلال البعثات السياسية والخبراء ومختلف الشركات التي انتصبت في السوق الإثيوبية في مجالات عدّة وأهمها مجال الزراعة والمياه. لذلك نعتبر أنّ ما طرأ على الخطة من تغيير هيكلي في مضامينها كان في سياق استغلال ظرف مصري هشّ ومن اجل تغيير عميق في معادلة القوة الاستراتيجي إقليميا بالسيطرة على منابع مياه النيل والتحكم في المستقبل الاقتصادي والسياس لدول مرور النهر ومصبّه.
وما يؤكد ما ذهبنا إليه صيغة الاستعجال التي يدار بها الملف والرغبة في ربح الوقت والمرور بقوة في تنفيذه والإصرار على تعبئة المرحلة الأولى من السد دون أدنى اتفاق مع الأطراف المعنية. نعلم جميعنا أنّ تنفيذ مشروع بقيمة سدّ النهضة المالية والتقنية والمائية وفي ظلّ الرهانات التي أشرنا إليها سابقا وتحت ظرفية تتسم بالاستعجال وعدم إعطاء الخبراء من الدول الثلاث الفرصة للإتفاق على المعايير الفنية لبنائه يجعلنا نرفع من درجة المخاطر المتوقعة وتداعياتها المادية والبشرية والبيئية.
أفادت الدراسات الجيولوجية الموثوقة أنّ السدّ يقام على منطقة قلق زلزالي هي امتداد لما يسمى الأخدود الإفريقي أو حفرة الانهدام الكبير. الأمر الذي يجعله عرضة لاحتمال الانهيار لاحقا تحت تأثير زلازل تزيد قوته عن 4 درجات في سلم رشتر خاصة وأن الأراض التيّ يقام عليها السد هشة جيولوجيا ما يجعلها غير قادرة على تحمل تخزين أكثر من 11 مليار م 3 . كما تفيدنا معطياتنا أنّ مصر تعتمد في حصادها المائي على نسبة تقدر ب 85 % من مياه النيل ، ويقدر الخبراء أن ملء سدّ النهضة خلال فترة ما بين 5 – 3 سنوات سيقود إلى تراجع 20 % من حصة مصر البالغة 55.5 مليار م 3 لاتفاقيتي طبقا  1929 و 1959 ، وعليه سيتراجع نصيب الفرد المصري من المياه من 2,500 م 3 سنويا إلي 500 م 3. إنّ ملء سد النهضة قد
يقود إلى أن يبقى السد العالي فارغا لمدة 12 عاما طيلة فترة الملء الإثيوبي، وقد يؤدّي ذلك إلى النتائج التالية:
– انخفاض المساحة المخصصة للمحصول الأهم لسلة الغذاء المصري أي الأرز من 1.8 مليون فدان إلى 724 ألف فدان، أي نحو 40 % من حجم المساحة الحالية في سنة 2020. ما يعني جفاف الري عن مساحة واسعة من الأراض ي الزراعية
– انخفاض منسوب المياه الجوفية وخسارة مصر ما بين 19 – 11 مليار م 3 من المياه
– تداخل مياه البحر مع المياه في الدلتا المصرية مما يقود إلى ارتفاع نسبة الملوحة في التربة وجعلها أقل صلاحية للزراعة
– التلوث وتهديد الثروة السمكية
– تراجع الطاقة الكهربائية في مصر إلى 40%
أمام خطورة هذه التداعيات والتي تزيدها إدارة إثيوبيا للملف حرجا نقترح التوصيات التالية:
أمام خطورة هذه التداعيات والتي تزيدها إدارة إثيوبيا للملف حرجا نقترح التوصيات التالية:
1 . مأسسة التفاوض برعاية إفريقية ودولية
2 . بالتوازي البدء في إجراءات تقاض ي لدى هيئات التحكيم المختصة . 3 . في انتظار ما سيفض ي إليه التفاوض والتحكيم تتعهد/تلتزم أثيوبيا بأن لا تؤثر أنشطة السد على حصة كل من مصر والسودان حسب الاتفاقات القائمات . 4 . وبالنظر إلى أن إثيوبيا تعتمد سياسة الدخول بقوة وفرض الأمر الواقع لذلك نراها انطلقت في تنفيذ المرحلة الاولى من تعبئة السد ولأن هذا الخيار لا يساعد على إنجاح تفاوض عادل ومنصف لكل الأطراف فإن المؤتمر يدعو إلى إطالة مدة المرحلة الأولى من تعبئة السد لتكون بين 7 و 10 سنوات وهي فترة تسمح بإنهاء التفاوض والتحكيم والوصول إلى حل عادل ومنصف دون احداث تغيير جذري يؤثر على حقوق المتنازعين . 5 . التزام إثيوبيا بتأمين وضع مصر والسودان في علاقة بمخاطر حقيقية تهدد السد بالنظر إلى إنشائه في منطقة قلق زلزالي فضلا عن أن الخصائص الجيولوجية لأرضية السد تشير إلى تأكد طبيعتها الهشة. إن خطر انهيار السد في ارتباط بسعته وحجم المياه المقدر ملؤها فيه أمر أكدته الدراسات الفنية المعتمدة والموثوقة وهو ما يضع إثيوبيا تحت مسؤولية سياسية وأخلاقية وقانونية واقتصادية تلزمها بأن تتكفل برعاية هذه المسؤولية والتأمين لها . 
6 . يعتبر البدء في بناء السد وبقطع النظر عن حجم تداعياته عملا مضرا بالسودان ومصر لذلك فإن مسؤولية إيجاد الحلول والبدائل التقنية والاقتصادية وفي البنية التحتية لخارطة مجرى النيل هي مسؤولية مشتركة تتفاوت بحسب الضرر الذي يلحقه طرف بباقي الأطراف وعليه فإن إثيوبيا والسودان ومصر مسؤولة على وضع استراتيجية مشتركة لتهيئة مجالية مائية وزراعية شاملة ومندمجة تمنع حصول الضرر بفعل الاعتماد الاستراتيجي التنموي المتبادل لعموم الإقليم ووضع الآليات اللازمة لذلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *