أخبار عاجلة

د.أيمن رفعت المحجوب يكتب.. “من يعرف ماضية يخطط لمستقبلة..!”

كنت قد سافرت فى اجازة منتصف العام  إلى الاقصر واسوان لزيارة الآثار القديمة والاستراحة من عناء العمل و التدريس بالجامعة , وما اجمل صعيد بلادنا ، وفى احد المعابد الفرعونية الجميلة ,لاحظ سائح ألماني مسن أن العجب يأخذ منى مأخذاً كبيراً عند رؤيتى للآثارالمصرية القديمة والتاريخ المنحوت على جدرانها العتيقة , فسألني إذا كانت هذه هي المرة الأولى لزيارتي إياها؟ فقلت وبعزة وكبرياء المصرى المحب لبلدة واثارها العظيمة : لا وبلا فخر بل الخامسة او السادسة ، فتبسم ضاحكا وقال زرتها من قبل ثمانية وعشرين مرة وهذه التاسعة والعشرون ، وعلىَ أن أجيء كل عام في المستقبل أيضاً حتى مماتى. فقلت له فهمت أنك كنت في المرة الأولى مستطلعاً مستفيداً ، فأتممت في المرة الثانية ، ثم أعوزك الوقت لإتمام قصدك فجئت الثالثة. فما رأيت أعجب من تسويفي زيارة الآثار إلى هذا اليوم إلا إكثارك من رؤية الشيء الواحد ، واستزادك من ذلك على غير جدوى. فقال ، بل باللذة التي كنت أشعر بها كأنها أول مرة. وما رجعت مرة إلا بفوائد جديدة لم أكن لأحصل عليها من قبل , كلهفة العاشق الملوع للقاء معشوقته.
كان لهذا الحديث الطريف أثر ثابت عندى في فهم هذا الاهتمام الذي يعرفه الغرباء من دول أوروبا كالألمان والفرنسيين وكثير من دول أمريكا الشمالية والجنوبية وباقى دول العالم من الجانب الشرقى للمعمورة في زيارة آثار مصر للوقوف على أخبار العالم الأول ، حتى ليضيفواتتبذلك صفحة أو صفحات إلى أسفار التاريخ القديم ، ولينتفعوا بمعرفة قوانين النشوء والارتقاء التي صارت عليها العلوم والفنون والصنائع من نحو سبعين قرناً. وليبحثوا في جوانب العالم عن الحلقات المفقودة من سلسلة الظواهر الاجتماعية والحركات السيكولوجية والفلكية والمجموعة الشمسية و علوم اخرى كثيرة التي تطورت بها الأمم حتى صارت إلى ما هي عليه الآن. فقد عرف هؤلاء الاجانب من قبلنا أن الذي يجهل ماضي العالم حقيق به ألا يصح حكمه على حاضره ولا على مستقبله. ومن لا يعرف تطورات الانسان، لا يستطع أن يضع له قوانين السلوك في الحياة الاجتماعية ولا السياسية ولا حتى الاقتصادية .فحتى المصري المتعلم عادة مايقف أمام الآثار القديمة لا يعرف منها إلا ما يعرفه العامي. يعرف منها أنها عظيمة متقنة دالة على عظمة الملك الذي يخبرعنه من المرشد السياحى الواصف لها ,لا أكثر.
لا أطلب أن يكون كل فرد منا «شامبليون» في دقة ملاحظته وقوة استكشافه أو «ماسبيرو» في إحاطته بعلوم الآثار المصرية، أو يحاكي د. زاهي حواس في معلوماته الأثرية الفياضة. ولكن المطلوب هو محاضرة مستمرة ودروس دائمة في المدارس و الجامعات وغيرها من دورالعلم وقصور الثقافة ، يسهل السبيل على أبناء مصر أن يعرفوا ماضيهم لاعلى الوجه العلمي المتخصص ، ولكن على الوجه الذي يعرفه السائح الأجنبي من آثار تاريخ أجدادنا اكثر منا نحن اهل البلد. فليس أمتنا في حاضرها ذات وجود مستقل عن أمتنا فى ماضيها، ولكن الأمة كيان واحد غير منقسم وغير قابل للتجزئة. انها أمة خلق جسمها الاجتماعي متماسكا من يوم أن استقلت بهذا الوطن المحدود جغرافيا، وكانت ذات نظام اجتماعي معروف الهوية فصارت تنتقل في حياتها من الصحة إلى المرض، ومن المرض إلى الصحة ، حتى صارت إلى ما هي عليه اليوم بعد سبعة آلاف عام حتى العام الحالى 2016. فبعيد على المصريين الذين يريدون الارتقاء ببلادهم (في هذا الزمان وبعد الثورات الحديثة) أن ينجحوا في تحقيق ارادتهم هذه إلا إذا عرفوا حقيقة أمتهم وماضيهم المشرف.
وإن حقيقتها هي مجموع ماضينا وحاضرنا ونظرة الى مستقبلنا . فليست فى معرفة الآثار الفرعونية والعربية والاسلامية والقبطية واليونانية…الخ، ولو قليلاً، مقصوراً نفعها على اغتباط النفس برؤيتها وتحصيل شعورالعزة بذكرى ماضى مصر المجيد وقول «هذا مافعله اجدادنا العظام». بل هناك نفع أعم وهو الوصول من معرفة الماضي الى معالجة الحال حتى يتبدل به مستقبل سعيد. عسى أن يقع ما نقول من مشاعر الشباب موقع القبول, فيقبلوا على وسائل العلم بمصر القديمة خاصة أن الوصول للعلم في هذا العالم الالكتروني الحديث أصبح أسهل وأيسر سبلاً. يا اهل مصر تعلموا وعلموا تاريخ بلدكم , وكونوا ياشباب مصر خير الناس ,  فخير الناس أنفعهم للناس, وعلى وزارات التربية والتعليم والآثار والثقافة والسياحة والشباب ان تفرد مساحة اوسع للدرس النظرى والعملى فى مجال علوم الاثار القديمة وتاريخها وعلوم المصريات , حتى يعى المصريون (الشيوخ والشبيبة) عن حق ماضيهم, فيفهموا حاضرهم, ويخططوا لمستقبلهم تتخطيطا صائبا .حتى نصبح امة متنورة بنور العلوم, فرقى الأمم بعلومها واخلاقها الحميدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *