أخبار عاجلة

إبراهيم الصياد يكتب… موقع ثورة يوليه في المعادلة المصرية !!

خمسة وستون عاما هي عمر  ثورة الثالث والعشرين من يوليه عام 1952 في مصر والتي تعتبر نموذجا أمثل لثورات عديدة إندلعت في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية في بداية  ما يعرف فترة التحرر الوطني في النصف الثاني من القرن الماضي لاسيما  في الدول التي خضعت في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين للاستعمار التقليدي . 
وهي نفس الدول التي عرفت بعد ذلك بالعالم الثالث حسب التصنيف العالمي المستند لمستوى الرفاهة الاقتصادية بعبارة آخرى كانت ثورة تموز                ( يوليه ) المصرية تعبيرا عن طموح مجموعة الدول الاخذة في النمو الاقتصادي والاجتماعي وترجمت سياسيا في مبادئ الحياد الايجابي بالنسبة للعلاقات الدولية ومبادئ التطبيقات الوطنية للفكر الاشتراكي بالنسبة للسياسات الداخلية .
وواقعيا ارتبطت ثورة يوليه بالحقبة الناصرية وانتهت – عمليا – بوقوع هزيمة عام 1967 التي تعد اهم واكبر عثراتها لكن سياسيا يرى كثيرون ان الثورة استمرت بعد رحيل عبد الناصر في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 في الجمهورية الثانية إبان حكم الرئيس انور السادات واستند هذا الرأي الى ان السادات استفاد من درس حرب الايام الستة وماتلاها من مواجهات اصطلح على تسميتها حرب الإستنزاف وساعدته في الاعداد وتنفيذ حرب اكتوبر في العام 1973 وحقق السادات اول انتصار عسكري على اسرائيل ولولا روح ازالة اثار العدوان ما تمكن من التجهيز للحرب . 
وفي المقابل يرى فصيل من الناصريين أن الرئيس السادات انقلب على مبادئ ثورة يوليه عندما اتبع سياسة الباب المفتوح اقتصاديا ( الإنفتاح الاقتصادي ) ومد يده بالسلام للعدو الصهيوني ( اسرائيل ) ورغم ذلك لما تولى الرئيس حسني مبارك عقب اغتيال انور السادات في ذكرى يوم انتصاره في السادس من اكتوبر عام 1981 قيل إن ثورة يوليه مستمرة لأن مبارك ليس من جيل اكتوبر لكنه من نفس الجيل الذي قام بثورة يوليه ومع  ذلك لم يتراجع عن خط الرئيس السادات السياسي والاقتصادي والاجتماعي لذلك طوال فترة حكمه التي استمرت نحو ثلاثين عاما كان الناصريون احد اهم جبهات معارضة سياساته حتى تنحيه عن السلطة  في الحادي عشر من فبراير عام 2011.
وخلال ثورة يناير  رفع المصريون من جديد صور جمال عبد الناصر ورددوا شعارات ثورة يوليه  في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية واعتقد كثيرون ان هذه الثورة هي بعث جديد لها على الرغم من ان الثورتين يوليه ويناير مختلفتان في الظرف التاريخي والدوافع لقيام كل منهما والكيفية التي قامت بها الثورتان ثورة يوليه كانت تتمة لنضال الحركة الوطنية المصرية منذ ثورة احمد عرابي عام 1881 ومرورا بمقاومة الاحتلال البريطاني ورفض تسلط حكم الاسرة العلوية   ( نسبة لمحمد علي باشا ) وتفشي الافطاع وصولا لثورة 1919 وما آل اليه الحال بالبلاد حتى قيام ثورة 23 يوليه عام 1952 كما ان ثورة يوليه كانت في البداية مجرد حركة قام بها مجموعة من الضباط في الجيش المصري سرعان ما ايدها الشعب وتحولت الى ثورة تطرح بدائل جديدة لحياة المصريين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من خلال تغيير شامل  للاوضاع التي كانت موجودة قبل 52 . 
ففي 1952 شهدت مصر حالة غليان شعبي نتيجة فساد الأحزاب وحريق القاهرة الذي دبرته أياد مشبوهة، وضياع فلسطين، ما انعكس على انتخابات نادي الضباط وجاءت النتيجة مبشّرة بأن ثمة تغييراً إيجابياً في الطريق، فيما عقد «الضباط الأحرار»، الذين وقفوا وراء تطورات نادي الضباط، العزم على خروج حركتهم إلى النور، وصباح 23 يوليو لم يكن يدور في خلد أي منهم أنه على موعد مع أعظم ثورات العالم الثالث، وواحدة من أكبر ثورات التاريخ في العصر الحديث فقد كان أقصى سقف يتمنونه إسقاط الحكومة وتحييد القصر ورحيل قوات الاحتلال، ولكن مباركة وانضمام الشعب إلى الحركة حوَّلا المسار إلى طريق آخر انتقل بها إلى مستوى الثورة.
وتوسم الضباط الأحرار في اللواء محمد نجيب آنذاك واجهة للثورة حتى أدركوا أنه لا بد أن يتحملوا المسؤولية كاملة وبرز عبدالناصر قائداً وزعيماً ارتبط مع الجماهير بعلاقة استثنائية ساعدته على مواجهة التحديات التي بدأت مع سحب الغرب عرض تمويل السد العالي والحقيقة أنه كان يخوض معركة شرسة في الداخل والخارج في الداخل ضد فلول النظام الملكي وأذناب المستعمر البريطاني وجماعة الإخوان وفي الخارج مع مجموعة الدول التي استكثرت التحرر والاستقلال على مصر، وفي مقدمها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
وفي 26 تموز( يوليه )  1956 وجه عبدالناصر ضربة قاصمة لأعداء الثورة بتأميم قناة السويس كي تعود مرفقاً وطنياً إلى أحضان الوطن يدار بفكر وخبرة مصريين. وما هي إلا أشهر قليلة حتى وجهت بريطانيا وفرنسا إنذاراً لمصر لتسليم القناة إلى الإدارة القديمة، لكن إرادة الشعب كانت أقوى من الإنذار الذي تحول إلى عدوان ثلاثي غاشم فشل في أن يعطل مسيرة الثورة التي مضت في طريق التحرر الوطني. وهكذا شعر المواطن المصري بالفخر لأن الثورة بامتداداتها القومية والقارية والعالمية كان لها أكبر الأثر في انتقال العدوى إلى الكثير من الدول العربية والأفريقية !.
وعلى مستوى العلاقات الدولية، عرف العالم حركات جديدة مثل حركة عدم الانحياز وحركة التضامن الآفروآسيوي، وظهرت مفاهيم جديدة في السياسة الدولية مثل الحياد الإيجابي والتعايش السلمي، وجاءت هذه التطورات في لحظة انقسام العالم إلى معسكرين شرقي اشتراكي وغربي رأسمالي، وكان على الثورة أن تشق طريقها في شكل محايد وتنحاز إلى مصلحة الجماهير في مصر والعالم العربي، حيث كان البعد القومي أهم ما يميزها وفي مطالع من الستينات انتقلت مصر من مرحلة التحرر الوطني إلى مرحلة التحول الاشتراكي، غير أن عدوان 1967 عصف بالثورة، لكن علاقة عبدالناصر الاستثنائية بالجماهير حولت الهزيمة نقطة انطلاق من جديد، فكانت نقطة بداية في إزالة آثار العدوان ودخول معركة الاستنزاف حتى حرب 1973.
وفي شهر كانون الثاني (يناير) عام 2011  شهد  ثورة في العالم الافتراضي لا تنفصل عما يسمى ثورات الربيع العربي وفي كل الاحوال بدأت بمظاهرات محدودة يوم 25 يناير تطالب بإستقالة وزير الداخلية ثم سرعان ما اتسع نطاقها وزاد سقف مطالبها  لتتطور وتصبح اقرب لهبة شعبية أو ثورة تطالب عبر 18 يوما برحيل نظام حسني مبارك ويمكن القول إن هذه ثورة قام بها الشعب وايدها الجيش ولم يكن لها رأس ( قيادة ) او رؤية مستقبلية او خطة للتحرك عكس ثورة يوليه الامر الذي ادى الى تعثر ثورة يناير  ومن ثم مهد الطريق لإختطافها من قبل جماعة  ” الاخوان المسلمون  ” ! .
وعندما قامت ثورة الثلاثين من حزيران (يونيه )عام 2013 كانت ظروفها افضل من ثورة يناير وهي في الحقيقة ثورة تصحيحية لما طالب به المصريون في يناير وكانت كاشفة لاخطاء الربيع العربي وهو اهم مايميزها ولهذا كان هناك تناغما بين الشعب والجيش في 30 حزيران ( يونيه ) وما يختلف الى حد ما عن ثورة تموز ( يوليه ) ان قيادة الجيش هذه المرة هي التي باركت حركة الشعب في ظل وجود حكم الاخوان ومن الملاحظ ان كثيرين يشبهون الرئيس عبد الفتاح السيسي بجمال عبد الناصر وهذا ما شهدناه في الميادين والشوارع خلال الفترة من 30 يونية مرورا ب 3 يوليه حتى تفويض الشعب له بمواجهة الارهاب في 26 من الشهر نفسه  عام 2013 حيث رفعت  صور السيسي وعبد الناصر بشكل  ملحوظ وكأن ثورة تموز ( يوليه ) عادت من جديد وإن كنت أرى أن  القياس مخل وطبيعة الظرف التاريخي متباين والزعامات لا تتكرر ولو كان عبد الناصر معنا اليوم ربما ما كان قد حقق نجاحات مثل ما حققها السيسي  ويظل في التحليل الاخير العنصر الثابت الوحيد في معادلة الثوارت المصرية  جماهيرالشعب سواء شئنا أم ابينا !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *